جدل جديد حول قانون الإجهاض بالمغرب

يعود الجدل مرة أخرى في المغرب حول تقنين الإجهاض وبعد مرور ثلاثة سنوات على مصادقة الحكومة مشروع قانون بهذا الخصوص لم يدخل حيز التنفيذ ورغم تدخل الملك في مارس أذار 2015 لجنة مكونة من وزير العدل والحريات ووزير الأوقاف والشؤون الاسلامية ورئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان باخلاق مشاورات بهدف مراجعة القوانين المنظمة للإجهاض في المملكة

جريمة الإجهاض في المغرب :

يعد تجريم فعل الإجهاض حماية جنائية لروح الإنسان قبل ميلاده، وقد تعرض المشرع الجنائي لهذه الجريمة و أفرد لها نصوصا خاصة المواد من 449 الى 458 من ق.ج

أولا: عناصر جريمة الإجهاض.

تنص المادة 449 على أنه ; من أجهض أو حاول إجهاض امرأة حبلى أو يضن أنها كذلك، برضاها أو بدونه سواء كان ذلك بواسطة طعام أو شراب أو عقاقير أو تحاليل أو عنف أو أية وسيلة أخرى، يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات و غرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم. وإذا نتج عن ذلك موتها فعقوبته السجن من عشر إلى عشرين سنة و تنص المادة 453 على أنه:

لا عقاب على الإجهاض اذا استوجبته ضرورة
المحافظة على الأم متى قام به علانية طبيب أو جراح بإذن من الزوج…
من خلال المادة 449 و 453 نستنتج أن عناصر جريمة الإجهاض تتمثل في النشاط المادي، و انتفاء الخطر عن صحة الأم أو حياتها، و القصد الجنائي.

1- النشاط المادي.
و يتمثل في كل فعل أو سلوك يقوم به الجاني مستهدفا به المرأة الحامل بغرض إسقاط جنينها ووضع حد لحياته.
وقد جاءت المادة 449 شاملة حيث لم تحدد وسيلة بعينها يتحقق بها النشاط المادي في جريمة الإجهاض فيستوي أن يتم ذلك بالعنف أو باستعمال العقاقير أو طعام أو شراب أو تحاليل أو أي وسيلة أخرى.

ويذهب بعض الفقه إلى أن الوسيلة المستخدمة في الإجهاض قد تكون معنوية كتهديد المرأة الحامل أو تخويفها أو ترويعها. ثم إن رضا المرأة الحامل لا أثر له على قيام الجريمة فيستوفي أن توافق على إجهاضها أو ترفض ذلك، كما تقوم الجريمة في حال الاحتيال عليها كإعطائها مواد أو عقاقير دون علمها، أو إيهامها بإجراء فحص طبي لها فيتم استئصال حملها عن جهل منها.

وإذا تحققت النتيجة الإجرامية من الفعل المادي وهي القضاء على الجنين تتحقق جريمة الإجهاض بصورة كاملة و تامة أما إذا لم تتحقق النتيجة فإننا نكون بصدد محاولة إجهاض عاقب عليها المشرع الجنائي بمقتضى المادة 449 و المادة 455.

2- انتفاء الخطر عن صحة الأم أو جنينها.
يسمح المشرع بالإجهاض إذا استوجبت ضرورة المحافظة على صحة الأم و انقاد حياتها. بمعنى أنه إذا كان الحمل يشكل خطرا على صحة الأم أو حياتها فانه يجوز القيام بإجهاضه، و بمفهوم المخالفة فان جريمة الإجهاض لا تتحقق إلا إذا كان الحمل لا يشكل أي خطر على صحة الأم أو على حياتها.

و قد حددت المادة 453 الإجراءات القانونية الواجب القيام بها إذا استوجبت الإجهاض ضرورة المحافظة على الأم و ذلك بنصها على أنه :لا عقاب على الإجهاض إذا استوجبته ضرورة المحافظة على الأم متى قام به علانية طبيب أو جراح بإذن من الزوج;.
ولا يطالب بهذا الإذن إذا ارتأى الطبيب أن حياة الأم في خطر غير أنه يجب عليه أ يشعر بذلك الطبيب الرئيسي للعمالة أو الإقليم.

