كلمة السيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية في الجلسة الإقتتاحية لمؤتمر مراكش الدولي للعدالة

  بقلب يملؤه الفخر والاعتزاز يطيب لي أنأفتتح أشغال هذا المؤتمر الدولي الكبير الذي ينعقد  تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية دام له النصر والتمكين

     رعاية وعناية ملكية موصولة تجسدت في الرسالة المولوية الواضحة الرؤية والمنهج، العميقةالدلالات والخلاصات، والتي تلزمنا جميعا بالمبادرة الخلاقة والالتزام المسؤول من أجل عدالة تنتج فضاء عالميا آمنا للاستثمار.

بقلب يملؤه الفخر والاعتزاز يطيب لي أنأفتتح أشغال هذا المؤتمر الدولي الكبير الذي ينعقد  تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية دام له النصر والتمكين .

      إنها رسالة ثقة لا نملك إزائها إلاالدعاء للعلي القدير أن يحفظ ملكنا الهمام قائدا وقدوة ودعما وسندا لكل المشاريع الإنسانية العادلة عبر العالم.

أصحاب المعالي والسعادة والفضيلة ، ضيوف المغرب الكبار؛

      تلبيتكم اليوم لدعوتنا وتشريفكم لنا بهذا الحضور الوازن لحظة رمزية ومؤشر نعجز عن التعبير عن عظم أثره بقلوبنا.

      مراكش اليوم، تحتضن مرة أخرى قامات سياسية وقانونية وقضائية وحقوقية واقتصادية رفيعة الدرجات لنتقاسم معا تجاربنا ونوثق فيها طموحاتنا وآمالنا.

      مراكش يحق لها من خلال احتضان هذا الحدث الكبير أن تكون عاصمة للعدالة عبر العالم ومنتدى دائما للحوار، ولخلق المبادرات الجادة والشراكات المتنوعة.

      العاصمة الحمراء تفتح لكم أبوابها للم شمل هذه الأسرة الكبيرة بقيمها، العظيمة بتاريخها،الغنية برأسمالها اللامادي نساء ورجال العدالة الأفذاذ عبر العالم.

      فمرحبا بكم أصحاب السعادة والفضيلة ضيوفا وأصدقاء وشركاءكراما أعزاء، وكل الأمنيات أن يشكل مقامكم الطيب بيننا مناسبة للتعرف عن قرب على معالم وتفاصيل هذا الوطن في أبعاده الإنسانية العميقة، وطن التسامح والانفتاح والحرية والكرامة والمسؤولية .

الحضور الكريم؛

      منذ أبريل 2017 تاريخ تنصيب المجلس الأعلى لسلطة القضائية إلى الآن، مرت تحت الجسر مياه كثيرة كما يقال، سنتان ونصف تقريبا من البناء والتأسيس  ومن العمل الوطني وأداء الواجب المهني المسؤول .

      مرحلة ألزمتنا بكثيرا من الحكمة والجرأة من أجل تحقيق التطلعات والانتظارات وتجاوز عدد من الإكراهات لتكريس الاستقلال الحقيقي للسلطة القضائية .

      استقلال يوطد الثقة لدى الجميع ويكرس الأمن في تجلياتهوأبعاده المختلفة .

       استقلال من أجل سلطة قضائية أكثر انفتاحا ونجاعة وفعالية سلطة أكثر عدلا وإنصافا وقربا.

      سنتان ونصف بذلنا فيها كمجلس أعلى مجهودات كبرى من أجل وضع الأسس الصحيحة وإرساء الممارسات الفضلى لخلق أجواء ممارسة سليمة داخل أسرة العدالة قوامها الاحترام والتنسيق والتعاون والانفتاح والشفافية خدمة لهذا المشروع الإصلاحي الكبير.

      وهنا لا بد من باب العرفان والتقدير توجيه كل عبارات الشكر والثناء لمعالي وزير العدل السابق الفاضل محمد أوجار والسيد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة السيد آمحمد عبد النباوي لما أبانوا عنه  طيلة هاته الفترة من حكمة وحنكة  في تدبير هذه المرحلة الدقيقة بكل مسؤولية وتوازن.

