النسيان وأمراض الدماغ

إعداد مبارك أجروض

النسيان هو آفة العصر الحديث الذي نعيشه، لا يفرق بين الشباب أو كبار السن، فأغلب الأشخاص يصابون بالنسيان المتكرر خلال مرحلة ما من حياتهم.. ومع تزايد الأخبار والتعليقات التي نقرأها ونسمعها عن مرض الخرف – الذي يشكل “الزهايمر” أحد أسبابه، صار الكثيرون، خاصة منهم المتقدمين في السن، يتخوفون من إصابتهم بهذا المرض (الذي لم يتوصل الطب حتى الآن إلى طريق للشفاء التام منه)، عندما يصعب عليهم تذكر اسم صديق أو دواء أو شارع.. وتزداد شكوكهم وحيرتهم عندما تتكرر ظاهرة النسيان لديهم مرات عدة في اليوم. 

النسيان هو عَدم القدرة على استِرجاع المعلومة عند الحاجة إليها، وهو عِلاجٌ فعّال لكثيرٍ من الصّدمات وأزمات الحياة، ولكنّه إذا أثّر بشكلٍ سلبي على تفاصيل الحياة، كنسيان الأسماء ومواعيد تناول الأدوية، أو المواعيد الاجتماعية والرسمية، وغيرها من الأمور، هنا يُصبح النسيان مُشكلةً تَحتاج إلى عِلاج. يتمّ تَخزين المَعلومات في الذاكرة على شكل شبكاتٍ مُتداخلة؛ حيث توجد في كلّ شبكة مَعلومات تتعلّق بمفهومٍ مُعيّن، وترتبط هذه الشبكات مع بعضها البعض بعلاقاتٍ مُعيّنة. عند التفكير في مفهومٍ ما تفتح الشبكة المُتّصلة بالمفهوم والشبكات التي تحتوي على مفاهيم قريبة منه أيضاً. يَحدث النّسيان عندما يتم قطع هذه الشبكة بسبب حدوث تشويش أو تدخُّل يُضعف القدرة على التركيز؛ فعندما يتعرّض الشّخص للتدخّل، تنخفض قدرته على تذكر المعلومات حتى خلال فتراتٍ قصيرة جداً من الزّمن.

ولا شك أن النسيان غدا من سمات عصرنا، فلا يمضي يوم إلا وتسمع أن سيدة تركت الموقد مشتعلاً حين خرجت من البيت، أو أن رجلا لم يعد يذكر أين وضع مفاتيح البيت، أو أن تلميذا لم يفطن إلى إعادة حقيبته من المدرسة.  ولكن ليطمئن الجميع، فأسباب النسيان المرضية (حتى في المسنين) ما تزال هي الاستثناء لا القاعدة، وأغلب دوافع النسيان أمور لا تتعلق بعلة في الدماغ، ومعظمها ينتمي لعوامل يمكننا السيطرة عليها.

وقد اكتشف الباحثون في جامعة ستانفورد أن النسيان قد يكون نعمة على الدماغ، لأنه الوسيلة التي يتخلص فيها من المعلومات غير الضرورية التي تشكل عبئاً عليه. وفيما يلي نستعرض بعض أسباب النسيان التي لا تمت إلى أمراض الدماغ بصلة، والتي يمكن لنا (أو لطبيبنا) معالجتها:

1ـ زحام المعلومات
لعل أهم سبب لتفشي ظاهرة النسيان في أيامنا هذه، هو الكم الهائل من المعلومات التي يتلقاها دماغنا كل يوم، ما يجعل ذاكرتنا مثقلة بترهات لا جدوى منها، ولا تستحق حتى أن نتذكرها.
وقد أظهرت دراسات حديثة أجريت في جامعة ستانفورد استخدم فيها جهاز fMRI أن الإنسان يستطيع أن يحرر دماغه من التفاصيل غير الضرورية ويركز على المعلومات الأساسية، بحيث يصبح قادرا على إجراء عمليات ذهنية أكثر أهمية (كاتخاذ القرارات مثلا).

