فاجعة الحوز، الثابت و المتحول في شبقية الفواجع.

محمد حميمداني

كانت السيدة الحامل تسابق الزمن من أجل رسم بسمة حياة و أمل على محياها، و محيا زوجها و العائلة، بتباشير مولود جديد يملأ الحياة صخبا و روحا، يعطيها معنى أعمق للحياة، لكن قدر للحلم أن يتعثر في الطريق،  و في أي طريق ؟ في فضاء معزول عن الحياة، مقدس للموت المتحرك عبر إمتداد جارف، و أخاديد تنقلك إلى عوالم الموت المحيط بالبشر من كل الجهات، يسابق الشبان الزمن للوصول يسبقهم القدر في منتصف الطريق، فتتوقف أنفاس الأم، و معها جنينها الذي قرر ألا ينفصل عن أحشاء من حضنته مدة.

كان الزمن أحدا،  و المكان متعرجات من منطقة “الزات نوفلا تغزيرت تغدوين” باقليم الحوز، و المشهد نعش أعد للأحياء قبل الأموات ، و في زمن الثلوج التي ترسم مشاهد الحياة و التزلج الفني و الإيقاعي في عوالم أخرى، حيث يصبح للحياة معنى، أما في زمن النعوش المتحركة،  فالموت يصبح رفيق طريق النعش و محموله.

تفتح شاشات التلفاز، فيشتد هيجان صوت الراديو، أن الموت قدر، و أن شدة المخاض هي السبب ، و يوصفوا الحالة بأنها بدأت بالتقيؤ من فمها،  أو أن الخطأ خطأ الأم لأنها لم تكابر و لم تجاهد ، أو خطأ الشبان لأنهم لم يمارسوا العدو السريع ، فأضاعوا الزمن و النقاط و بالتالي الحياة.

لكن الوقائع على الأرض أعمق و أخطر من أن تحصر في شذرات بهلوانية ، فالمشكلة الحقيقة في البلاد هي التخلف في كل شيء ، و هشاشة و ضعف، إن لم نقل إنعداما لكل شيء إسمه البنيات التحتية الأساسية، مما يجعل الجرم مشهود لأصحاب معلومين، قبل توصيف جنائزية المشهد .

 

فلا مستشفيات القرب أنشئت، و لا طرقا تقود للوصول صوب مستشفيات، لعلها تفي بالغرض و تشعل لوحة حياة و بشارة أمل مفتوح على المستقبل .

 

فقد لأمهات في مقتبل العمر، بسبب خواء كل منظوماتنا الأساسية و حتى الإنسانية، تزيدها صعوبة الظروف الطبيعية قساوة و قساوة الضمير الغائب عن المسؤولية بقوة المصالح النفعية و تكديس ما يمكن تكديسه خدمة للصالح الذي ارتآه حلما و أقسم على الإيفاء به .

الأكيد أن الفاجعة ستدمي قلوب أهل الحي الطيبين، و سيقيمون لامات التضامن الروحي و الإنساني المعدوم رسميا،             و سيصلون الجنازة على الأم و الجنينن، لكنهم سيصلون الجنازة أكثر على وطن سلب أحلامهم و ابتسامتهم في إطار مشاريع الموت المنتظرة و المعطلة إلى حين وصول لحظة المخاض و الولادة .

مليون امرأة تموت دون داع للموت كل سنة بسبب مضاعفات الحمل و الولادة وفق تقرير “اليونيسيف” و الذي تحدث عن “أكثر من نصف مليون امرأة تموت دون داع ‏كل عام بسبب مضاعفات الحمل و الولادة – وتحدث 99 في المائة من هذه الوفيات في البلدان النامية .”

إن الأمر يتعلق بمآس متنقلة، أو “إن هذه مأساة يعجز اللسان عن وصفها،” كما قال عنها رئيس قسم الصحة في اليونيسف  الدكتور “بيتر سلامة،” ‏قبل أن يضيف “إن أسباب وفيات الأمهات أثناء الحمل و الولادة واضحة، كما هي وسائل مكافحتها        و مع ذلك ، لا تزال ‏النساء يمتن بلا داع” . ‏

فالموت الذي يشرع أبوابه للنساء كما الأجنة ، هو نتيجة إهمال رسمي ، و غياب الرعاية البنيوية قبل الصحية الأساسية ، في كل المراحل ، قبل الولادة و خلالها ‏و بعدها ، فالنضال من أجل تحقيق هذا الهدف ليس مجرد واجب أخلاقي بل واجب وطني و مؤسساتي و إنساني ، لأن “ضعف مراقبة الحمل و معرفة النساء الحوامل خاصة في المناطق القروية و النائية بالأمراض التي يعانين منها ، فضلا عن عدم القيام بفحوصات مبكرة لمعرفة مستوى ضغط الدم الذي يعد ارتفاعه خلال الوضع خطيرا على حياة الأم ، بالإضافة إلى جهل الوضعية التي يوجد عليها الجنين داخل المشيمة ، و هذه الأسباب تقود غالبا إلى وفاة الأم إما داخل المنزل خلال محاولة التوليد أو في الطريق إلى المستشفى أو داخله إذا وصلت و هي في حالة لا يمكن معها التدخل لإنقاذ حياتها و حياة الجنين” ، كما يشير إلى ذلك أحد الأطر الصحية .

أما غياب البنية التحتية والوسائل اللوجسيتيكية أو ضعفها لتفادي وفاة النساء الحوامل ، فحدث عن الجرح و لا تتوقف ، فالأمر ليس غريبا ما دام مسؤولوا الدار هم أنفسهم يعترفون بذلك ، و يعتبرونه إكراها حقيقيا لدى الوزارة .

إنها صورة من صور القتامة الرسمية ، المسؤولة الأولى و الأخيرة عن اتساع جنازات الدفن للنساء الحوامل و الأجنة ، كما في حالتنا التي دفنها الأهل و الأحباب و هم يندبون ، يندبون من ؟ سوء الطالع ؟ القضاء و القدر ؟ أم أن الجرم مشهود و واضح ، و لكنه محصن ضد الملاحقة باسم الإلحاق بخدام الدولة الأبرار ، في أنفسهم و ذويهم ، إلا فقراء الوطن فلهم البكاء و رب يحميهم .

التعليقات مغلقة.