“كلارا زيتكين” النجم الألماني الساطع في سماء نساء العالم

محمد حميمداني

 شكل إعلان الثامن من مارس ، كيوم عالمي للمرأة ، نقلة نوعية في مسار الحركة النسائية العالمية ، فرضت على الأمم المتحدة اعتماد هذا اليوم شكلا احتفاليا مخلدا لتضحيات المرأة و مساهمتها في البناء المجتمعي ، و هو البناء الذي ساهمت في صنعه العديد من النساء ، و على رأسهن المناضلة الاشتراكية الألمانية “كلارا زيتكين” .

عدت “كلارا زيتكين” ، ضمن النساء الرواد في صفوف الحركة العمالية و الطبقة العاملة و الاشتراكية الديمقراطية الثورية ، اللواتي كافحن و ناضلن من أجل إقرار المساواة الفعلية بين الرجل و المرأة في الحقوق و الواجبات ، بل عدت الأبرز في مجال نضال النساء التحرري ، و يكفيها فخرا أنها تعد من أوائل من انتزع و استصدر الاعتراف الدولي بجعل 8 مارس يوما عالميا للمرأة بعد أن تبنته الأممية الاشتراكية ، بعد دفاع شرس من طرف هاته البروليتارية العظيمة في عن قيم الحرية و العدالة و المساواة و ضمنها حق الاعتراف للمرأة بإنسانيتها و مساواتها للرجل . 

عاشت “كلارا زيتكين” ، التي رأت النور في قرية “ساكسونيا” الألمانية ، في 15 يوليو 1857 ، إحدى أكثر المناطق الألمانية تصنيعا حينها ، على الرغم من كون أقل من ثلث سكان المنطقة كانوا لا يزالون يشتغلون في الزراعة ، و بحكم تطورها الصناعي شهدت المنطقة بروز أولى التنظيمات العمالية الألمانية ، و بالتالي الإرهاصات الأولية لتشكل الحركة العمالية ، و أيضا الحركة النسائية الألمانية ، و مع التوسع الصناعي الذي شهدته المنطقة ، و تزايد عدد النساء العاملات هناك ، تأسس سنة 1869 اتحاد لعمال النسيج تجاوزت فيه عضوية النساء السدس ، من أصل 7000 عامل عضو بالاتحاد . 

و بحكم مهنة والدها كمدرس ، و ميلها الشديد للتمرد و الثورة على كل الأشكال و الأساليب القائمة ، و بداية تعرفها على الفكر الاشتراكي ، أصبحت “كلارا زيتكين” ، و هي لا تتعدى سن 21 سنة ، اشتراكية ،  و كان لناظرة مدرستها “أوجست شميت” الأثر القوي في هذا التحول الذي طرا على ثقافة و فكر “كلارا” ، علما أنها كانت تكتسب شهرة قوية داخل الحركة النسائية الألمانية .  

بدأت “كلارا” نشاطها في حزب العمال الاشتراكي الألماني ، و هناك قابلت “أوسيب زيتكين” ، و هو ماركسي روسي مهاجر ، ساهم بشكل كبير في تطورها نحو الاشتراكية و تبنيها للفكر العمالي .

تزامن بداية تعاطيها مع الفكر الاشتراكي و التحاقها بالحركة الاشتراكية ، و الذي لم يتجاوز الستة أشهر ، مع إعلان حظر جميع الأحزاب و الصحف بفعل قانون بسمارك المعادي للاشتراكية ، الصادر في 21 أكتوبر من سنة 1878 ، لتبدأ “كلارا” انخراطها في العمل السياسي من بوابة العمل السري مباشرة .  

و في شتنبر  من سنة 1880 ألقي القبض على “أوسيب زيتكين” و عدد من رفاقه ، ليتم طردهم من ألمانيا ، بعد مرور عدة أشهر من ذلك الحادث ، قررت “كلارا” ترك ألمانيا و الالتحاق ب “أوسيب زيتكين” الذي ارتبطت به و حملت اسمه ،  على الرغم من أنهما لم يتزوجا رسميًا ، و قد أنجبت منه طفلين ، “ماكسيم” سنة 1883، و “قسطنطين” سنة  1885 .  

ازداد توثق عرى المسار الكفاحي و النضالي بين “كلارا” و “أوسيب” ، حيث ساهما معا في تكوين و تطوير الحركات الاشتراكية الفرنسية و الألمانية و الروسية و غيرها من الحركات العمالية ، لتشكل هاته المرحلة نقطة تحول هامة في معرفة و توسع اطلاع “كلارا” على الفكر الاشتراكي و تاريخ الحركة العمالية العالمية و نضالها من التغيير .

و قد شكل شهر يناير من سنة 1889 ، و هو الشهر الذي توفي فيه “أوسيب زيتكن” ، صدمة كبيرة ل “كلارا” ، لتوجه كل همها في بناء التنظيمات النسائية اليسارية ، حيث تحدثت في شتنبر من سنة 1889 خلال المؤتمر التأسيسي للأممية الاشتراكية الثانية عن تنظيم النساء العاملات ، لتصبح “كلارا” ، و من حينها ، أهم شخصية في الحركة النسائية الاشتراكية الألمانية و العالمية .