و عند عدم وجود الزوج أو إذا امتنع الزوج من إعطاء موافقته أو عاقه عن ذلك عائق فانه لا يسوغ للطبيب أو الجراح أن يقوم بالعملية الجراحية أو يستعمل علاجا يمكن أن يترتب عنه الإجهاض إلا بعد شهادة مكتوبة من الطبيب الرئيسي للإقليم أو العمالة يصرح فيها بأن صحة الأم لا يمكن المحافظة عليها الا باستعمال هذا العلاج و يستفاد من هذه المادة أن الطبيب أو الجراح وحده المخول لإجهاض المرأة في حل شكل الحمل خطرا على حياتها أو صحتها وفقا للإجراءات المنصوص عليها، أما إذا قام بذلك شخص آخر كالممرض أو القابلة أو الزوج فإنهم يعاقبون على جريمة الإجهاض -حتى و لو كان الباعث على ذلك نبيلا- نظرا
لعدم توفرهم على العلم و الخبرة المطلوبين لإجراء عملية الإجهاض مما يزيد من حدة المخاطر التي تتعرض لها الأم.

3- القصد الجنائي.
يتحقق القصد الجنائي في جريمة الإجهاض بتوافر عنصري العلم و الإرادة.

– فعنصر العلم يقتضي أن يكون الفاعل عالما بأن المرأة التي توجه إليها حاملا أما إذا كان جاهلا بذلك و أدى فعله إلى إجهاضها فانه لا يسأل عن جريمة الإجهاض و إن كان من الممكن تحقق جريمة أخرى في حال توافر عناصرها.

ولا يشترط في هذا العلم أن يكون يقينيا بل يكفي أن يضن الفاعل أن المرأة حاملا حتى يتحقق عنصر العلم لديه حسب ما تنص عليه المادة 449 … من أجهض أو حاول إجهاض امرأة حبلى أو يضن أنها كذلك…

– أما عنصر الإرادة فيقتضي أن تتجه إرادة الجاني إلى القيام بالفعل الإجرامي و تحقيق النتيجة الإجرامية و المتمثلة في إجهاض الجنين أي وضع حد لحياته فالإرادة تمتد لتشمل النشاط و النتيجة معا، أما إذا لم تنصرف إرادة الشخص إلى تحقق هذه النتيجة فلا يسأل عن جريمة الإجهاض و لو تحققت النتيجة فعلا.

ثانيا: ظروف التشديد في جريمة الإجهاض.
إذا كان المشرع قد حدد عقوبة جريمة الإجهاض في الحبس من سنة إلى خمس سنوات و غرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم فإنه شدد هذه العقوبة في حال اقترنت جريمة الإجهاض بظرفين اثنين هما:

– موت المرأة الحامل المجني عليها : حيث تكون العقوبة في هذه الحالة هي السجن من عشر إلى عشرين سنة. و تطبق هذه العقوبة بغض النظر عن رضا المرأة الحامل من عدمه كما تشمل أيضا المحرضين و المساعدين ; المادة 451 و 455 من ق.ج

– ممارسة الجاني للإجهاض بضفة معتادة : حيث تضاعف عقوبة الحبس لتصل إلى عشر سنوات و غرامة مالية تقدر بألف درهم في حالة عدم اقتران الإجهاض بموت المجني عليها، أما إذا اقترن بموتها فالعقوبة هي الحبس من عشرين إلى ثلاثين سنة ; المادة 450 ق.ج ;. و لم يحدد المشرع عدد المرات التي يتحقق معها الاعتياد بل ترك الأمر للقاضي يستنتجه من ملابسات و وقائع و ظروف كل قضية على حدة. كما لا يتحقق عنصر الاعتياد في حق المرأة الحامل إذا أجهضت المرأة نفسها مرارا بل يتحقق فقط في حق الغير إذا قام بذلك.

