تازة على عهد الحماية.. بين تأليف وتوثيق وتأريخ.

جريدة أصوات

 “تازة على عهد الحماية” كتاب صدر ضمن منشورات ومضة بطنجة لمؤلفه د.عبد السلام انويكًة الباحث في التاريخ بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاس مكناس، هو بحوالي مائة وستين صفحة من القطع المتوسط تتوسط واجهته معلمة عسكرية كولونيالية فرنسية لا تزال قائمة شاهدة على ما عرفته المنطقة والنواحي من أحداث وتطورت ارتبطت بمقاومة المغاربة المسلحة للاستعمار خلال هذه الفترة الدقيقة والحرجة من تاريخ البلاد، معلمة كانت معتمدة لتجميع القوات والموارد التقنيةلمواجهة مقاومة القبائل بمنطقة تايناست الجبلية غير بعيد عن تازةشمالا في التماس تماماً مع ما كان يعرف بالمنطقة الخليفية.

والكتاب الذي وضع له الدكتور محمد الزرهوني – وافته المنية بشكل مفاجئ رحمه الله- تقديماً هاماً ضمنه جملة إشارات محكمة تخص السياق الذي يندرج فيه العمل، جاء غنياً ببيبليوغرافيا بالعربية والفرنسية ووثائق بقيمة تاريخية عالية عن الأرشيف الفرنسي على عهد الحماية، مما جعله يتوزع على محاور فاصلة ومتكاملة في اطار زمن منهجي تاريخي وليس مدرسي بفهم مدرسي. يبسط الباحث في هذا المؤلف لمحطات من تاريخ تازة السياسي والثقافي والعسكري على امتداد فترة الحماية، حاول من خلالها إبراز إسهام تازة وجوارها من البوادي تحديداً قبيلة البرانس، على مستوى تطورات ووقائع طبعت المنطقة منذ عقد الحماية والى غاية الكفاح الوطني من أجل استقلال البلاد.

وقد انصب الكتاب على دراسة قبيلة البرانس من حيث خصائص موطنها وسمات مجتمعها ومكونات أنشطتها، كذا تفاعلاتها مع محيطها منذ القديم خصوصا خلال مراحل حرجة من تاريخها التليد، تلك المتعلقة بانخراطها في مواجهة الأطماع الاستعمارية بشمال المغرب بين سنتي 1912- 1956م، وما واكب ذلك من مد وجزر مع مكونات النسيج القبلي المحلي، وشد وجذب بينها وبين فلول القوات العسكرية الاستعمارية، ناهيك عن التضحيات الجسيمة الفردية والجماعية التي قدمتها هذه القبيلة في سبيل استقلال البلاد.

 وبقدر ما يشكل الكتاب قيمة مضافة لفائدة تاريخ المنطقة حيث ندرة التأليف، بقدر ما يعد اضافة للخزانة التاريخية المغربية وإسهاماً في حقل التاريخ المحلي الذيأورد حوله الدكتور محمد الزرهوني في تقديمه للكتاب: “بقدر ما لهذا التخصص من أهميةبالغة في سبيل إماطة اللثام عن قضايا وإشكاليات وتجارب بشرية مُموقعة في المجال ومُمتدة فيالزمان، تخص مدناً وقرى وتجمعات بشرية ظلت مجهولة أو مغمورة لضعف الاهتمام بها أو لتهميشهافإنه ينطوي على تحديات جمة على مستوى التنقيب والتأليف، لما يعتري ذلك من صعاب تتعلق بندرة الوثائق أو قلة فرص الحصول عليها لأسباب متعددة؛ منها على الخصوص ضعف حركة التدوين وسيادة الثقافة الشفاهية، والميل إلى التكتم عليها أو إخفائها. لذلك فإن الباحث الراغب في اقتحام هذا الفرع من التاريخ يجد نفسه أمام مغامرة تتطلب منه الصبر والتؤدة والمكابدة وسعة الصدر، لعله يجمع شذرات متناثرة من المعلومات والموارد، تسعفه لتحقيق مبتغاه، دون أن تشفي فضوله الفكري بالمستوى المطلوب، وتروي غليله العلمي بالكيفية المتوخاة. والواقع أن مختلف هذه النقائص لم تثن عزائم ثلة من الفاعلين والباحثين عن الاضطلاع بهذه المهمة المجدية، فعمدوا إلى اقتحام عرين التاريخ المحلي لدوافع ذاتية أو موضوعية كل من موقعه ووضعه ومبتغاه، فاستطاعوا بفضل انخراطهم البيِّن أن يدلوا بدولهم في هذا الشأن، متجشمين عناء الصعاب ومقارعين ثقل المشاق.”

التعليقات مغلقة.