      كما أتقدم بعبارات التهنئة لمعالي وزير العدل الفاضل محمد بن عبد القادر على الثقة الملكية الغالية مع متمنياتي له بالتوفيق والسداد مؤكدا استعدادنا التام الدائم لكل أشكال التعاون والتنسيق والتكامل.

الحضور الكريم؛

لا استثمار ولا تنمية بدون قضاء مستقل كفء منفتح متطور .

      إنالرأسمال جبان والمجتمعات المعاصرة تبقى في حاجة إلى بنيات آمنة ملائمة مطمئنة للاستثمار ، وهو ما لا يمكن تحقيقه دون فرض سيادة التطبيق العادل للقانون وإعطاء بعد قوي حقيقي لمبادئ المسؤولية والمحاسبة والحكامة والتخليق ومحاربة الفساد وضمان الحقوق والحريات خاصة الاجتماعية منها والاقتصادية.

      لا أحد يجادل اليوم أن قوة القضاء ونزاهته كواقع عملي يؤثر بشكل مباشر في زيادة النمو الاقتصادي ويؤسس

لفضاء آمن للاستثمار يضمن به الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والحقوقي وينتج آفاق كبيرة للتنمية البشرية في أبعادها المختلفة .

      وهي رهانات تزداد صعوبة في ظل هذا العالم الذي نعيش فيه تغيرات كبيرة في الأفكار والمفاهيم، وتطورا متسارعا في الآليات وتعقدا في العلاقات والمعاملات بين الأفراد والمؤسسات والدول.

      رهانات تطالبنا جميعا بكثير من النزاهة والكفاءة والجرأة والتعاون لمواجهة تأثيراتها وإيجادإجابات واضحة عملية للتساؤلات المعقدة التي قد تعيق طموحاتنا وتضع مؤسساتنا أمام امتحان المستقبل .

      لا شك أن عالم الاستثمار يعتمد في كثير من أسسه على عنصر الزمن ولغة الأرقام والمعطيات الإحصائية والمؤشرات التي تقيس قيمة العمل وجودته وآجاله وآثاره.

            ومن ثمة كان لزاما علينا كسلطة قضائية التركيز على تحسين هذه المؤشرات وذلك بتكريس جهود كبرى من أجل الحق في المحاكمة العادلة داخل آجال معقولة ، حيث بلغنا في السنوات الأخيرة على مستوى محكمة النقض مثلا معدلات جد مشرفة تضعنا بدون مبالغة في مصاف المحاكم العليا العريقة عبر العالم  رغم كل الاكراهات والصعاب.

      في عدالة اليوم لم يعد مجال لإهدار الزمن القضائي، لا بد أن ينكب جميع المتدخلين بكل حزم وانضباط من أجل وضع حلول جديدة مبتكرة واقعية من أجل مزيد من تقليص آجال البت وتنويع وتجويد الخدمات الالكترونية وصولا إلى المحاكم الرقمية الذكية الآمنة التي تكرس الثقة وتشجع على الاستثمار.

      إن الانتظارات الكبرى من خلال الاستثمار تتطلب منا تجديدا عميقا في طرق التفكير وإجراء قطيعة حقيقية مع الممارسات التي تهدر الزمن والأمنوالفرص التنموية وتعيق مبادرات الإصلاح وتكبل روح الإبداع .

السيدات والسادة الأفاضل؛

إن القضاء اليوم كما يقال هو القانون في حالة حركة وحياة، وقد أثبتت التجارب الإنسانية العالمية أنه مهما كانت النصوص القانونية ملائمة فإنها تبقى دائما قاصرة عن إيجاد الحلول لكل النوازل والقضاياالمستجدة، ويبقى الملاذ إذا هو السلطة القضائية لتدبير هاته الأوضاع والاجتهاد الخلاق من أجل  إيجاد حلول لها.

