البنيات الاجتماعية و الرهان الديموقراطي بالمجال الصحراوي

بوسيف احمد بابا 

يعتبر مجتمع الصحراء مجتمعا قبليا بامتياز,فالقبيلة لها دورها في تحقيق اللحمة الإجتماعية, وتجميع الجماهيربدافع العصبية و الانتماء الا صل الواحد غير ان ذلك قد يشكل تحديا بالنسبة للمفاهيم الجديدة  التي اصبحت توجه الحياة السياسية ولعل من اهمها الديمقراطية التي تستوجب  تحقيق النزاهة و الشفافية و المصداقية عبر اشراك الجميع من خلال  تأطير وتأهيل المواطنيين داخل التنظيمات سياسية تملك مشروعا مجتمعيا تسعى من خلاله الى الوصول لمركز القرار السياسي او على الاقل التأثير فيه.

الشيء الذي يدفعنا الى التساؤل عن امكانية التعايش بين مفاهيم تنتمي  في صلبها الى الاصل التقليدي للمجتمع كما هو الشأن بالنسبة للقبيلة و مفاهيم اخرى قد تبدو غريبة على اعتبار أنها دخيلة,لكنها اصبحت مفروضة ولا يتصورا لانخراط في منظومة الحياة الجديدة دون الاعتماد عليها كما هو الشأن  بالنسبة للديموقراطية,

ان الحديث عن البنيات السوسيولوجية للقبائل الصحراوية في جنوب المغرب,تحتم على الباحث  الغوص في الملامح السوسيوسياسية و السوسيوثقافية للمجتمع الصحراوي  انطلاقا من طبيعة النظام القبلي على امتداد مرحلةالبداوة و الترحال الى مرحلة الاستقرار.

ان ثنائية القبيلة والسلطة تتطلب منا وقفة متانية وخاصة في المجتمع الصحراوي والذي تعتبرفيه الية القرابة اهم الاليات التي تحرك النظام القبلي والقرابة ,كما ,يعرفها ريموند فيرت ,هي روابط الدم او الزواج وبشيء اكثر من التحديد هي نسق الروابط الاجتماعية  القائمة على الاعتراف  بالعلاقات الجينالوجية  اي العلاقات الناتجة عن الارتباط الجنسي او الانجاب.

اذن فالقرابة ليست مجرد علاقات بيولوجية طبيعية ,بل هي نظام اجتماعي  يضمن للإفراد و الأقارب الاستقرار و يجعلهم يشعرون بالطمأنينة ومن ثم فان القبيلة تكون تنظيما اجتماعيا و ثقافيا بالمفهوم الانتروبولوجي فهي في نهاية المطاف مجموعة من الأجزاء تشغل مجالا وتحمل اسما وتشترك في مجموعة من الرموز الثقافية, فقد اعتبرها الدكتور محمد عابد الجابري اعتقاد مجموعات من القبائل في انتماءها الى جد اعلى مشترك يميزها عن المجموعات اخرى مماثلة ويفصلها بحيث تكون العلاقات بين الطرفين علاقات تنافس وراع يحكمها  مفعول القبيلة في معناها الصدامي وهو ما يمكن ان نطلق عليه ب قانون الصراع القبلي عند المؤرخ ابن خلدون.

ان المجتمع العربي التقليدي في الصحراء,يتميز بالتنظيم القبلي ولا يخرج على الاطار النظري سالف الذكر فقد اعتبرت القبيلة الصحراوية جسما سياسيا ووحدة اجتماعية مبنية اساسا على نسق من علاقات القرابة.

فهذه القبيلة كانت مكونة  من عائلات كبرى , هذه العائلات  كانت تسهر على  تامين  غذائها والدفاع عن الثروة وكذا الحدود الاقليمية  ان كانت لاحدود  لان الصحراء  حتى عهد قريب كانت منطقة يسود فيها  الصراع وعدم الاستقرار, وعموما فان التطور المجتمعي من الممكن  ان يتجه  في منحين مع المؤسسات السياسية وغيرها في الاقاليم الصحراوية  فاما  منحى الاستمرار و التكيف و ابتداع  وسائل جديدة  مستفيدا من البيروقراطية .وشبكات الزبونية  الذي يوفرها المجال النفعي بالمدن , واما منحى الاتجاه  نحو المزيد من الاستفادة  من تجارب السابقة بالمؤسسات السياسية وعقلنة اداءه ومشاركته السياسية لانه حينىذ سيكون قد بلور وعيه السياسي و المتمظهر في شكل مواقف  وسلوكات سياسية عملية وهذه النتيجة السياسية. سيدعمه  في الوصول اليها دور النخب المثقفة المتنورة– في تأهيل  انخراطه  السياسي.

ان الرهان في أخر المطاف يبقى حول  النقلة المفاهيمية  المأمول  إن ينخرط  فيها  التفكير القبلي ,و إحلال ثقافة مؤسساتية , عوض  استمرار الثقافة التقليدية في رسم  معالم السلوك الحضاري  بصفة عامة .والسلوك السياسي بصفة خاصة لدى الأفراد والجماعات,,, يرى الدكتور السوسيولوجي محمد دحمان في مؤلفه، البداوة والاستقرار بمنطقة الساقية الحمراء ووادي الذهب أن البناء الاجتماعي  بالصحراء. يقوم على أساس قبلي  وترتيبات اجتماعية تمثلها الفئات المحاربة  بني حسان  و الشرفاء ثم فئات تابعة ,لكن  مع التحولات الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية التي عرفتها المنطقة منذ الاحتلال الاسباني نتيجة تفكك بنية الاقتصاد الرعوي وتحول محاور التجارة الصحراوية ,وان كانت  تلك التحولات نسبية وفي عهد الاستقلال الذي تميز باستقرار البدو في المدن و الهجرة النهائية نحو التجمعات الحضرية وما واكب ذلك من عوامل ذات طبيعة بيئية و سياسية وعسكرية كان لها اثر كبير على المراتب الاجتماعية ما قبل الاستقرار. وقد اخذت الدولة ذلك بعين الاعتبار اي التر اتب الاجتماعي التقليدي حيث اقتربت من النخب التقليدية التي أولتها منا صب المسؤولية الإدارية و السياسية بالمنطقة نتيجة امتلاكها للشرعية التاريخية وكذا استفادتها من الامتيازات الممنوحة من طرف السلطة السياسية المركزية,وتحكمها في وسائل  الإنتاج الحديثة,وتبعا لذلك وفي الوقت الذي لازالت الجهات الصحراوية تتلكأ في إفراز نخب مؤهلة للمساهمة في اجرأة الحكامة الجيدة, والمقاربات التنموية.

نتساءل في مساهمتنا هذه عن شروط واليات إفراز النخب في الأقاليم الصحراوية في الماضي و الحاضر و المستقبل ومدى تكيف النخب المفرزة مع متطلبات الواقع ورهانات المنطقة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية ؟؟

التعليقات مغلقة.