الثابت و المتحول بين الصورة و الواقع في زمن الاستحقاقات

بقلم محمد حميمداني

 تطالع الاستحقاقات الانتخابية الزمن ، فتتسارع الأصوات لكسب الأصوات و المريدين الموصلين إلى قبة المسؤولية و المباهاة و الفرص الممكنة للتسلق الطبقي أو الزيادة في فائض الأرباح ، و الاستفادة من ميزات و حسنات الحضور داخل المؤسسات .

 بالأمس كانت الجارة إسبانيا على موعدين الأول فضيحة داخل أعلى مستوى ، فرضت رحيل السلطة العليا في المملكة الإسبانية و التنازل عن العرش بالفضيحة و البندير ، و الهروب من المتابعة في اتجاه دبي ، لم يستعمل “خوان كارلوس” الأب سلطاته الرسمية ، و لا حرص على استخدام وسطاء للتوسط ، بل فضل الهرب ، لأنه يعلم علم اليقين انه متابع لا محالة ، و أن القضاء الإسباني لن يتركه و شأنه ، لأنه و قبل كل شيء مواطن إسباني يخضع للنظم القانونية و الدستورية المعمول بها في هذا البلد الأوروبي .

 بعده استقال قائد الأركان العسكرية في نفس البلد ، بعدما أغراه حب الحياة فتناول جرعة لقاح في توقيت ليس توقيته وفق الأسس التي نظمتها ديمقراطية الجارة الشقيقة إسبانيا .

 في بلدنا كم من المتابعات يجب أن تفتح لو أن طريق تقارير جطو رأت النور إلى سراديب القضاء للتحقق من صدقيتها قانونيا ، و إجراء اللازم دستوريا و قانونيا في حق المخالفين ، لأنه لا احد يسمو فوق القانون الذي يقول أن “الكل سواسية أمامه” .

 هل الدرس الإسباني مخالف للدرس المغربي في الأعراف الديمقراطية ؟ ، أم هناك نماذج ديمقراطيات متعددة خارج ما هو متداول في سوق السياسة و الفكر العالميين ، و كيف يمكن أن نتحدث عن سمو النص ، إن لم يحول من الشق النظري السكولائي إلى التطبيق العملي الفيزيائي ، بإخضاعه لمختبر المحاسبة من خلال محلول المسؤولية ، و ربط الاثنين معا ليكون المفعول أنجع فنصل إلى مصل القانون الذي يؤكد صحة الفرضيات النظرية حول المعيار الفعلي للمسؤولية ، و في ذلك فليتنافس المتنافسون .

 مع وصول اللقاح إلى المغرب ، كم من المتابعات من الواجب أن تفتح في حق مسؤولين سيكونون حتما مستقبلين للقاح ، و مستفيدين منه حتى قبل أن يخرج من المطار ، ضدا على التوجيهات الرسمية الصادرة في هذا الشأن ، التي حددت في خطاب رسمي سلم أولويات المستفيدين من خدمات التلقيح ، ما دام الكل محب للحياة ، لكي لا نسقط في بحر التيطانيك .

 إن الانتخابات و هي على الأبواب ، ليست مشاريع تصاغ و تدرس ، و يتم الإجماع حولها بين وزارة الداخلية و الأحزاب كما هو مبشر به مؤخرا ، على الرغم من تقدمية الخطوة ، بل ممارسة فعلية للحقوق في اتجاه بوصلة واحدة اسمها خدمة الوطن و المواطن ، و ليس البحث عن الاسم أو الامتيازات أو الترقي في السلم الطبقي ، حتى من خارج العقد الاجتماعي و السياسي الموقع ، و المعطل واقعيا بقوة الفساد و سطوة المال و نفوذه .

 أتعبنا سؤال الحزب الأكبر في المغرب ، من الصامتين شفهيا أو القارئين لفنجان السياسة المغربي ، و القائلين مع المرحوم عبد الحليم حافظ “ما أصعب أن تهوى امرأة ليس لها عنوان” ، فالديمقراطية بلا رقابة رسمية و مدنية تبقى عرجاء ، و تولد سوق نخاسة جديد لشراء الذمم و الأصوات ، لإفساد العملية الانتخابية و التحول الديمقراطي ، و إعاقة التنمية و التقدم الوطني ، و إبقاء واقع الفوارق المجتمعية معلقا بين كفي الإرادة و لعنة الواقع المسلط ، و لا يبقى لنا إلا التباكي على أطلال أمجاد التحرير ، و توصيف المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه الانتقال من التحرر إلى البناء ، بالانتقال من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر .

 إن التغيير لن يتأتى إلا بجعل الإطار القانوني و التشريعي و الدستوري قوة سامية تعلو فوق جميع الجباه و النخب ، كيفما كان نوعها و ملتها و لونها و جنسها ، لأن الدين لله و لكن الوطن للجميع ، يجب أن يبنى بقوة صمود النموذج الزجري لكل المخالفين لقراره ، و بكل الوسائل القانونية و الدستورية الممكنة .

 إن الإشكال الكبير في المغرب ، ليس مشكل دساتير و تطورها ، بل تطبيق هاته الدساتير على أرض الواقع ، و جعلها مواطنة ، يتمكن من خلالها المواطن البسيط مقاضاة كل سالب للحق وزيرا كان أو مسؤولا ساميا أو عاديا ، إحقاقا لدولة الحق ، و مساواة للجميع أمام سلطة القانون في دولة المؤسسات التي تسمو فوق الكل ، و جعل الدستور قوة متحققة في الواقع ، كما كان تطور أوربا مرتبطا بنزول المسيح الذي كان حكرا على مؤسسة الكهنوت إلى الأرض ليصبح بإمكان أي مواطن عادي أن يتواصل معه مباشرة بلا وسيط .    

 من هنا بالضبط من الممكن أن نجعل الصامتين و المنزوين عن قوانين اللعبة ممارسين لها بقوة الإحساس بالانتماء الفعلي للوطن ، و المساهمة الإيجابية في تدبير الشأن العام ، بترسيخ نوع من المصالحة ما بين المواطنين و المؤسسات التي يجب أن تكون مواطنة قريبة من كل شيء يرتبط بحلم و أماني المواطن المغربي ، و هنا سنجد المدخل للإجابة عن كافة المعيقات التي تعوق التنمية و تزيل كل الأغلال التي تعطل مسار البناء المؤسساتي ، و تعيق السير الطبيعي لقاطرة المغرب الجديد ، و المدخل بناء ديمقراطية حقيقية يحس الكل فيها بالانتماء ، و بالتالي المشاركة في كل العمليات و الاستحقاقات الآنية أو القادمة ، و ما دون ذلك هو لغة تدور بصخب ، و لكن فعاليتها محدودة ، على حد قول المثل “جدول يخرخر و نهر ثرثار تقطعه غير خالع نعليك” .

 

التعليقات مغلقة.