رواية “القمر الأخير” للروائي عبد الباسط زخنيني

عبد الاله الجوهري

الرواية المغربية الشابة تطرق بقوة الساحة الإبداعية الوطنية، من خلال مجموعة من النصوص، التي ظهرت وتظهر تباعا خلال السنوات القليلة الماضية، السنوات المدججة بأمل مغربي يعد بالأمل والتوهج بالعطاءات، نصوص في غالبيتها تتميز بالطلاوة الأسلوبية، والحلاوة السردية ، والجمال المتدفق بين السطور، وقبل كل ذلك بالخيال المدجج بالمعرفة الأدبية والعلمية، والصنعة الروائية المتجذرة في قلب القرءات الشاسعة للنصوص العالمية، القراءات التي تظهر وتنبء عن نفسها من خلال العوالم والأحداث والشخوص الموظفة، الشخوص الغنية بالدلالات المحلية والمحيلة على الواقع المغربي الحقيقي، والمرسومة بكثير من الحرفية، الشخوص المنتزعة والمستمدة لملامحها من الواقع المغربي وتراثه الغني المتنوع..

طارق البكاري ويوسف البورقادي ومبارك باعزي وعبد المجيد سباطة، وغيرهم من الشباب المبدع الذي يشتغل في صمت، بعيدا عن ضوضاء النقد، الذي يسلط عادة نوره المتوهج في المجلات والجرائد والمواقع، على نفس الوجوه المعروفة والمعلومة، الوجوه الحاضرة بقوة السبق والتراكم والتداخل وإحتكار المشهد لسنوات، على الرغم من أنف التاريخ وأنوفنا، وجوه نعرفها حق المعرفة ونصفق لها وعليها، لكن، لا يجب ان نسمح لها بأن تكون ستارة تغطي على الطاقات الجديدة المتجددة، ولا شمس تعمينا بقوة أشعتها عن اكتشاف حقائق جديدة في دنيا القص والخلق والإبداع.

مراحل خمس يترجمها لنا روائيا، وينقلنا من خلالها، لقطع كل مرحلة على حدة، ونعيش مع السارد، واقعة تدحرج سيارته عبر منحدر، هذا قبل أن تصطدم بجذع شجرة ضخم تتخذه دعامة، وتتوقف فجأة. 

توقف السيارة، لا يعني أن السارد قد نجا هكذا، أو غادر الحياة على حين غرة، تاركا القراء ينعون حظ السرد والسارد، الذي تتوقف قبل أن يبدأ، بل على العكس يجرنا السرد والسارد، لنعيش فصولا حياتية لرجل عاش ويعيش على ذكريات ماضية، حب مجهض وخيانة صديق وانتقام مستمد من تعاليم الشياطين. كل هذا، والشخص/ السارد، واقع في فك سيارته الحديدية الصماء، والليل الكئيب يلقي بسدوله عليه، فيرج أحسيسه رجا، و يحمله عبر تفاصيل الذاكرة المثقلة بالذكريات، لحكي ما كان و ما سيكون، مع الغوص في كتاب الحياة المستند على مرجعيات عديدة في القول والفعل ومحاولة تجاوز آنا الذات المجرمة الضاجة بعنف الحقد وحمل الضغينة للآخر .
“أنت خال من معنى..
أنت طائر بلا قفص..
بيت فارغ خراب..
شجرة يبست وتناثر ورقها..
السارد، وبالنظر لما عاشه وارتكبه في حق صديقه أشرف وحبيبته التي اختارت غيره، يجعلنا نتساءل معه: هل هناك للصفح مكان؟.
حكاية الطفل الأسود مع عنف الزملاء في المدرسة، كانت بمثابة كوة الأمل، والدرس الذي يجب أن يتعلمه كل ذي روح تواقة للهناء والسعادة، فمسامحة الطفل لشيطنة زملائه والآلام التي جرعوها إياه، جعلت السارد هو الآخر يبحث عن هذه الكوة في اللحظة الفاصلة، يبحث عن الصفح، لأن الصفح هو السعادة، والسعادة أشياء صغيرة بسيطة. 
هنا يحكي لنا حكاية زعيم المذهب “الكلبي” المعلم ديوجين، وتعاليمه البسيطة، لكن العميقة في الصفح والتسامح، تعاليم ترى أن الإنسان يمكن أن يكون سعيدا بوسائل بسيطة للغاية، خبز وإن كان ملوثا، ماء، هواء.. 
عندما وقف يوما الاسكندر المقدوني أمام ديوجين طالبا منه أن يطلب ما يشاء، لم يطلب منه الحكيم شيئا دي بال، بل طلب منه أن يتزحزح قليلا، لأنه كان يغطي عنه أشعة الشمس بظله الوارف. بتزحزح الإسكندر وسحب ظله الثقيل، يكون قد منحه كل شيء، نعم كل شيء.
السعادة شيء معنوي، و”لا يمكن أن نشبع شيئل معنويا بشيء مادي، بفيلا أو سيارة، أو مال، أو بامرأة..الشيء المحسوس نشبعه بشيء محسوس، تربيتة على رأس طفل يتيم، نظرة طويلة إلى غروب الشمس، مراقبة النوارس، وهي تغطس باحثة عن أكلها، تسابق الأسماء على سطح الماء، تقبيل يد عجوز..أو مسامحة صديق” (ص 81)
المسامحة هي ما يجعل السارد يبقى حيا متشبثا بتلابيب الحضور والوجود وتجاوز وادي الموت الهادر بالخطايا، والحقد الذي لا يعطي للحياة معنى.
الحياة هي المسامحة، لهذا يتمسك بها، يبل نهي سرده/ فصول روايته على ايقاعها:
وسأسامح..
دائما سأسامح..
أيا كان الآخر سأسامح..
مهما أذاني سأسامح..
فربما لن تكون هناك فرصة أخرى أبدا.. (ص 132)

التعليقات مغلقة.