إلى أين يسير المغرب ؟ قراءة في الأحداث والاحتجاجات والصمت

خلفية من التاريخ القريب:

تحركت (الشعوب) العربية سنة 2011 مباشرة حين أقدم مواطن تونسي على حرق نفسه بعدما صفعته شرطية في الشارع العام،فتأججت الاحتجاجات التي كانت أصلا قائمة ضد سياسة الرئيس زين العابدين بن علي أو بعبارة أصح ضد عائلة زوجته التي كانت تتصرف في تونس كلها وكأنها ضيعة خاصة لهذه العائلة الفاسدة ..

الكثيرون يعتقدون لحد الآن أن أحداث تونس كان سببها حرق البوعزيزي لذاته،والحقيقة ليست كذلك،فقد كانت تونس ساخنة بالاحتجاجات قبل ذاك التاريخ بأشهر،وبالرغم من زيارة الرئيس التونسي للغرفة التي كان يرقد بها البوعزيزي في المستشفى،وإعلان الرئيس تلبية مطالب الشعب،لكن ذلك لم يشفع له،لقد كان الشعب غاضبا وصابرا،لكن الفرصة جاءت ليعبر الشعب عن سخطه وغضبه تجاه سلطة جائرة وحاكم عنيف ..

انتهت القصة بمغادرة الرئيس بن علي تونس وضل يحلق في الجو حوالي 10 ساعات دون أن تقبل به أي دولة حتى تكرمت عليه المملكة العربية السعودية بضيافة صامتة،حيث ما زال هناك.

انتقلت الاحتجاجات إلى جمهورية مصر العربية وانتهت بخلع الرئيس محمد حسني مبارك الذي كان يهيء أحد أبنائه ليخلفه في الحكم،لكن رياح الاحتجاجات جرت بما لا تشتهيه سفينة الرئيس المخلوع..وفجأة تحول اليوم 25 من يناير إلى يوم الثورة وأصبح ضمن أيام مصر الخالدة.

بزغ نجم الدكتور محمد مرسي وجماعته (الإخوان المسلمين) خلال ما سمي بثورة ميدان التحرير وحملته هذه الاحتجاجات إلى سدة الحكم وقد وصل القصر الجمهوري من السجن حيث كان مرسي معتقلا..لكن مشواره في الحكم لم يدم طويلا وبقية القصة معروفة..

لهيب هذه الاحتجاجات انتقل بسرعة إلى الجماهيرية العربية الليبية الاشتراكية العظمى حيث أودت بحياة الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي والنتيجة في ليبيا معروفة كذلك ..قتل العقيد وأحد ابنائه وسجنت عائلته وما زالت ليبيا ثائرة على نفسها لحد الآن..

قبل ذلك كان لهيب (الثورة) قد حط الرحال في أرض الشام وهي الدولة الوحيدة التي ما زالت تقاوم الإرهاب بمفردها لحد الآن دون أن يسقط النظام فيها..وقد تكون الشام هي نهاية (عهد ثورات الربيع العربي).

وإذا أردنا ربط الأحداث فإن فتنة الربيع العربي بدأت من العراق وكانت نتيجة الاحتلال العسكري الأمريكي والإيراني لبلاد الرافدين قطع رأس الرئيس العراقي صدام حسين صبيحة عيد الأضحى ..

حالة المغرب:

هنا في المملكة الشريفة وقاها الله شر البلاوي والفتن قامت حركة احتجاجية أطلق عليها إسم: حركة 20 فبراير أقامت الدنيا ثم أقعدوها (أقعدوا الحركة) للأبد.

بدأت الاحتجاجات في مختلف أنحاء المملكة وتعاملت معها الشرطة بداية الأمر بالكثير من الليونة باستثناء بعض الحالات التي سجل فيها قمع الشرطة للمتظاهرين،وكان المطلب الأبرز لحركة العشرين من فبراير هو تغيير الدستور.

وللحقيقة والتاريخ لا غير،فإن حركة العشرين من فبراير كان لها الفضل الكبير على هذا الوطن ولعل في مقدمة ذلك،أن هذه الحركة الشبابية استطاعت أن تكشف عن حقيقة كبيرة هي أن الأحزاب السياسية لم تعد تساوي شيئا أمام الشعب،إذ عوضا أن تخرج هذه الأحزاب للشارع وتطالب بالحقوق الإنسانية والقانونية للشعب،كما كانت تفعل في الماضي، (أقصد أحزاب المعارضة السابقة ) باتت هذه الأحزاب تخطب ود شباب 20 فبراير ويسعى كل حزب بما يملك من الاقتراب من الحركة..وواضح أن الحركة وقعت في فخ الأحزاب بسبب عدم تجربة قادة هذه الحركة ومسيريها،وبالتالي كانوا أيسر للمساومة والتنازلات.لكن الأحزاب السياسية تعرت بالكامل وأصبح قادتها ينادون بضبط النفس..فقط..لأنه لم يعد لهم نفس..لكن كان هناك حزب استفاد من حركة العشرين الفبرايرية،حزب العدالة والتنمية كان قريب جدا من الحركة خاصة بعدما مهدت له الطريق جماعة العدل والإحسان غير القانونية حيث تخلت عن الحركة منتصف الطريق..لذلك فإن شباب الحركة ملوا من الصراخ وعادوا إلى قواعدهم و(مناصبهم) التي غنموها من المخزن بعد مفاوضات واتفاقات.

