وساطة عيوش.. الحلول من قلب زنازن السجون

نتشر كالنار في الهشيم خبر مبادرة الوساطة التي يقوم بها رجل الأعمال نور الدين عيوش داخل سجن عكاشة لايجاد حل لازمة الريف التي عمرت حوالي 10 اشهر  دون افق للحل. وبغض النظر عن دوافع هاته المبادرة واهدافها وتفاصيله فانها ليست طارئة على السلوك السياسي للدولة ولا تخرج عن احد الممارسات التقليدية التي دأبت الدولة على اللجوء اليها في علاقتها بمعارضيها خلال ذروة الازمات.

فتاريخيا لم تكن تكتفي علاقة الدولة بمعارضيها  فقط على ما تخوله الاستراتيجية الامنية والقضائية التي ظلت تحقق أهدافها في تهذيب المعارضات بغض النظر عن عقائدها الايديولوجية ولا على ما توفره الاستراتيجية القانونية من غطاء للمنع وعدم السماح للمعارضين للقيام ببعض الأنشطة السياسية والاجتماعية دون السند القانوني، بل ان براجماتية الدولة ونزعتها العملية في السياسة‏، واقتناعها بان العداء الشخصي والكراهية والحب ليست من ثوابت العمل السياسي سمحت لها في حالات متعددة ببعض التفاوض في ظروف سياسية معينة من خلال اعطاء الضوء الأخضر إبان الأزمات الاجتماعية او السياسية التي قد تعرفها علاقة الدولة بالفاعلين السياسية لبعض الرموز السياسية والمدنية المقربة منها للقيام بوساطات سياسية بطريقة علنية أو محصنة بجدار سرية.

وتحدثنا الخبرات التاريخية  للدولة على الاقل منذ الاستقلال، أنها استطاعت في ذروة صراعها مع القوى السياسية المعارضة حتى الجذرية منها، أن تحافظ على خيط الاتصالات معها داخل “كولوارات” والحجرات الانفرادية والجماعية بمراكز الاحتجاز.

فقد كانت المفاوضات تنعقد في الوقت الذي تجري فيه المحاكمات السياسية التاريخية، وترتفع فيه حدة انتقادات المعارضة للدولة فاعلين ومؤسسات فمن قلب هذه التوترات كانت تنبع مساومات محافظة الأمر الذي دفع الباحث الامريكي المرموق جون واتربوري صاحب كتاب “امير المؤمنين” إلى الاعتقاد أن هناك تلازم بين التوتر والجمود، وتعادل بين ضرورة العمل التي تلوح باستمرار، وانعدام القدرة التامة على أخذ المبادرة.

ويحبل التاريخ السياسي للعلاقة بين الدولة ومعارضيها ورموز الحركات الاحتحاجية بالعديد من جلسات التفاوض السري وراء القضبان سواء مع معتقلي الشبيبة الاسلامية او مجموعة عبد الرحيم بوعبيد أوقادة جماعة العدل والإحسان سنة 1991، حينما تم اعتقال أعضاء مجلس إرشاد الجماعة بسلا، او مع رموز الحركة السلفية التي انتهت بعفو عن كبار منظلاها.

ولا يختلف اليوم كثيرا سياق العلاقة المتوترة التي حكمت الدولة مع معارضتها التقليدية، عن تلك العلاقة التي تربطها بما يجري بالحسيمة وشبابها بمختلف قناعاتهم السياسية المحتج على تردي الاوضاع الاجتماعية والتنموية. فبالرغم من الآليات الامنية والقضائية التي مورست بكثافة اتجاه رموز هاته الحركة ذات المطلب الاجتماعي والتي أعطت الانطباع بأن هاته الحركة غير مرغوب بها وتشكل تهديدا جديا لاستقرار السياسي المغربي ووحدته الترابية -على حد خرجات بعض اعضاء الحكومة- فقد استطاعت مؤسسات الدولة أن تبقى على اتصال وثيق بأطر الاحتجاج، حيث لجأت -او على الأقل وافقت- على مبادرة بعض الوسطاء من مجلس وطني لحقوق الانسان وحركات حقوقية وشخصيات مستقلة معروف ارتباطها بالدولة، ان تقيم بواسطتهم مفاوضات متقطعة. كما أن المحتجين وعائلاتهم، رغم معاناتهم لا تخرج مطالبهم عن تمسكهم بالحوار كاسلوب وهدف للابتعاد عن ما يمكن أن تتسبب فيه الخيار القضائي من خسائر سياسية وحقوقية ورمزية.

ولا تتوخى الدولة من قبول اجراء وساطات للتفاوض مع معارضيها كما جرت العادة  منذ الاستقلال تحقيق نتائج فورية وحاسمة، فالنتائج لا تهم، بقدر ما تهم الاتصالات نفسها، وبقدر ما تستمر الاتصالات وتطول بقدر ما يتقيد المعارضون بقواعد اللعبة السياسية  في المقابل فإن رموز الاحتجاج لا يجدون حرجا في الاستجابة لمبادرات التفاوض ليس فقط لاقتناعهم بهشاشة مركزهم التفاوضي وميل كفة موازين القوى للدولة بل لانهم كذلك يسعون من خلال قبول صيغة التفاوض إلى المناورة من أجل تحقيق مكاسب مستقبلية وفرض بعض مطالبهم التي ناضلوا من أجلها والتي ستجعل منهم نخب السياسية للمرحلة المقبلة .

الدكتور عمر الشرقاوي

التعليقات مغلقة.