وهي بالتأكيد أمانة ومسؤولية شاقة مضنية نرى ملامحها الإيجابية واضحة في العديد من توجهات محكمة النقض باعتبارها على رأس الهرم القضائي المغربي، حيث عمل  قضاتها الأماجد على  ضمان مناخ آمن للاستثمار من خلال العديد من القرارات التي كرست مبادئ   هامة تجسد حرص القضاء على إيجادالتوازن بين حقوق جميع مكونات الشركات والمقاولات ومد الحماية اللازمة لمستهلكي المنتوجات والخدمات خاصة في مجال المعاملات البنكية والتأمينية والضريبية حيث سهروا على تكريس عدالة اقتصاديةوضريبية لمواجهة الشروط والمساطر التعسفية.

    كما واكبالقضاء المغربي التحولات الاجتماعية والاقتصادية والحقوقية والتكنولوجية الدولية وأثرها على الاستثمار وعلى سوق الشغل من خلال إقرار سمو الاتفاقيات الدولية وتفعيل مضامينها وكذا التفاعل الايجابي مع وسائل الإثبات الالكترونية بإعطائها القوة والحجية الثبوتيةفي المنازعات وحمايته للمتضررين من الأخطاء الناتجة عن المعاملات البنكية الدولية واعتماده مقاربة حمائية فعالة في القضايا المتعلقة ببراءة الاختراع  وحقوق المؤلف .

      كما أن قضاتنا عملوا على تكريس مقاربة اقتصادية ذات أبعاد اجتماعية تضمن الاستقرار داخل المؤسسات الشغلية بإقرار التوازن الموضوعي بين حقوق الأجراء وأرباب العمل دون أي تعسف أو حيف، واعتمادهممنهجا متوازنا بين حقوق الأجراء الأجانب ومتطلبات سوق العمل الوطنية وتكريسهملمبدأ المساواة وحظر كل أشكال التمييز بين العمال الوطنيين والأجانب .

      كما أن تخليق المعاملات الاستثمارية كان معطى حاضرا لدى قضاتنا حيث عملوا على وضع ضوابط للمنافسة التجارية الشريفة وواجهوا بصرامة مسيري الشركات الذين يزجون بالمقاولات في مساطر صعوبات المقاولات وكذا حالات التلاعب التي تتم في المعاملات المنصبة على الأسهم في البورصة وقضايا غسل الأموال والجرائم الالكترونية .

كما استطاعت محاكم المملكة وعلى رأسها محكمة النقض  أن تكون مساندا فاعلا لمؤسسة التحكيم، من خلال إعمالها لأهم المبادئ القانونية المتعارف عليها دوليا، بل وبتت في قضايا التحكيم الدولي في فترة لم يكن يعرف فيها القانون المغربي تنظيما تشريعيا لهذا النوع من التحكيم .

ولا يفوتني الاستدلال في هذا السياق، بالقرار الشهير الصادر عن محكمة النقض سنة 1979، والذي نص على سمو الاتفاقيات الدولية الخاصة بالتحكيم، حيث اعتبر أن المقرر التحكيمي الأجنبي المؤسس على شرط تحكيمي مخالف لمقتضيات القانون المغربي لا يعتبر باطلا تطبيقا للفصل الثاني من اتفاقية نيويورك.

 كما أعملت محكمة النقض مفهوم النظام العام الدولي كمناط لتذييل الحكم التحكيمي الأجنبي على الرغم من عدم إمكانية اللجوء إلى التحكيم فيما يخص المؤسسات العمومية آنذاك، قبل أن يعمد قانون 08.05 إلى نسخ هذا المقتضى تفاعلا مع العمل القضائي، وأقر إمكانية اللجوء إلى التحكيم حتى بالنسبة لأشخاص القانون العام.

وقد استقر القضاء المغربي أيضا، على عدة مبادئ  هامة، كحرية الأطراف في اللجوء إلى التحكيم، وعلى خضوع الأحكام التحكيمية الأجنبية لمقتضيات اتفاقية نيويورك وليس للمقتضيات الخاصة بالأحكام القضائية الأجنبية، إضافة إلى العديد من القواعد القضائية التي تنسجم مع التوجهات القانونية والقضائية العالمية، والتي لا يسمح الحيز الزمني بسرد تفاصيلها .

