ما لا نلمسه عند مؤيدي مناعة القطيع في وباء Covid-19‎

اعداد مبارك أجروض

الفائدة المحتملة لمناعة القطيع في إبطاء انتشار Covid-19 هي أنها حسب الخبراء تتحقق عندما تتكون مناعةٌ ضد المرض لدى نسبة كبيرة من المجتمع، مما يجعل انتقال المرض من شخص لآخر غير مرجح. ونتيجة لذلك، يُصبح المجتمع بأكمله محميًا ـ وليس فقط أولئك الذين لديهم مناعة.

من المعلوم أن انتشار المرض يتطلب عادةً أن تصاب به نسبة مئوية معينة من السكان. وهذا ما يسمى النسبة الدنيا. إذا تجاوزت نسبة السكان المحصَّنين ضد المرض هذه النسبة الدنيا، فسوف يتراجع انتشار المرض. ويُعرف هذا بالحد الأدنى لمناعة القطيع.

ما هي نسبة السكان الذين يجب أن تكون لديهم مناعة من أجل تحقيق مناعة القطيع ؟

يختلف الأمر من مرض لآخر. كلما كان المرض معديًا أكثر، زادت نسبة السكان الذين يجب أن تتكون لديهم مناعة ضد المرض لوقف انتشاره. على سبيل المثال، الحصبة مرضٌ مُعْدٍ جدًا. تشير التقديرات إلى أن 94% من السكان يجب أن تكون لديهم مناعة لقطع سلسلة انتقال العدوى.

يدعو عدد متزايد من خبراء الصحة في الولايات المتحدة، إلى انتهاج سياسة المناعة الجماعية أو ما يُعرف بـ”مناعة القطيع” من أجل إعادة الحياة إلى طبيعتها وتخفيف القيود المفروضة بسبب وباء Covid-19، لكن هذا الخيار محفوف بالمخاطر، حتى وإن كان مفيدا من الناحية الاقتصادية.

ويثار هذا النقاش في الولايات المتحدة بعدما وقع أكاديميون أميركيون بيانا مشتركا أطلق عليه “إعلان غريت بارينغتون”، في إشارة إلى اسم منطقة في ولاية ماساشوستس.

وأوصى هؤلاء الباحثون بتمكين الأشخاص الأقل عرضة للإصابة ب Covid-19مثل الشباب ومن لا يعانون أي أمراض مزمنة من العودة إلى الحياة الطبيعية بشكل كامل، مقابل حماية الفئات العمرية الأكثر عرضة للمضاعفات مثل كبار السن.

وتقوم فكرة مناعة القطيع على ترك الناس (الأصحاء) يلتقطون العدوى بشكل طبيعي، حتى يكتسبوا مناعة ضد الفيروس، وعندما تصاب نسبة مهمة من ساكنة بلد ما ثم تتعافى، فإنها تصير محصنة ضد الفيروس وعندئذ يخف انتشار العدوى.

وتقول الصحيفة الأميركية إن العودة إلى الحياة الطبيعية تبدو أمرا مغريا، وذاك تحديدا ما يريده الناس، نظرا إلى تكلفة الإغلاق الباهظة اقتصاديا، فضلا عن الأمراض النفسية التي تنجم عن التباعد الاجتماعي وعزل الناس عن بعضهم البعض وتزايد استهلاك الكحول والمخدرات.

لكن الباحث الطبي في جامعة هارفارد، وليام هاسلتن، ينتقد سياسة المناعة الجماعية في حالة Covid-19، وشبه الأمر بـ”قتل جماعي”، في إشارة إلى أنها ستؤدي إلى عواقب وخيمة إذا جرى اعتمادها.

 ويرى الخبراء أن المدافعين عن مناعة القطيع يغفلون أمرا مهما حين لا يتحدثون عن المخاطر المحدقة بالشباب أنفسهم، أو الأشخاص الذين يمرضون بـ Covid-19ثم يتعافون منه، إذ دراسة حديثة إلى أن الفيروس يلحق ضررا بعضلة القلب بعد الشفاء، وهذا معناه أن تبعات الإصابة تكون بعيدة المدى، حتى وإن لم يخسر الشخص المصاب حياته.

وأوردت الدراسة التي أعلنت عنها الجمعية الأميركية لطب القلب، أن 78% من مجموعة متعافي Covid-19، لوحظ لديهم ضررٌ على مستوى القلب من جراء Covid-19، وهذا الأمر قد يؤثر على صحتهم مستقبلا أو حتى المدة التي سيعيشونها.

أما الأمر الثاني الذي لا يتحدث عنه مؤيدو مناعة القطيع فهو كيفية وقاية الفئات الأكثر عرضة للمرض، أو كيف يمكن عزلهم عن الآخرين، لأن الشباب يزورون كبار السن، سواء كانوا من الآباء أو من الأجداد والأقارب، هذا دون الحديث عن صغار السن الذين يعانون أمراضا مزمنة كالسكري أو السمنة لكنهم مضطرون للذهاب إلى العمل.

وبحسب بيانات صادرة عن معهد القياسات الصحية والتقييم الأميركي، فإن عدد الوفيات في البلاد ستقترب على الأرجح من 415 ألف، بحلول مطلع فبراير المقبل.

أما إذا أزيلت الإجراءات الوقائية وتم تخفيف القيود بشكل كامل، وهذا ما يدافع عنه مؤيديو نظرية “المناعة الجماعية”، فإن عدد وفيات سيتجاوز 571 ألفا، بحلول التاريخ نفسه.

والمعضلة بحسب الباحثين، هو أنه في حالة السماح بمناعة القطيع في الولايات المتحدة، فإن 25% فقط من السكان ستكون قد أصيبت بحلول فبراير المقبل، فيما تتطلب المناعة الجماعية ضد فيروس ما، تحصين 40% على الأقل، بينما يحدد خبراء آخرون مستوى أعلى يلامس 60 وحتى 70%.

التعليقات مغلقة.