بكل تأكيد كان لحركة 20 فبراير الفضل الكبير في تعرية جميع الأحزاب السياسية التي وجدت لكي تستفيد فقط،وحيث كانت الأحزاب القديمة بيمينها ويسارها قد استنفذت ذخيرتها،برز حزب العدالة والتنمية كقائد للتغيير،وكان لابد من أن يركب هذا الحزب على الحركة الشبابية عبر تبني مطالبها،خاصة بعدما تخلت عنها جماعة العدل والإحسان.

في ظل ذاك ـ الحراك ـ الشبابي خطب الملك وأمر بتغيير الدستور الذي كان أهم مطلب للحركة الشبابية، تغيرت الكثير من مفردات الدستور وكانت قبائل الأحزاب هي أول من أشادت بهذا التغيير في المفردات فقط ، واعتبرته فتحا مبينا، بينما من وجهة نظري الدستور لم يتغير فيه أي شيء. تغيرت فيه المصطلحات والمفردات وبعض الأفكار أحيانا.. والرغم من ذلك فإن حكمة الملك كانت أكبر بكثير من ضجيج حركة 20 فبراير.. يكفي هنا أن يتكلم الملك فينصت له الجميع، وهذا أهم شيء عندنا، قال الملك للشباب مطالبكم مشروعة وأعلن عبر مستشاريه أنه لا قداسة إلا لله وللأنبياء، وليس هناك شخص مقدس، كانت هذه العبارة كفيلة بأن تهدئ روع الشباب التواق للتغيير ولحرية أكبر.

بعد كل هذا حدثت واقعة الانتخابات التشريعية لسنة 2011 التي قادت حزب العدالة والتنمية ليشارك في الحكم وليس ليحكم، إذ بالرغم من تغيير إسم الوزير الأول ل: رئيس الحكومة، وما تضمنه الدستور الجديد لسنة 2011 ما اشتهر ب: ما للملك للملك وما لرئيس الحكومة لرئيس الحكومة. (أي اقتسام السلط) فإن هذا الأمر لم يتم.. وبدا حزب العدالة والتنمية وكأنه دخل في مستنقع آسن مليء بالبرك والأوحال، وأصبحنا نعلم لأول مرة في تاريخ المملكة الشريفة أن لدينا عفاريت وتماسيح يحكموننا في الخفاء، وضل رئيس الحكومة يشتكي من هذه المخلوقات طيلة ولايته الحكومية التي امتدت خمس سنوات إلى أن عصفت به هذه الكائنات غير المرئية بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة التي جرت في أكتوبر 2016. حيث أغلقت عليه هذه المخلوقات كل الأبواب والنوافذ حتى أضحى منبوذا يقاوم الوحدة لمدة 7 أشهر كاملة، خاصة عندما برز تمساح كبير يمشي على الأرض ويتحدث أمام الناس ويعطي أوامره لرئيس حكومة معين من قبل الملك.. وقد انتصر التمساح.. وفعل ما أراد..

ماذا يجري الآن؟

سبعة أشهر والمغرب بلا حكومة و(الأمور ماشية) إلى أن نطق الملك بعدما أنهى جولته في إفريقيا وأعاد المغرب لحاضرة القارة الإفريقية في غياب الحكومة.

نطق الملك عبر بلاغين صادرين عن الديوان الملكي الأول قال فيه للسيد بنكيران أنت فشلت في تشكيل الحكومة، وسنغيرك بغيرك من نفس حزبك، وفي البلاغ الثاني تم تعيين الدكتور سعد الدين العثماني رئيسا للحكومة الثانية في ظل دستور 2011. وفي بضع أسابيع تم تشكيل الحكومة بالشروط التي أرادها التمساح الكبير، كان بن كيران أقسم ألا يشرك الاتحاد الاشتراكي والاتحاد الدستوري في الحكم..وبما أنه أقسم فقد تركوه بارا بقسمه وجاءوا بغيره الذي لم يقسم..

أول ما واجهته هذه الحكومة في بداية مشوارها ما يصطلح عليه حاليا ب: حراك الريف، والحقيقة أنه يجب تسمية الوضع ب: احتجاجات مدينة الحسيمة، على اعتبار أن هذه المدينة جزء من الريف وليس الريف كله.

