حول أعمال الشاعرة مليكة كباب: الاستفهام بطعم المكاشفة

            لا مراء في أن الابداع النسائي المغربي أصبح علامة مميزة، وشامة ترصع قلعة الابداع المغربي في الآونة الاخيرة. ولعل الشاعرة مليكة كباب وقد حققت من التراكم الإبداعي في القصيدة الفصيحة، تعتبر علامة كاملة بصمت الإنتاج الإبداعي الشعري بالمملكة المغربية بشكل يجعلها تنفرد بأسلوب اختار الاستفهام والتمرد للمكاشفة الذكية، وهي تعمل بإثارة أسالتها الوجودية من أنا؟ الى متى؟ ألم تر؟ هل سيعود؟ لمن؟ᴉ ولم الخصام…؟ ماذا لو…؟ على إشراك المتلقي في أن يعيش صدمة السؤال التي تساوي صدمت الواقع وعناء البحث عن الأجوبة الكائنة والممكنة.

إن الحديث عن الأعمال الإبداعية للشاعرة المقتدرة مليكة كباب يجعلنا نصنفها في دائرة حفيدات القصيدة العربية لأنها تعشق الحرف العربي حتى النخاع، وهي فرصة سانحة لاستجلاء البنيات الثقافية في إبداع الشاعرة ومن ثم الانكباب على إبراز القيمة الإبداعية لمنجزها الشعري، كما سنعمل على إبراز تطلعاتها في إطار وعيها الممكن وآفاقها الإبداعية ثم سنثمن هذه التجربة الفذة بمجموعة من الارتسامات والتمنيات لها بالتوفيق في مسيرتها المميزة.

أولا: الهوية الإبداعية

مليكة كباب شاعرة تتحدر من مدينة الجديدة، وهي سليلة أسرة متجذرة في الشرف والعراقة. وقد درجت في عالم القصيدة الشعرية باللغة العربية الفصيحة مذ كانت ابنة السابعة عشرة من عمرها، وكلما تدرجت في معاني الشعر العربي الفصيح تشبعت بالقضايا الاجتماعية للمجتمع المغربي حيث عبرت عن تيمة الأنوثة وتكاملها مع الرجل وكذا التساؤل عن الكينونة الثقافية للأديبة المبدعة في عالم التكنولوجيا والعولمة المتوحشة، لذا نجدها في أول ديوان شعري لها تختار التساؤل عن ذاتها وكينونتها من أنا؟.

ثانيا: البنيات الثقافية في إبداع مليكة كباب

تتميز البنيات الثقافية لدى شاعرتنا مليكة كباب في انبثاقها من رؤية عميقة تغذيها ثقافة ضاربة العمق في التراث العربي وتنهل من الحداثة وتجتهد فيها شكلا ومضمونا وتكون بذلك قد جعلت بين القديم الاصيل والحديث المتجدد، كما أن روحها الوطنية المتمثلة في رمزية عشق الوطن وحامي الوطن وتصورها للمواطن الذي يستحق العيش في هذا الوطن وفق قيم مثلى تتمثل في الدمقراطية والحب والتساكن، والعمل الجاد والثقافي في خدمة الوطن لكي تحارب الفوارق الاجتماعية، والطبقية، وتحارب الهشاشة والدونية، وتعزيز مكانة المرأة في المجتمع واعتبار الرجل تاج الكينونة الاجتماعية والثقافية للمجتمع المغربي سواء في الإطار الأصيل أو الحديث، ولذا فإننا نجدها تعبر عن الجمال    في ذاكرة القبح الذي يعتري الأخلاق الفاسدة للمجتمع كما نجدها تعبر عن الألم بطريقة صوفية لأنها تبعث الحياة في جملة من النصوص على طريقتها حيث انتقلت بنا الشاعرة مليكة كباب من ثقافة الذات من خلال توظيف ذكائها العاطفي الذي يقتضي معرفة الذات وتثمينها ايجابيا، وكذا معرفة الآخر وتثمينه إيجابيا وهذا ما تبين لنا من خلال نصوصها الشعرية التالية.