الحلول:
ـ عوّد نفسك على اختيار ما تريد وما يفيدك أن تتذكره مستقبلا. فإذا دعيت إلى حفل مثلا، احرص على حفظ أسماء الأشخاص الذين تود لقاءهم مجددا ليس إلا. وإذا قرأت صحيفة، انتخب الأنباء التي تهمك فقط.
ـ استغل الوسائل التقنية المتوفرة لك حاليا (كالكمبيوتر والهاتف النقال) في حفظ المعلومات والأرقام والملفات التي تحتاج إليها، فهذا يمنح الراحة لذاكرتك لتبقي على المعلومات الحيوية الضرورية لك وحسب.
ـ أبعد عنك كل الذكريات المزعجة (كالصدمات العاطفية والقرارات السابقة الخاطئة والمواقف المحبطة) ولا تسترجعها في ذاكرتك، لأن من شأنها أن تحد من لياقتك الذهنية، واستبدلها -حالما تطرق ذهنك- بذكريات سعيدة، وبكل تفاصيلها، وستجد، بعد فترة من هذا التدريب النفسي، ان الذكريات المؤلمة ستضمحل وتتلاشى دون أدنى جهد.

2ـ عدم أخذ القدر الكافي من النوم
لا يقدر معظم الناس التأثير السلبي للحرمان من النوم على قوة الذاكر، فهو – بالإضافة لتأثيره المباشر في عدم إعطاء الدماغ فرصته الذهبية (أثناء النوم) ليحيك فيها المعلومات التي تلقاها أثناء اليقظة – يؤدي لتبدلات نفسية في الإنسان تضر بذاكرته.

3. القلق والتوتر والشدة النفسية
كل ما من شأنه الإخلال بالتركيز الذهني وتشتيت الانتباه يؤدي بطبيعة الحال الى تعطيل تقبل الذكريات الحديثة، وصعوبة استعادة الذكريات القديمة. ويعتقد ان أحد الأسباب في هذا يعود لتراكم هرمون “كورتيزون” في مراكز التعلم بالدماغ وتثبيطها، ولعل من أشكال التوتر الشائعة في يومنا هذا محاولة القيام بأكثر من مهمة واحدة في ذات الوقت، فهذه وصفة لا تخيب لمشكلة النسيان. 

4ـ الاكتئاب
هناك تداخل بين الاكتئاب والنسيان من حيث ان كلا منهما قد يسبب الاخر، فالمكتئب الذي تركبه الهموم والأحزان، ولا يجد المتعة في ما كان يبعث على البهجة، والذي فقد الهمة للقيام بواجباته العادية، كثيرا ما ينسى الامور الاساسية التي عليه تذكرها، ناهيك عن الأمور الفرعية.

5. الكسل وعدم الحركة
فالرياضة (حتى الخفيفة منها كالمشي نصف ساعة يوميا) تعزز التروية الدموية لمراكز الدماغ، بما فيها تلك المسؤولة عن الذاكرة، وتخفف من التوتر ومن الاكتئاب.

6. إهمال الغذاء الصحي والإماهة
فالأطعمة السريعة الاعداد والفقيرة بالفيتامينات، خاصة الفيتامين B12، والمعادن ومضادات الأكسدة تحرم الدماغ والاتصالات العصبية مما تحتاجه لتقوية الذاكرة، كما ان التجفاف او عدم شرب ما يكفي من السوائل له أسوأ الأثر على قدرة الدماغ في حفظ المعلومات.

7. الحياة الفوضوية
من البديهي ان انعدام التنظيم في الامور الحياتية يؤدي لنسيان الأمور الهامة، لذا يجب دوما ترتيب شؤونك، واحفظ مواعيدك بسجل خاص، وخصص مكاناً واحدا لكل حاجة ضرورية، حتى لا تكون عرضة للنسيان.

8ـ قصور الغدة الدرقية
من أعراض قصور الغدة الدرقية الاكتئاب وضعف الذاكرة (كما أوضحنا في مقالنا “قصور الغدة الدرقية.. أهم ما تحتاج لمعرفته عنه”)، وبإمكان أي إنسان يشك بإصابته بهذا المرض (وأكثر المصابين من النساء)، أن يتحقق من إصابته بقصور الدرقية بواسطة فحص دم بسيط، كما أن الشفاء من المرض أصبح بمتناول كل إنسان.

التعليقات مغلقة.