هذا الزخم القضائي  والرأسمال اللامادي الهام من القرارات الصادرة في القضايا المتعلقة بالاستثمار عملنا على توثيقه ونشره في العديد من إصداراتنا الشهرية والموضوعاتية الرصينة تفعيلا للحق في المعلومة ولمبادئ الشفافية ومساهمة في تطوير النص التشريعي وتجويده. فضلا عن مساهمة قضاتنا بالعديد من المقترحات والتصورات في مختلف الندوات واللقاءات والأنشطة الوطنية والدولية المتعلقة بالاستثمار التي نسعى من خلالها إلىخلق  فقه قضائي منفتح ينظر إلى المآلات ويراعي كل الأبعاد والمقاصد.

الحضور الكريم ؛

   إن ما بسطناه باقتضابيلزمنا بموضوعية ومواطنة ، أن نقدم لقاضياتنا وقضاتنا كل عبارات الاعتزاز والتقدير والشكر والثناء على الجهود الكبرى التي يبذلونها من أجل تكريس الأمن الاستثماري ببلادنا.

إن ما يتحقق اليوم من ارتفاع في مؤشرات الثقة لدى المستثمرين ساهم فيه بقسط وافر هذا المجهود القضائي الكبير المتكامل.

قضائنا اليوم وبشهادة العديد من المؤسسات والقطاعات الوطنية والدولية يؤكد أنه لا تخوف على  ضمانات الاستثمار بالمغربويؤشر على إرادة حقيقية من أجل خلق دينامية جديدة وإعطاء انطلاقة صحيحة فعلية لورش التأسيس الذي نعتبره عمادا للتنمية وللاستثمار.

   شرف التأسيس الذي يلزمنا بكثير من التضحية ويفرض علينا الصبر من أجل تغيير العقليات والممارسات لتستوعب المستجدات وتتأقلم مع التغيير وتنكب على العمل والمشاركة الايجابية .

    نحن اليوم في موعد مع التاريخ لن نخلفه، وأيدينا ستكون دائما ممدودة لكل المقترحات الجادة وأبوابنا مفتوحة لكل الآراء والملاحظات حفاظا على أخلاقيات هذا المشروع المجتمعي الكبير.

أصحاب المعالي والسعادة؛

     إن خلق فضاء آمن للاستثمار بمضامينه الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية والإدارية والهيكلية وتهيء الأجواء المناسبة له حسب المعايير المتوافق  عليها عالميا يفرض علينا اليوم دعم استقلال السلطة القضائية وتأهيل عناصرها وتطوير الإدارة القضائية وتعزيز حكامتها بإرساء مقومات المحكمة الرقمية وتحديث خدماتها وتيسير انفتاحها على محيطها والرفع من مستوى البنية التحتية للمحاكم ومؤهلاتها وتطالبنا باهتمام أكبر بالعنصر البشري من مسؤولين قضائيين وقضاة الذين يحتاجون إلى الكثير من الدعم والتشجيع مع العناية بأطر وموظفي كتابة الضبط العمود الفقري للعدالة وللسلطة القضائية الذين نؤكد لهم  مدى تقديرنا لكل ما يبذلونه من تضحيات،والكل من خلال مقاربة شمولية مندمجة تتعامل مع قضايا الاستثمار في مختلف جوانبها المرتبطة بالقوانين التجارية والضريبية والجمركية والبنكية والاجتماعية والعقارية والتوثيقية وتستحضر الأبعاد الدولية والتكنولوجية التي تفرضها عولمة التبادل التجاري والمالي والاقتصادي عبر القارات .

الحضور الكريم؛

         على امتداد أيام هذا اللقاء الدولي الهام ستكون لدينا فرصة هامة لمناقشة مواضيع ومحاور كبرى متكاملة واقتسام تجارب فضلى  والاستفادة من خبرة وتجربة نخب قانونية وقضائية واقتصادية وعلمية قل نظيرها.

         والأكيدأن لقاء من مثل هذا المستوى سيكون بكل تأكيد خطوة أساسية وفرصة جديدة لتأسيس علاقات تعاون جاد وفعال بيننا يخدم القيم الكبرى التي نؤمن بها جميعا.

    فمرحبا بكم مرة أخرى وكل المتمنيات لأشغال هذا المؤتمر بالتوفيق والنجاح.

التعليقات مغلقة.