حراك الريف…مقاربة سوسيولوجية لفعل الإحتجاج

 

إن المتأمل في الأشكال التعبيرية التي واكبت “حراك الحسيمة” بكل أشكال تلاوينها, يجد نفسه أمام جملة من التساؤلات الجوهرية تحمل في روحها إجابات حول التساؤلات ذاتها: حراك الحسيمة أهو حراك من أجل إثبات الهوية الأمازيغية؟ أم حراك من أجل تغيير الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية التي يتقاسمها المغاربة على امتداد خارطة هذا الوطن? أم أنه حراك لخدمة أجندات سياسية معينة؟.

صحيح أن السبب الرئيسي للصراعات  الداخلية في أي مجتمع يتمثل في التفاوت الطبقيوغياب العدالة, صراعات تدور رحاها بين أبناء الريف الأمازيغ وبين طبيعة النظام السياسي.

وعلى الرغم من تدخل الحكومة ونزولها إلى أرض الواقع لمعاينة الأحداث عن قرب وتوفير فرص وظيفية جديدة للشغل بالمنطقة, إلا أنها لم تستطع إخماد حريقها الذي امتد لهيبه مختلف المناطق المغربية, مع اختلاف طبيعة المطالب حسب المنطقة, مما أدى إلى اعتقالات بالجملة فاقت  الأربعين فردا بالحسيمة. وبالتالي نتساءل; هل الدولة باعتبارها الأسمى من الناحية الأخلاقية لم تستفد من

الانتفاضات الحضرية الكبرى التي عرفها المغرب مباشرة بعدالاستقلال, في إيجاد ميكانيزمات تمكنها من وضع حد لامتداداتها خاصة أنه سجل ارتفاعا ملحوظا في صفوف المعتقلين السياسيين وصل إلى الأربعين؟

بالتالي نعود إلى مقولة “النار لا تطفئ النار “, إن الأشكال التعبيرية ذاتها أخذت منحى آخرا مقارنة مع السابق, إذ عرفت أشكالا أكثر انجذابا وإثارة فعلى سبيل المثال لا الحصر أداء القسم من جديد “ثم” دكالة طحن مو” مكناس … طحن مو .. وغيرها من المناطق المغربية الأخرى, على نفس الإيقاع, هل هو تعبير عن وعي حقيقي إلى درجة أنهم اصبحوا على وعي تام بدرجة طبيعة المشاكل التي يعاني منها المغاربة? أم أنها رسالة مشفرة تستدعي فيها الريف قيام “حراك” وطني تعاطفا وتضامنا مع المعتقلين السياسيين وعلى رأسهم قائد الحراك الشعبي  “ناصر الزفزافي؟”

لقد عرف الباحث عرف الباحث “GUY ROCHERالحركة الاجتماعية بكونها تنظيم مهيكل ومحدد, له أهداف علنية يكمن في جمع بعض الأعضاء للدفاع عن قضايا محددة, ذات طبيعة اجتماعية.

كما عرفها أيضا A.Touraine بأنها تدخلات  سياسية لمجموعة اجتماعية تابعة بمعنى أنها مبعدة عن مسارات التقرير ومجال السلطة, وعن مبادرة التغيير التاريخي, وهناك من ينعتها كحركة مشاغبة عفوية, جماهيرية, ساخنة وجذرية, وآخر يحددها كحركة منظمة, مؤسسة-بكسر السين باردة, جزئية وتقبل بالنظام العام. فتعدد مفهمة الحركة الاجتماعية لا يعني ثراء البعد النظري, بقدر ما يروم إلى صعوبة الإحاطة بالمفهوم, لكن

الذي حدث بالحسيمة, ما موقعه  من هذه التعريفات التي أعطيت للحركة الاجتماعية؟  هل هو حراك منظم, مؤسس-بفتح السين- وجزئي, أم تنظيم مهيكل ومحدد؟  أم تدخلات سياسية لمجموعات اجتماعية؟  أم حراك مشاغب ..?, والواقع أن A.Touraine  يستند في انهجاسه بالحركات الإجتماعية إلى موقفه النقدي من فكر ما بعد الحداثة باعتباره فكرا هداما للنموذج العقلاني, باعتبار ان الحركة الاجتماعية -كما سبق وقدمت وإن بشكل مغاير-هي فعل خاص يؤشر على سلوك  جمعي لفاعلين من جماعة معينة تناضل ضد جماعة أخرى من أجل القيادة, وهذا يتضح بالملموس من خلال مواجهة الريف للنظام القائم أو الدولة وبالتالي فالصراع محتدم بين أشده بين أيديولوجية الدولة المتجسدة في الخطاب الديني من خلال طبيعة الجمعة التي تناولت مفاهيم من قبيل الفتنة “, وردود فعل قائد ثورة الريف “ناصر زفزافي” تجاه خطيب الجمعة واصفا إياه بالإمام “المضل” مستندا أيضا على مرجعية دينية في ذلك بالتالي فالمجتمع يجب فهمه في سياق صلات اجتماعية ونقاشا وصراعات ومبادرات سياسية, أ و بالأحرى وفق علاقة جدلية بين الفكر والواقع, وكما حدد ذلك عبد الرحيم العطري, باعتبا ر المجتمع ما هو إلا نسق من الصراع المتواصل يستدعي  الشحذ المستمر للأسئلة الجسورة, الذي يتأسس بالضرورة على التركيب والتداخل, فصحيح أن الحركة الإجتماعية تفترض وجود صرا , حول مصالح ودفاع عن حقوق وذلك من أجل الدفاع عن الهوية  والمصالح الخاصة, ثم النضال ضد الخصم, والرؤيا الاستراتيجية والشمولية التي يتقاسمها الأفراد, وهذه جلها عناصر تحتمها الحركة الإجتماعي كما حددها توران  أثناء اشتغاله عليها.

في الأخير, نجد أنفسنا من جديد أمام اسئلة راهنية :هل حقا حراك الريف حراك من أجل تحقيق مطالب وقضايا اجتماعية في المنطقة بحاجة ماسة إليها؟ أم هو مجرد حسابات ضاربة في القدم حان الوقت لتصفيتها؟ هل إذا ما تم إطلاق سراح المعتقلين السياسيين, ستخمد جذوة حراك الريف وتهدأ الأوضاع؟ أم أنها ستكسر قولة واتربي المغرب يبدو  على انفجار تام ولن يحدث؟

 

 

التعليقات مغلقة.