اندحار التعليم أم انتحار التلميذ ؟

دائما ما تطالعنا الأخبار في نهاية كل موسم دراسي عن انتحار أحد التلاميذ سواء أثناء الامتحان أو عند النتيجة، حتى أصبحنا نتوقع مثل هذه الأخبار فما عدنا نستغرب لها و ما عدنا نتساءل عن السبب أو الأسباب الكامنة وراء ذلك كله، بل ربما سنستغرب إن لم تسجل أي حالة انتحار ، ولعل آخرها حالة التلميذة إيمان ذات الأربعة عشر ربيعا قيد حياتها، حيث ألقت بنفسها من سطح عمارة سكنية بحي بويسلان ضواحي مدينة مكناس يوم الجمعة، بعد معرفتها بفشلها في اجتياز السنة الدراسية الثالثة إعدادي  .فقدت على إثرها الحياة نسأل الله لها الرحمة . ولكن هل هذه ستكون آخر حالة؟ بالتأكيد لا ، لأن المشاكل نفسها والأسباب تتكرر إذن النتائج واحدة. انتحار تلو الانتحار ، ما ذنب هؤلاء التلاميذ الذين ربما حلموا يوما بمستقبل زاهر وحياة مشرقة تبدأ من المدرسة ، ولكنهم لم يتصوروا يوما أن ما كانوا يظنونه  المستقبل سيكون مدخلا للقبر. ترى من المسؤول الأسرة أم القائمين على التعليم أم من ؟ في الحقيقة لا يمكن لوم هذا أو ذاك بقدر ما يمكننا القول أننا نتقاسم اللوم، وينبغي تشخيص المسألة بنوع من الاهتمام وعدم غض الطرف عن الأسباب الحقيقية. فقد سبق لي أن أشرت في مقال سابق عن مدى أهمية استعانة وزارة حصاد باستشاريين نفسيين خاصة الآن. فالأستاذ أهم ما يطلب أن يهتم به هو نقل المعرفة للمتعلم في وقت زمني محدد ، دون أن يلتفت إلى الجانب النفسي للتلميذ ودون تلبية احتياجاته العاطفية والسيكولوجية وان كان بعض الأساتذة واعون بذلك. وبالنسبة للأسرة  أكثر ما يهمها هي النتيجة دونما النظر في أي اعتبارات أخرى، فيظل التلميذ يتلقى الأوامر رغم أن قدراته قد تكون محدودة وذهنه لا يستوعب المطلوب منه، مما يشكل عبئا نفسيا عليه قابلا للانفجار في أي لحظة وأسوأ تداعياته: الانتحار. وفي الوقت نفسه لا يمكن أن نضمن أن هذه الفكرة غائبة عن أذهان باقي التلاميذ ، فربما كانوا أحسن حظا لأنهم حققوا النجاح، وإلا كنا لاقدر الله، سنسمع عن ضحايا آخرين لو أنهم رسبوا. فسبب انتحار التلميذة ليس هو الرسوب في حد ذاته، وإنماهو الخشية والخوف من ردة فعل الأب حيال الرسوب؛ إذن فإيمان لم تكن تدرس لنفسها ولكن من أجل أبيها وهذا حال أبنائنا، لذلك يشعرون أنهم يؤدون دورا مرغمين عليه، ولا يستطيعون التعبير عن رفضهم. فحالة الإكراه تسبب تداعيات خطيرة؛ أقصاها حالة إيمان، ومن الطبيعي ستنعدم الرغبة في الدراسة بشكل عام. لذلك فالاستشاري النفسي من أدواره التشخيص،  وحسن التوقع ، وكذلك إحباط كل رغبة سلبية تسيطر على ذهن التلميذ . فمن ينتحر عموما ، وخاصة في صفوف التلاميذ لايضع حدا لحياته كما نفهم نحن،  وإنما هو وسيلة للتخلص من التبعات ووضع حد للمعاناة النفسية والتعب الملازم لصاحبه .

ألا يحتاج أولياء الأمور إلى جلسات يجبرون على حضورها رفقة استشاريين نفسيين قصد وضع خطط عمل من أجل مرافقة أبنائهم وحسن المواكبة والمتابعة؟ ألسنا كلنا مسؤولون عما حدث وسيحدث لفلذات أكبادنا ؟ لماذا أصبحت المدرسة فضاء للاختبار فقط ؟ أليس حري بنا أن نجعل المدرسة فضاء لصنع المستقبل المشرق والخيال المبدع؟ أليس من المفروض أن يقبل المتعلم على العلم والمعرفة بالرغبة والحب لا بالإكراه والعنف ؟ لو وجدت إيمان من يسمع شكواها لما أقدمت على الانتحار، لو وجدت من يتفهم مشاعرها لما أقدمت على هكذا فعل .

في الختام، رسالتي إلى الآباء؛ رجاء لا تحملوا أبنائكم ما لايطيقون، صاحبوا أولادكم وابتسموا لهم لعلكم تعيدون إليهم الثقة في النفس. ورسالتي للمسؤولين وعلى رأسهم السيد حصاد وزير التربية الوطنية والتعليم؛ إن الإصلاح ، كالبناء إن لم يُبنَ على أركان سليمة فلا حاجة لنا به. فإما أن يكون أولا يكون. مايضيرك إذااستعنت باستشاريين نفسيين،  لا أقول يجب أن يكون على رأس كل مؤسسة استشاري نفسي، وإن كان هذا هو الأصل، ولكن  بقدر ما يُتاح. فما حدث لإيمان غيض من فيض، وهناك أمثلة كثيرة . هل سننتظر أن ينتحر نصف القسم حتى تتحرك الجهات المسؤولة ؟ فحالة انتحار واحدة تكفي لنحكم على جودة تعليمنا من عدمه

التعليقات مغلقة.