الأقاليم الجنوبية.. الإسهام في تعزيز الاستراتيجية الإفريقية للمملكة

تتجه الأقاليم الجنوبية للمغرب، التي تشهد دينامية اقتصادية لافتة، إلى أن تصبح محورا اقتصاديا ومركز تبادل من شأنه الإسهام في تعزيز الاستراتيجية الإفريقية التي تعتمدها المملكة.

 وتستفيد هذه الأقاليم، التي تعد امتدادا طبيعيا للمملكة في القارة الإفريقية، من نموذج تنموي موسوم بإرادة راسخة في رفع تحديات التماسك الاجتماعي والرخاء والإنصاف.

وعلاوة على الأثر الإيجابي الواضح لهذا النموذج التنموي على ساكنة الأقاليم الجنوبية للمملكة، فإنه يغذي الطموح المشروع إلى الاضطلاع بالأدوار الأولى في تنمية القارة، التي تجعلها في صلب اهتماماتها. وترافق كل ذلك دبلوماسية جديدة تقوم على تعزيز الشراكات الاقتصادية رابح – رابح، وعودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، وانضمام المغرب الوشيك للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا.

وبالفعل، فإن النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية، الذي جرى إطلاقه في نونبر 2015، يسير بخطى ثابتة. وهو ما تكشفه معدلات إنجاز المشاريع التي تتراوح، بحسب المناطق، بين 40 و50 في المئة، وفق ما أكدت تقديرات حديثة.

ويبدو أن وتيرة تقدم أشغال هذا المشروع الكبير، الذي يضع احترام حقوق الإنسان الأساسية والنهوض بها في صدارة أولوياته، تبشر بمستقبل واعد لهذه المناطق وللساكنة بتلك الربوع، وأيضا لمختلف البلدان بالقارة الإفريقية.

ويرتكز هذا المشروع الضخم، الذي يبلغ حجم استثماراته 77 مليار درهم، على مبادئ المشاركة والإدماج والحكامة المسؤولة والاستدامة.

ويطمح إلى مضاعفة الناتج الإجمالي المحلي وخلق 120 ألف فرصة عمل، على مدى عشرة أعوام. وبالنظر إلى الأنشطة المستمرة وتزايد الساكنة في سن العمل بمعدل 2 في المئة سنويا، فإن معدل البطالة سيتراجع إلى أقل من النصف.

وقد مكن هذا النموذج التنموي من تحسين الربط الطرقي لهذه الأقاليم وإنجاح انخراطها في الحقل الاقتصادي الواسع جهويا ودوليا، وذلك من خلال مشاريع هامة من قبيل الطريق الساحلي السريع تيزنيت – العيون – الداخلة، الذي يمتد على 1115 كلم، وتبلغ كلفته 8.5 مليار درهم.

ويتوزع إنجاز هذا المشروع على مرحلتين، تربط الأولى تزنيت بالعيون مرورا بكلميم، على مسافة 555 كيلومتر، فيما سيتم في المرحلة الثانية توسعة الطريق الوطنية الرابطة بين العيون والداخلة إلى 9 أمتار، وذلك على مسافة 560 كيلومتر.

وتنبغي الإشارة، في هذا السياق، إلى مشروع ميناء الداخلة – الأطلسي، المشروع الكبير الذي من شأنه أن يساهم في تحقيق إقلاع اقتصادي لهذه المنطقة، وتعزيز مكانة المغرب قاريا ودوليا في ما يتعلق بالربط االبحري.

ويعد هذا الميناء الجديد على الواجهة الأطلسية، بموقع نتيرفت على بعد 70 كلم شمال مدينة الداخلة، الذي تقدر كلفته الاستثمارية ب 6 مليار درهم، محركا لا محيد عنه للمبادلات التجارية بين المغرب ومختلف شركائه الأفارقة.

كما سيمكن من التصدير المباشر للمنتوجات الجهوية، لا سيما منتوجات الصيد البحري والفلاحة. وينتظر أن يوفر 183 ألف منصب شغل إضافي.

وهكذا، فإن المغرب يلتزم “بجعل الصحراء المغربية مركزا للتبادل ومحورا للتواصل مع الدول الإفريقية جنوب الصحراء، وبوضع البنيات التحتية اللازمة لذلك”، كما قال صاحب الجلالة الملك محمد السادس في الخطاب السامي الذي وجهه إلى الأمة بمناسبة الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء، وهي الذكرى التي عرفت إطلاق النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية.

ويندرج هذا النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية في إطار الرؤية الملكية لتسريع وتيرة التنمية في هذه الأقاليم لتكون محركا للنمو الاقتصادي الوطني. وقد أكد صاحب الجلالة في خطابه السامي “كما نريده دعامة لترسيخ إدماجها، بصفة نهائية في الوطن الموحد، وتعزيز إشعاع الصحراء كمركز اقتصادي، وصلة وصل بين المغرب وعمقه الإفريقي”.

ويعد الاحتفال بالذكرى الثانية والأربعين للمسيرة الخضراء المظفرة فرصة للتوقف عند المراحل التي قطعها هذا النموذج التنموي والنتائج التي راكمها، وذلك في أفق تحقيق غايات النمو المستدام.

صفاء بنور

التعليقات مغلقة.