أعمدة وأعمدة..

حسن الوزاني
لم يعد غريبا أن تمتلئ الصفحات الاجتماعية بأعمدة تسقط على رؤوس القراء كل دقيقة، بحكم ثقل أخطائها اللغوية.
مع دخول النيت وشبكاته الاجتماعية على الخط، ستتغير أمور كثيرة
قبل حوالي ستة عشرة سنة، تَعرف جمهور الصحافة المغربية على اسم جديد، أخذ يحظى باهتمام كبير ومتزايد، مراكما في نفس الوقت كثيرا من المعجبين وكثيرا من الأعداء. أما الاسم فهو رشيد نيني. وأما وصفته في ذلك فهو عموده الشهور “ شوف تشوف”. ولعله لأول مرة في تاريخ الصحافة العربية يستطيع عمود صحافي أن يرفع مبيعات جريدة ما بشكل مذهل، وأن يغيّر عادات القراء، الذين صاروا يقرؤون الجريدة ابتداء من صفحتها الأخيرة، حيث يُنشر العمود. ومنهم من صار يكتفي بذلك، محجما عن قراءة بقية صفحات الجريدة.
وبمعزل عن هذه الحالة، ظلت الأعمدة الصحافية تشكل ملح الجرائد. منها القوية التي تفرض على القارئ ضبط موعده مع إطلالتها اليومية أو الأسبوعية. ومنها الباهتة التي لا تصلح إلا لملء صفحات الجرائد، بدون أن تترك أي أثر لدى القارئ.
كما ظلت الأعمدة الملجأ المفضل للكتاب الباحثين عن مساحة أخرى للكتابة. وفي كثير من اللحظات، كان إغراء كتابة العمود يكون على حساب الكاتب وإبداعه. ولعلها حالة القاص الراحل عبدالجبار السحيمي، الذي اشتهر بعموده “بخط اليد”، قانعا بمجموعتيه القصصيتين “مولاي” و”الممكن من المستحيل”، الصادرتين خلال منتصف الستينات من القرن الماضي. وإن كانت مكانة السحيمي قد ظلت محفوظة باعتباره أحد أعلام الكتابة القصصية بالمغرب.
ويختلف إيقاع كُتاب الأعمدة ومستوى قدرتهم على الكتابة وعلى احتفاظهم بطراوة كتاباتهم. ويبدو مذهلا، على سبيل المثال، أن يستطيع الكاتب الراحل خيري منصور الحفاظ على القدرة على كتابة عمودين، على الأقل، يوميا. ولعله كان بإمكانه أن يكتب أكثر من ذلك لو كان يُدوّن أفكاره وأحاديثه الشفوية التي لا تنقطع. على الأقل، كما أحسستُ بذلك خلال الأيام التي جمعتنا بمدينة لوديف الفرنسية. كما يبدو مدهشا، في نفس السياق، أن يحافظ سمير عطاالله، وهو الذي يطل على الثمانينات من عمره، على سلاسة عموده اليومي، وإن كانت أغلب أعمدته تقوم على ما احتفظت به ذاكرته. ولعل ذلك ما يشكل قوته.
في الكثير من اللحظات، تنسحب أسماءُ الكتب، من باب الخوف من الرقابة أو بحثا عن امتلاك حرية أكبر على مستوى الكتابة. ويبدو طريفا، في هذا الإطار، أن يحتاج القراء المغاربة سنوات من التخمين لمعرفة صاحب عمود “عين العقل” اليومي، الذي كان يحظى باهتمام خاص، اعتبارا لقوة أفكاره ولحجمه الصغير. ولم يكن صاحب العمود، في نهاية المطاف، إلا الشاعر المغربي محمد الأشعري.
مع دخول النيت وشبكاته الاجتماعية على الخط، ستتغير أمور كثيرة. وبالرغم مما تمنحه هذه الوسائط من إمكانيات مذهلة على مستوى الحرية والسرعة في التداول وإمكانيات اكتساب قراء جدد لا تحدهم الجغرافيا التقليدية، يبدو أن الكثيرين أضاعوا الموعد مع هذه اللحظة المذهلة. ولذلك لم يعد غريبا أن تمتلئ الصفحات الاجتماعية بأعمدة تسقط على رؤوس القراء كل دقيقة، بحكم ثقل أخطائها اللغوية.

التعليقات مغلقة.