جنوب إفريقيا : تفاقم الفقر والإقصاء، الحلم المكسور لأمة قوس قزح

كواحدة من القوى الاقتصادية الرئيسية بالقارة، ما فتئت معاناة جنوب إفريقيا الاقتصادية والاجتماعية تتفاقم، مبتعدة عن حلم آبائها المؤسسين لبناء أمة متعددة الأطياف (أمة قوس قزح) على أنقاض نظام الفصل العنصري، الذي تم القضاء عليه رسميا سنة 1994.

  وكشفت أرقام رسمية نشرت مؤخرا أن مواطنا جنوب إفريقي من بين اثنين يعيش تحت خط الفقر، وهو ما يمثل 30 مليون شخص من هذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه 60 مليون نسمة.

ويتعلق الأمر بواقع مرير كشفت عنه معطيات للهيئة الرسمية للإحصاء، التي أوضحت أن عدد الجنوب إفريقيين الذين يعيشون في فقر مدقع زاد بشكل مثير للقلق بين سنتي 2011 و2015، ليبلغ 55 في المائة من مجموع السكان.

وأوضحت الهيئة أن الغالبية الساحقة من هؤلاء الأشخاص هم من الأغلبية السوداء، مشيرة إلى أن ثلاثة من بين خمسة جنوب إفريقيين سود يعيشون في فقر.

وأشار المصدر ذاته، إلى أن الفقر يكاد ينعدم داخل أوساط الأقلية البيضاء، وهو وضع يؤكد واقعا مزر، تكرس بوضوح نتيجة استمرار تفاقم الفوارق السوسيو- اقتصادية بعد 23 عاما على انتهاء نظام الفصل العنصري.

واعتبر محللون أن الخلاصات التي توصلت إليها هذه الهيئة (ستايتس إس إي) دليل على فشل سياسة الحكومة التي يقودها حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، محذرين من التأثير السياسي لتفاقم العجز الاجتماعي الذي تعاني منه جنوب إفريقيا.

وقال هاملت هلومندليني، كبير المحللين الاقتصاديين باتحاد الفلاحين “أغري إس إي”، “من المهم التأكيد على أن التقرير يتجاهل الرابط الجوهري بين ارتفاع معدلات الفقر والإقصاء الذي يعاني منه الجنوب إفريقيون السود”.

وأضاف أنه “من المهم أيضا الإشارة إلى أن الفقر والبطالة ناجمان عن تفشي الرشوة في البلاد”، مشيرا إلى ما اعتبره “سوء تدبير المؤسسات العمومية الرئيسية”.

ويعتبر المحللون أن المناخ الذي يتسم بالانكماش الاقتصادي وحالة الشك السياسي المرتبط بالانقسامات التي يشهدها حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، يقوض فرص تقليص نسب الفقر بالبلاد في أفق سنة 2030، تماشيا مع الأهداف المحددة في المخطط الوطني للتنمية.

ويراهن هذا المخطط على تحقيق معدل نمو سنوي يبلغ 5 في المائة، أملا في وضع حد للفقر.

وقال هلومندليني إن تفعيل هذا المخطط يستوجب إرادة سياسية وريادة، مشيرا إلى أن هذه الريادة غير موجودة في الوقت الحالي، كما يتبين من خلال الفضائح السياسية والاقتصادية التي وسمت ولاية الرئيس جاكوب زوما.

وفي هذا السياق، أشار المحللون إلى أن مؤتمر الحزب المقرر في دجنبر المقبل، سيشكل فرصة لتصحيح الأخطاء المرتكبة خلال ولايتي الرئيس زوما.

واعتبروا أن هذا الأمر يمر بانتخاب زعيم جديد جدير بالثقة وقادر على قيادة الحزب والبلاد بعد الانتخابات العامة لسنة 2019.

وبالعودة إلى فشل جنوب إفريقيا في تحقيق هدف بناء أمة شاملة، أوضح جاكي سيلرز من معهد بريتوريا للدراسات الأمنية (إي إس إس) في تحليل أنجزه مؤخرا، أن جنوب إفريقيا حققت تقدما هاما منذ سنة 1994، لكن بزوغ مجتمع شامل لا يزال هدفا بعيد المنال.

وأكد أن البلاد مدعوة إلى إجراء مراجعة معمقة لأولوياتها لمواصلة السير في طريق الازدهار للجميع، مشيرا إلى أن بناء مجتمع شامل على جميع المستويات شرط لا محيد عنه من أجل وضع إطار اقتصادي ملائم يفضي إلى نمو مستدام.

وأضاف أن مسألة الريادة تبرز بشدة في الوضعية الراهنة لإدارة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، مشيرا إلى فشل الحزب في تقديم حلول فعالة لمشاكل الفقر والإقصاء التي تعاني منها جنوب إفريقيا.

وأشار أيضا إلى عدم تسجيل أي تقدم بالقطاعات الاستراتيجية التي من شأنها الحد من التفاوتات التي لا تزال تخيف البلاد، بعد أزيد من عقدين على معانقة الحرية.

وقال “وحدها القيادة التي تحركها إرادة سياسية حقيقية لاستئصال الرشوة وتفعيل حكامة جيدة على كافة المستويات، قادرة على إعادة الأمل إلى الشباب الغاضب”.

عبد الغني عويفية

التعليقات مغلقة.