ظاهرة التخلف في العالم العربي

بعد الصدمة الحضارية التي اصيبت بها المنطقة العربية ،جراء هجوم الجيوش الغربية على مصر،او بما يعرف بصدمة الحداثة. انطلق سؤال النهضة،ومن تم محاولات تجاوز التخلف و الدخول الى القرن العشرين. بعد ان كانوا العرب خارج التاريخ، في سباتهم يعتقدون انهم سادت العالم.

وبدأت المحاولات الاولى في النهضة مع محمد علي باشا، و توازت معها حركة فكرية سلفية و لليبرالية، تم تلتاها مرحلة عرفت بالمرحلة الاشتراكية العربية ،هي بدورها لم تستمر ليبقى الوطن العربي تحت براثين  التخلف، و حبيس زمن ثقافي راكض. و هو الذي اعطى فرصة لتوجهات الاسلام السياسي و السلفية اللاتاريخية، التي كانت تربط التأخر و التخلف بالابتعاد عن المبادئ الاسلامية في عصره الذهبي.

و ظاهرة الاسلام السياسي وفي اوج تعبئتها للشارع العربي ،و خطاباتها التبشرية ،لم تحقق أي تقدم ملموس بعد وصولها السلطة ،بل عرفت الساحة الثقافية ردة حقيقية كرست الفكر الغيبي و المثالي .

وهنا يطرح سؤال النهضة نفسه ،السؤال القديم الجديد، بطراوة وراهنية دائمة.كيف السبيل للخروج من التخلف؟ درس التاريخ يعلمنا ان أي نهضة تحتاج الى فراغ حضاري،فالنهضة الاوروبية استفادة من تراجع العالم العربي الاسلامي الذي كان يهيمن على حوض البحر الابيض المتوسط. اما النهضة العربية فقد كانت تجد الغرب الامبريالي لها بالمرصاد، و قد افشل مشروع جمال عبد الناصر التنموي بالغزوات المتتالية ، و خربت امريكا العراق حينما وصل الى تقدم تكنولوجي و علمي لبناء تنمية ذاتية و تجاوز التخلف.

اذا كانت اوروبا قد عاشت النهضة كحدث ثقافي -وعبارة النهضة لم تذكر في كتب الاوروبين حتى القرن السابع عشر،رغم انها عمليا بدأت في القرن 15-جاءت بعد الاضطهاد الديني و ظلامية العصور الوسطى ،مما و لد حتمية تاريخية لتجاوز الماضي و البحث عن عالم جديد جغرافي، و البحث عن عالم جديد فكري فلسفي حداثي،بينما كان العالم العربي يعيش تحت سيطرة القوى الامبريالية التي تملي عله سياساته عبر المؤسسات المالية وترسم خريطته السياسية و تبقيه في حلبة التخلف حتى يبقى سوق استهلاكي وخزان للمواد الاولية للقوى الغربية الصناعية. فكان طبيعي ان يكون التخلف على ارتباط بالتبعية الاقتصادية و السياسية و المالية. فالثورة الفرنسية كان مصيرها بين يديها رغم ما عاشت من انتكاسات حتى استطاعت ان تجهز على الاقطاع. اما الانتفاضات العربية فقد خطط لها، و قررت مصيرها و مشاريعها في مختبرات غربية من بين المخططين، برتنارد لويس و برتنارد هنري لفي،لابقاء الكيان الصهيوني في سلام دائم.

اذن يبقى للاستعمار في اشكاله المختلفة، عامل مهم في ابقاء التخلف. الذي هو نتاج للتبعية و املاءات المؤسسات المالية و السياسية و الاقتصادية الدولية، بحكم المناخ السياسي الدولي “المعولم” الذي تفرض فيها القوى الراسمالية الغربية نفسها كمبشر بقيم اقتصادية و ثقافية معينة، نسميها نحن الاستعمار و الهيمنة.

نأتي الى الشق الفكري، و الذي هو في علاقة جدلية بالشق الاقتصادي و الجتماعي.الديكتاتوريات العربية بدورها تكبح التقدم و الحداثة، لانها تقتل ملكة النقد. الذي هو المدخل لتأسيس المشاريع الفكرية و الفلسفية و العقلانية… و بالتالي لم نصل بعد الى تحديد دقيق لمفهوم الحداثة، و لم نمسك بعد بالفهم العلمي و الصحيح للعلمانية، لأننا لا ندرسه المفهوم بشكل تاريخاني،وهذا ما انتج لنا السلفيات باشكالها الملونة، فكل السلفيات لها نفس اليات التفكير،اسلامية كانت او ماركسية او قومية… وهذا ما وسع الشرخ بين التوجهات التقليدية و الحداثية حتى مفهوم النهضة غير واضح ،فالتوجهات الاسلامية تقول بالصحوة على اساس العودة لبناء المجد السابق .

بعد فشل الاسلام السياسي اصبح مفهوم التحديث و التنوير مطروح بشدة للدخول الى التاريخ ،و ليس نوع من الترف الفكري او استنساخ تجارب غربية،فالتطرف هو نتاج لعقليات منغلقة دوغمائية تجهض مشاريع عربية و تستنزف ثرواته و طاقته…

في الخمسينات و الستينات كان الاكتساح للفكر الاشتراكي القومي، الذي كانا نعتقد معه اننا اذا استطعنا ان نؤسس للديمقراطية اجتماعية ،اي التوزيع العادل للثروة نستطيع ان نؤسس لحداثة عربية و نتقدم.وبعد تراجع المد اليساري القومي بعد نكسة 1967 تراجعت هذه الرؤية، وبدأ يتم النظر الى الديمقراطية السياسية كمنقذ و مدخل للتقدم، و لان هذه الديمقراطية لم تنجح الى حدود الان ،بحكم ارتباط القرار السياسي بالتبعية للغرب هو بدوره فشل هذا المدخل.

و بالتالي في رأيي لا يمكن ان تقوم ديمقراطية سياسية دون عدالة اجتماعية، و اقتصاد و طني. و لا تقوم ديمقراطي اجتماعية بدون ديمقراطية سياسية. و هذا هو المدخل الحقيقي، اي هما معا و بشكل جدلي. فدول الخليج العربي حققوا نسبة مهمة من الرفاه الاجتماعي، لكن في تقديري يظلون في دائرة التخلف، لانهم لا ينتجون اي انتاج وطني، بل يعيشون مستهلكين على ريع البترول. و لهذا فأنهم لا يملكون اي مكان ضمن الحداثة.

وجب التفكير في مشاريع اقتصادية و ثقافية عربية،تقيهم من الفوضى اللاخلاقة التي ترسم خارطة جديدة للعالم العربي،فبعد نهاية الايديولوجية، ونهاية التاريخ، ونهاية السرديات الفلسفة الكبرى و فلسفة ما بعد الحداثة.دخل العالم في فراغ و اللا ولاء ،الذي اسس و بعث للاصوليات ،و العنف…

السعدي سعيد

التعليقات مغلقة.