الفساد و الرشوة الجائحة القاتلة في المغرب ؟‎

 بقلم : محمد حميمداني

 

الفساد و الرشوة أخطر الجوائح التي لا تصيب الأفراد فقط ، بل المجتمعات و الاقتصاديات الوطنية ، و المعيار الأساسي لتقدم الأمم ، لكن الأحلام تصدمها الوقائع الميدانية ، تأخر في التصدي ، و ظاهرة تزداد استفحالا سنة بعد أخرى .

الوعي بالخطورة جميل ، و تخصيص يوم وطني لمحاربة الرشوة مستحب .

لكن حين نعلم أن الاقتصاد المغربي يتكبد سنويا خسارة مالية قدرها 50 مليار درهم ، أي ما يعادل 5 في المائة من الناتج الداخلي الخام ، وفق خبراء اقتصاديين ، فهذا معناه أن لغة الرشوة و الفساد هي السائدة بقوة الأمر الواقع ، بعيدا عن الدسترة و القوانين و خلق المجالس المختصة و إحداث أرقام خضراء للتبليغ … .

إن النزاهة و الشفافية هي المعيار الأمثل للقضاء على الرشوة و الفساد ، و لن يتأتى ذلك إلا بإعمال الرقابة الشعبية و توسيع قاعدة ممارستها قانونا و دستورا ، و منح مكافآت لكل من يتصدى لهاته الجائحة الخطيرة ، بدل جعل المبلغ موضع اتهام أو متابعة .

إن المدخل هو عقد اجتماعي جديد ، و مصالحة مع الذات أولا و قبل كل شيء ، و فتح باب النقاش الشعبي حول هاته الجائحة الخطيرة ، و تمتيع مؤسسات المجتمع المدني بسلطات فاعلة للتتبع و المراقبة ، حتى لا نسقط فيما يقوله أبناء الشعب صادقين “من يراقب من ؟” .

إن الرقابة يجب أن تكون شعبية عبر مؤسسات فعلية ، و ليس دعائية انتخابية ، لأعمال المؤسسات العمومية التي تبقى الوكر الأكبر لهاته الظاهرة المرضية ، وفق تقارير ” منظمة  “ترانسبرانسي” ، التي أكدت أن 53 في المائة من المواطنين اضطروا لدفع رشوة لتلقي بعض الخدمات الاجتماعية مثل الصحة و التعليم .

كاشفة ، وفق البارومتر العام لسنة 2019 ، أن مستوى الفساد في المغرب وصل إلى 31 في المائة ، و هو معدل مرتفع جداً استناداً إلى مؤشرات قطاعات عديدة مثل الصحة و الشرطة و القضاء ، كما انه و وفق نتائج البارومتر ، فإن 53 في المائة من المغاربة يرون بأن الفساد عرف ارتفاعاً خلال الإثني عشر شهرا الماضية ، مقابل 12 في المائة فقط رأوا أنه في انخفاض ، في حين صرح 26 في المائة منهم بأن الوضع بقي على ما هو عليه ، و أن غالبية المؤسسات العمومية سجلت مُعدلات مرتفعة في ما يخص الفساد ما بين 2015 و 2019 ، و أن المدخل الفعلي هو إصلاح جدري لمنطومة العدالة ، و استقلال فعلي لهذا الجهاز عن كافة السلط ، و ليس دسترته فقط ، ليقوم بالدور الزجري المطلوب مع جعل القانون الجنائي زجريا بما يكفي لهاته الجوائح التي تنخر كيانه العام و ليس الفردي فقط .

إن استشراء جائحة الفساد و الرشوة معناه تقلص فرص الاستثمار ، و بالتالي إهدار فرص شغل حقيقية و انهيار في المنظومة الثقافية ، بل و حتى الأخلاقية داخليا ، و مساسها بصورة المغرب خارجيا ، و بالتالي تعثر كل شروط النمو الاقتصادي و جلب الاستثمارات الخارجية .

إن المطلوب هو إعادة ثقة المواطنين في علاقتهم مع الإدارة و بالتالي في المؤسسات ، بمعنى جعلها مؤسسات مواطنة ، و ثقة المستثمرين الأجانب في شفافية و نزاهة السوق ، لأنهم يرصدون ملايين أو ملايير الدولارات للاستثمار ، تعاق من خلال بيروقراطية متعمدة لتحقيق المصالح الفردية على حساب مصالح الوطن و المواطنين ، بل ان بعض الفاعلين في المجال تحدثوا عن صعوبة حتى قياس حجم طبيعة الفساد بمؤشرات موضوعية مضبوطة .

الواقع الفعلي و الذي أعلنت عنه المؤشرات الدولية يتحدث عن تقهقر المغرب في مجال محاربة الرشوة و الفساد من المركز 73 عالميا من أصل 180 دولة وفق تقرير  2018 ، إلى 44 من أصل 100 نقطة ، سنة 2019 ، بدلا من أن يتحسن هذا المؤشر كما كان مأمولا .

وضع يعكس فشل كل مقاربات القضاء أو التخفيف من هاته الجائحة ، و المطلوب حوار وطني شامل ، و حضور فعلي للمجتمع المدني ضمن هذه الاستراتيجية ، و ليس حضور رؤوس الأموال المحلية التي تعتبر جزءا من الأزمة و ليس جزءا من الحل المأمول ، لنرتقي في الوعي بخطورة الأزمة و في النقطة ، و نتجاوز الاندحار الذي سجل من 43 نقطة من أصل 100 سنة 2018 ، إلى 41 نقطة من أصل مائة سنة 2019 ، أي فقدان نقطتين بعد أن كان يحدونا تحسن في هذا المؤشر لصالح الثقة و التنمية .

التعليقات مغلقة.