– تشديد العقاب على أعمال التحريض و المساعدة على الإجهاض : فبخصوص المساعدة تنص المادة 451 من القانون الجنائي على أن ; الأطباء والجراحون و ملاحظو الصحة و أطباء الأسنان أو الصيدلة و عمال الصيدليات والعشابون و المضمدون وبائعو الأدوية الجراحية و الممرضون و المدلكون و المعالجون بالتسبب و القابلات العرفيين الذين يرشدون إلى وسائل تحدث الإجهاض أو ينصحون باستعمالها أو يباشرونها يعاقبون بالعقوبة المقررة في أحد الفصلين 449 و 450 على حسب الأحوال. و يحكم على مرتكب الجريمة علاوة على ذلك بالحرمان من مزاولة المهنة المقررة في الفصل 87 إما بصفة نهائية أو مدة محدودة
و جدير بالذكر أن المساعد في جريمة الإجهاض يعاقب حتى و لو لم تنفد الجريمة فعلا.

أما بخصوص التحريض على الإجهاض فتنص المادة 455 على أنه ; يعاقب بالحبس من شهرين إلى سنتين و غرامة من مائتين إلى ألفي درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل من حرض على الإجهاض و لم يؤدي هذا التحريض إلى نتيجة ما إذا وقع التحريض بإحدى الوسائل التالية:

– بإلقاء خطب في أماكن أو اجتماعات عامة.

بتقديم كتب أو مخطوطات أو مطبوعات أو منشورات أو إعلانات أو رسوم أو صور أو شهادات ولو كان ذلك سرا، وكذلك بيع أحد هذه الأشياء أو تقديمه للبيع أو عرضه أو لصقه أو توزيعه في الطريق العمومي أو في مكان عام أو التوزيع على المنازل أو في أربطة أو في مظاريف مغلقة أو مفتوحة بطريق البريد أو بطريق متعهدي التوزيع أو النقل.

بالدعاية: في العيادات الطبية الحقيقية أو المزعومة.

و تجري نفس العقوبات على كل من باع أدوية أو مواد أو أجهزة أو أشياء كيفما كان نوعها أو عرضها للبيع أو عمل على بيعها أو وزعها أو عمل على توزيعها بأية طريقة كانت مع علمه أنها معدة للإجهاض حتى ولو كانت هذه الأدوية أو المواد أو الأجهزة أو الأشياء المقترحة كوسائل فعالة للإجهاض غير قادرة عمليا على تحقيقه.

غير أنه إذا ما تحقق الإجهاض على إثر العمليات و الأعمال المشار إليها في المقطع السابق فإن العقوبات المنصوص عليها في الفصل 449 من القانون الجنائي تطبق على القائمين بالعمليات أو الأعمال المذكورة.

و ينتج عن الإدانة المنصوص عليها في المادة 451 و 455 من القانون الجنائي في حق الأشخاص المذكورين في الفصلين –و بحكم القانون- الحرمان من مزاولة أية وظيفة أو القيام بأي عمل بأي صفة كانت في مصحة أو دار للولادة أو في أي مؤسسة عامة أو خاصة تستقبل عادة سواء بمقابل أو بدون مقابل نساء في حالة حمل حقيقي أو ظاهر أو مفترض أيا كان عددهن و ينتج
الحرمان أيضا عن الحكم بالمؤاخذة من أجل المحاولة أو المشاركة في هذه الجرائم ;المادة 457;. ويعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين و غرامة من مائتين إلى ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل من خالف الحرمان من مزاولة المهنة المقررة في المادة 457 من القانون الجنائي.

 

وبعد مرور ثلاث سنوات قررت جمعية محاربة الإجهاض السري في المغرب برئاسة الدكتور شفيق الشرايبي، القيام بوقفة أمام البرلمان الثلاثاء، في محاولة جديدة منها للدعوة لدخول مشروع القانون إلى حيز التطبيق. وتزامنت هذه الدعوة مع انكباب لجنة التشريع والعدل في البرلمان المغربي على المشروع

 

لكن المشروع بقي يراوح مكانه إلى اليوم بين أيدي لجنة العدل والتشريع البرلمانية ودورها التحضير للقوانين قبل عرضها للتصويت أمام البرلمان.

 

التعليقات مغلقة.