الديوان الأول من أنا؟ سؤال الذات ثم ديوانها إلى متى؟ الكينونة الزمانية المكانية، ثم سؤال الآخر وتثمينه إيجابيا أ لم تر؟ وهل سيعود؟ وكذا لمن؟ ولم الخصام؟ أما بالنسبة لديوانها الأخير فإنه يطرح قيما ثقافية كونية إنسانية تتساءل عن الإنسان والإنسانية في ظل الثقافة المتدنية التي أصبح الإنسان فيها فاعلا ومفعولا به من حيث تفاعله مع البيئة ومع الأرض التي تعاني من الكوارث البيئية والكوارث الأخلاقية وهو يجعلنا نتساءل معا عن مصير الإنسان إذا استمر على تبني ثقافة التجاهل للأخطاء والأخطار التي أصبحت تهدد البيئة وكينونة الوجود.

ثالثا: القيمة الإبداعية لأعمال مليكة كباب الشعرية

أول ما يميز إبداع الشاعرة مليكة كباب هو اهتمامها بالكلمة الشعرية التي اهتمت بها أيما اهتمام حيث شحنتها بانفعالاتها النفسية المتموجة والمتدفقة حسب المواقف الإنسانية التي تكابدها شاعرتنا، ومن ثمة فإن قصائدها يغلب عليها الإيقاع النفسي وهذا المستوى النفسي هو الذي يعطي لقصائدها، امتدادا وجوديا يتسرب إلى الذات المتلقية، خاصة عندما تقرؤها قصائد تلتحم فيها التحاما مع الدفق الصوفي والوجداني الذي يحول الألم أملا والتناقض انسجاما، والقبح جمالا، والتوتر طمأنينة، والخوف أمانا، والحرب سلما وسلاما، وهذا بالضبط ما يميز اللغة الإبداعية والشاعرية لدى شاعرتنا المتألقة مليكة كباب وهو ما عبرت عنه بوضوح في إحدى اللقاءات الاستجوابية بقولها: (فشعري يجمع بين الدفقات الوجدانية الشفافة والصورة الشعرية غير التقليدية، وأحب التغيير إن كان هذا التغيير يخدم التجربة الشعرية، ولذلك كان في شعري هذا الطابع الخاص الملموس والمحسوس من حيث الصورة الشعرية، والإيقاع، وامتد هذا إلى الغلاف، وقصيدة الغلاف، فكانت القصيدة ناطقة بحداثتها وأسعى لهذا في طريقة الإلقاء، فكلما كان الحرف رنانا مؤثرا كان لهذا الشعر أثره في نفس القارئ.) وتضيف شاعرتنا قائلة: (…..والجمال يحيي الحياة وكل ما ينعش الروح هو دواء من أجل الاستمرارية، أكتب في العشق لأنني عاشقة للحرف الجميل، وليدرك الجميع من حولي أننا نسمو بالحب ونرتقي، فيشد بعضنا بعضا كبنيان مرصوص لا تهزمه العواصف). الحوار مأخوذ من موقع إلكتروني خاص بجريدة الدستور الأردنية تم نشره يوم الجمعة 10 مارس 2017.

على سبيل الختم:

يتبين لنا من خلال هذه الورقة النقدية التي حاولت أن أقرب فيها القارئ المغربي والعربي من عالم الشاعرة مليكة كباب الإبداعي، أن مفهوم الاستفهام عندها يؤسس لمفهوم المكاشفة بمفهومها الصوفي الذي لا يتغيى الكشف عن المستور من أجل التقريع والصدام المجاني لإثارة النعرات والصراعات بقدر ما يتغيى رأب الصدع الروحي والوجداني بين الإنسان مع أخيه الإنسان في دائرة الأسرة والمجتمع والقبيلة والمدينة والوطن والكون الذي نحبه جميلا كما خلقه الله جميلا وحملنا مسؤولية المساهمة في تدبيره بقدر ما نتحمل مسؤولية المحافظة على توازنه على جميع المستويات.

الاستاذ الباحث جمال عبد الدين المرزوقي.

التعليقات مغلقة.