كانت البداية تشبه تونس سنة 2011، في تونس كان هناك مواطن إسمه البوعزيزي حرق ذاته، وفي الحسيمة تعرض مواطن لقتل شنيع وبشع جدا حيث تم طحنه في شاحنة أزبال أمام الملأ.. وقيل الكثير في الموضوع ولحد الآن ما زالت الحقيقة مغيبة.. وقبل أن تهدأ العاصفة (عاصفة مقتل المواطن محسن فكري) تحركت الاحتجاجات التي مازالت مستمرة لحد الآن ،أكثر من 7 أشهر  بل انتقلت عدوى الاحتجاجات إلى مختلف المدن المغربية، وإن كان عنوان هذه الاحتجاجات: التضامن مع الحسيمة والريف، إلا أن مطالب المدن المغربية تبدو موحدة أو متشابهة على الأقل، في تاونات مثلا لا أعتقد أن السكان هناك يقلون تهميشا عن الحسيمة، وكذلك الأمر في مراكش وقلعة السراغنة والجديدة وآسفي إلخ..

المغرب مهمش من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه، ولا أعتقد أن في المغرب مدينة أو قرية واحدة تعيش بحبحة العيش بما في ذلك العاصمة الرباط.

حفنة محظوظة من المنتسبين لهذا البلد هم المحظوظين أما الباقي فإنهم معضوضين، أقرأ من حين لآخر بأن مداخل الفوسفاط تدر الملايير شهريا على المغرب لكن أين تذهب.. من يستفيد منها، الله أعلم. هناك أيضا الثروة البحرية التي أنعم الله بها على هذا البلد تدر الملايير.. أين تذهب ومن يستمتع بها الله أعلم..

قلة من المنتسبين لهذا البلد يملكون آلاف الهكتارات من الأراضي والضيعات  الفلاحية.. من أين وكيف حصلوا عليها، الله أعلم. مدراء ورؤساء بعض المصالح يتقاضون أجورهم بالملايين قد تصل إلى خمسين مليونا من السنتيمات.. كيف ،لماذا الله أعلم.. على سبيل المثال: مدير مؤسسة بنكية يتقاضى خمسة وعشرون مليون سنتيم.. علاش؟ وهكذا دواليك..

هذه هي ثروة المغرب تستغل من طرف خفنة من الأغنياء والمترفين بينما بقية الناس يموتون جوعا.. هذا ليس عدلا..

أعضاء الحكومة وأعضاء البرلمان يتقاضون الملايين ،بين سبعين ألف درهم وأربعين ألف درهم،لماذا كل هذا الإسراف في المال العام؟ والمصيبة العظمى أنهم يدعون تمثيل الشعب وهذا الشعب هو الذي يمنحهم الأصوات في حملاتهم الانتخابية التجارية.؟ فلماذا يصوت الشعب إذن؟ الشعب هو الذي يصنع الأصنام والشعب هو المطالب بتحطيمها، على المغاربة أن يقلعوا عن عادة (التبركيك)- نقل الكلام من هنا إلى هناك بالمجان- على الشعب أن يقرر مصيره عبر الامتناع الكلي عن تزكية ناهبي المال العام، وبالتالي عدم الخروج الكلي يوم أي اقتراع.. لكي تبقى الصناديق فارغة، حينها يرى الذين طغوا في الأرض وتجبروا من يوصلهم للحكومة والبرلمان!

إن الفقراء هم الذين يصنعون الطغاة، وعلى هؤلاء الفقراء أن يقرروا مصيرهم ويختاروا بين أن يستمروا عبيدا أو يصبحون أسياد أنفسهم.

هذه المظاهرات والاحتجاجات والصراخات هنا وهناك لن تجدي شيئا، لأن المخزن تعود على التغلب على مثل هذه الفقاعات البسيطة حين تشتد الأمور يتدخل الملك عبر خطاب رسمي أو قرار عملي فتهدأ الأوضاع كليا، ولقد قلت منذ سنوات في افتتاحية بجريدة الوطن: لا للحكومة، لا للبرلمان، نعم للملك..

الملك هو الذي يحل كافة المشاكل، فما حاجتنا للأحزاب والحكومة والبرلمان والمجالس الترابية؟

في شأن موضوع الحسيمة، قد يتركهم الملك يتدبرون الأمور.. وحين يفشلوا يتدخل إما بعفو عن كافة السجناء أو بقرار جدي آخر.. فأبناء الحسيمة هم جزء من بقية أبناء الشعب ولن يتخلى عنهم الملك.

آخر الكلام:

مقاطعة المفسدين، وفضح المرتشين، وتنبيه الغافلين فريضة إلهية، فهل يسمع الناس؟

التعليقات مغلقة.