إصلاح التعليم في المغرب: الإصلاح الذي لا يريدونه

بوجمعة وعلي*

ظل خطاب إصلاح التعليم في المغرب منذ الاستقلال وإلى الآن، هو الخطاب الأكثر تداولا في دهاليز السلطة وصالونات النخبة السياسية والثقافية والاقتصادية، ومنتديات نساء ورجال التعليم، وفضاءات الطبقات الشعبية.

فإصلاح التعليم الذي أقيمت له عشرات المؤتمرات والندوات والملقيات، وسطرت له العديد من المشاريع والمخططات، واختيرت له كثير من اللجان، حتى عد من الأولويات الإستراتيجية للدولة بعد الوحدة الترابية.

هذا التعليم الذي حضي بكل هذا وصرفت عليه الملايير من الدراهيم، بقي وضعه سيئا كما كان وربما أسوأ، ينتج البطالىة والعطالة كما هو ظاهر للعيان، ولا يلبي حاجات الدولة من الأطر التقنية و المتخصصة كما تدعي، ولا يجيب على الأسئلة الحارقة لتنمية أصبحت تقوم على اقتصاد المعرفة أكثر من نوع آخر، ولا يلبي طموحات الشعب في النجاح وتحسين الوضع المادي والترقي الاجتماعي.

وعليه نتساءل كما يتساءل كثير من صناع الرأي والفكر في بلادنا:

هل إصلاح التعليم في المغرب مشروع استراتيجي للدولة، نابع من قناعة واعية ورغبة صادقة في تطوير المنظومة التعليمية باعتبارها رافعة للتنمية والتقدم؟ أم أن المخططات والمشاريع الإصلاحية كما تقول هي مجرد تكتيكات تسعى إلى ربح الوقت وخلط الأوراق وتعميق الأزمة وتعميمها، للإبقاء على الوضع كما هو مهلهلا ، تلبية لرغبة جهات داخلية وخارجية مستفيدة من هذا الفشل التعليمي والتربوي؟.

معظم المعطيات والتقديرات والتحليلات تذهب إلى أن الدولة ونخبها الحاكمة، لا تريد إصلاحا حقيقيا لمنظومة التربية والتعليم رغم إدراكها العميق لنقط ضعفها وأسباب فشلها، وهو الأمر الذي يبدو واضحا في تقرير الخمسينية، وتقارير المجلس الأعلى للتعليم وخاصة تقرير 2008، وذلك لاعتبارات كثيرة نذكر الواضح والصريح منها:

– التغيير المستمر وغير المفهوم لوزراء التعليم ببلادنا، حيث وصل عدد وزراء التعليم منذ الاستقلال (1956 م) إلى الآن إلى32 وزيرا بمعدل وزير كل 22 شهرا، وهذا دليل واضح على غياب الإرادة السياسية للإصلاح، فهل يعقل أن يتم إصلاح قطاع التعليم أو أي قطاعا آخر بمثل هذه التغييرات المستمرة والمفاجئة في كثير من الأحيان.

– تعدد محاولات الإصلاح وتنوعها؛ حيث وصلت منذ الاستقلال إلى اليوم إلى 14 محاولة توزعت بين مخططات ومناظرات وبرامج ولجان ملكية…

– التسرع في تنزيل سياسة التعريب رغم عدم توفر شروط نجاحها ، مما عجل بفشلها أو بالأحرى إفشالها ليتم التراجع عنها سريعا، ويستقر الأمر على تعريب التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي والإبقاء على التعليم العالي مفرنسا في الشعب العلمية والتقنية،وهو ما خلق حالة ازدواج في لغة التدريس لا مثيل لها في كل التجارب التعليمية في العالم، فكانت النتيجة المباشرة هي مغادرة عدد كبير من المتعلمين للجامعات لأسوار الجامعات دون الحصول على أي شهادة.

– ازدواجية السياسة اللغوية والتعليمية في مسالة اللغة، بين لغات وطنية رسمية (العربية و الأمازيغية) مهمشة في كل مناحي الحياة الاقتصادية والتعليمية والبحث العلمي وفي الفضاءات العامة والخاصة، ولغة أجنبية (الفرنسية) تحظى بالأولوية في كل القطاعات والمجالات.

– الخلط المتعمد بين لغات التدريس وتدريس اللغات، وبين لغة الهوية ولغات الانفتاح، وتجاهل أن لغات الوطن أيا كانت درجة تطورها، هي اللغات التي يجب أن تكون لغات التدريس في كل التخصصات بما فيها العلمية والتقنية، بينما اللغات الأجنبية هي لغات للانفتاح على اللغات والثقافات الأخرى. وهناك دول لا تصل لغتها إلى مستوى اللغة العربية من حيث حمولتها الحضارية وعدد الناطقين بها كالسويدية والهولندية والبولونية ومع ذلك نجد السويدي والبولوني والهولندي يعلم ويتعلم بلغته ويعتز ويتشبث بها، وفي نفس الوقت يتعلم اللغات الأجنبية الأخرى التي تساعده على الانفتاح.

– غياب تخطيط لغوي يحدد وظائف اللغات وأدوارها في ظل تعدد لغوي غير حقيقي رغم واقعيته، لأنه من مخلفات السياسة الاستعمارية.
– سن نظام العمل بالعقدة في مجال التدريس رغم غياب شروط ضمان الحريات والحقوق، مما يهدد الأمن الوظيفي والاستقرار النفسي والاجتماعي للمدرسين، مما سينعكس تلقائيا على مردوديتهم وفاعليتهم التربوية والتعليمية.
هذه العناصر وغيرها، تدل بوضوح تام على غياب الإرادة السياسية لدى الدولة ونخبها الحاكمة في إصلاح قطاع حيوي لا بديل عنه في أي نهوض أو تنمية محتملة.

هذا الفشل لمنظومة التربية والتعليم في بلادنا له مظاهر متعددة، من بينها:

– احتلال المغرب للمرتبتين119 و111 من أصل 137 على التوالي في جودة النظام التعليمي وجودة مؤسسات البحث العلمي.

– الضعف المهول للبنية التحتية في كثير المؤسسات التعليمية وخاصة في المجال القروي وشبه القروي يصل إلى حد غياب المرافق الصحية.

– انتشار ظاهرة الاكتظاظ في التعليم العالي والتعليم الثانوي والإعدادي، والأقسام المشتركة في التعليم الابتدائي، رغم المجهودات التي بذلتها الدولة في السنوات الأخيرة.

– ضعف ميزانية البحث العلمي؛ حيث لا تتعدى 0.8 في المئة من الناتج الداخلي الخام، في حين تصل مثلا إلى: 4 بالمئة في كوريا ، و4.7 بالمئة في إسرائيل، و3 بالمئة في تركيا… .

– ضعف أو غياب توظيف التكنولوجيات الحديثة في التدريس، رغم الشعارات التي رفعتها الوزارة الوصية على القطاع.

– غياب الإنترنت عن معظم المؤسسات التعليمية، وخاصة في العالم القروي.

كل هذه الأمور وأخرى، أبقت التعليم الذي كان على مدى التاريخ محركا للنهضات الحضارية والثورات العلمية والفكرية، غارقا في فشله وتخلفه، مكرسا للتبعية اللغوية والثقافية والاقتصادية…كمظاهر للتقهقر الحضاري الذي تعيشه الأمة بشكل عام وبلادنا بشكل خاص.

*أستاذ باحث في اللغة والمجتمع

التعليقات مغلقة.