تميز موقف “كلارا” بانسجام تام مع مواقف “زيتكن” حول الحركات النسائية البرجوازية ، و لذلك ، و بناء على ثقافتها العمالية الجديدة فقد دعت ، كأول مناضلة ، للاحتفال بيوم 8 مارس ، الذي يوافق ذكرى تفجر مظاهرة النساء الاشتراكيات في نيويورك سنة 1908 ، ضد الحركة النسائية البرجوازية المطالبة بحق النساء البرجوازيات في الاقتراع فقط .

 قادت “كلارا” حملة تنويرية ، و عرضت أفكارا و أراء مناصرة لقضايا المرأة ، حيث قالت في كلمة ألقتها في مؤتمر “جوته” للحزب الاشتراكي الديمقراطي ، المنعقد سنة 1896 ، و التي نُشرت بعد ذلك على شكل كتيب حمل عنوان “فقط باشتراك المرأة ستنتصر الاشتراكية” .

 إذ قالت فيه “لا يوجد شيء يمكن وصفه “بالحركة النسائية” قائم بذاته .. توجد الحركة النسائية فقط في سياق التطور التاريخي و من ثم هناك حركة نسائية برجوازية و أخرى عمالية ، و ليس بين هاتين ارتباط أكثر مما هنالك بين الاشتراكية الديمقراطية و المجتمع البرجوازي ، فبالعمل خارج المنزل من أجل الأجر ، تزيد استقلالية المرأة ، و هذه هي أحد شروط الحرية و إن كانت لا تعني بالضرورة تحقق تلك الحرية” ، مقدمة بذلك قراءة لواقع الحركة النسائية العالمية ، و خط النضال العام الذي يقسم المجتمع الرأسمالي وفق قانون السيطرة ، أي قوى الإنتاج و في علاقتها بعلاقات الإنتاج ، إلى قوى مسيطرة برجوازية بفكر ليبرالي برجوازي ، و أخرى بروليتارية بفكر اشتراكي ، و ضمن هاته الخانة حصرت نضال المرأة ، و صنفت الحركة النسائية العالمية على أساسها .  

و أوضحت “كلارا” ، أن المرأة العاملة ” حققت استقلالها الاقتصادي ، إلا أنها لم تمتلك بعد إمكانية الحياة الكاملة كفرد ، لأنها لا تحصل إلا على الفتات المتساقط من مائدة الإنتاج الرأسمالية رغم عملها و دورها كزوجة و أم” ، و هنا وضعت “كلارا” من موقع المناضلة عن قضايا تحرر المرأة مسافة بين فكرها العمالي الشامل ، و نضالها من أجل تحرر المرأة ، فهي ترى أن تحقيق الاستقلال الاقتصادي لا يعني بالمطلق التحرر ، واصفة إياه بالفتاة المتساقط من مائدة الرأسمال .

و تابعت قولها “بالتالي فإن نضال المرأة في صفوف الطبقة العاملة من أجل تحررها لا يمكن أن يكون نضالاً ضد الرجال من نفس الطبقة ، كما هو حال المرأة البرجوازية . إن الهدف النهائي لنضال المرأة ليس مجرد المنافسة الحرة مع الرجال ، بل الحصول على الحكم السياسي للطبقة العاملة . فالمرأة العمالية تناضل يدًا بيد مع رجال طبقتها ضد المجتمع الرأسمالي” ، و هنا وضعت “كلارا” ، الاشتراكية التوجه ، مسافة فهم لتحديد طبيعة التناقضات القائمة بين الرأسمالية و البروليتاريا من جهة ، و داخل البرجوازية نفسها بين نساء و رجال نفس الطبقة ، بما هو صراع من أجل السيادة ، معتبرة أن نضال الرجل و المرأة العاملة هو جزء من النضال العام من أجل التحرر الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي . 

و قد ارتبط هذا الفهم مع الموقف الاشتراكي الذي يرى أن التناقض الأساسي هو بين وسائل الإنتاج و علاقات الإنتاج ، و أن كل التناقضات الأخرى ستحل في مضمار التطور الطبيعي للمجتمع الاشتراكي و خط سيره نحو المجتمع الشيوعي ، أي من خلال سيطرة الطبقة العاملة على وسائل الإنتاج و جعلها اجتماعية ، و القضاء على علاقات الاستغلال القائمة و المتمثلة في إنتاج فائض القيمة ، مما يجعل أن نضال المرأة من أجل المساواة الفعلية في الحقوق و الواجبات ، و فرض قاعدة “الخيرات ملك للذين يصنعونها ، للذين يعملون ، و من لا يعمل لا يأكل” ، قاعدة تمييز بين كافة مكونات المجتمع ليس إلا .

و هو المنحى أو المسار و النسق التصاعدي الذي سارت عليه “كلارا” ، و الذي توج بإصدارها ، سنة 1891 ، جريدة “المساواة” ، نصف الشهرية ، و التي رأست تحريرها لمدة خمس وعشرين سنة ، حيث اعتبرتها أحد أهم الأسلحة الفكرية و التنظيمية لضرب قلاع و حصون الفكر الليبرالي المشيء للمرأة ، و الذي يجعلها مجرد سلعة ضمن حلقة سوق العمل ، جاعلة إياها منبرا معبرا عن النساء العاملات و حاملة لقضاياهم ، و أداة تثقيفية لهن ليتملكن القدرة على العمل بوعي ، في معركة النضال من أجل تحرر الطبقة العاملة ، و على أن يساهمن بفعالية في تعليم و تثقيف رفاقهن الطبقيين ليكونوا مقاتلين ذوو هدف واضح ، كما قالت “كلارا” .

و استمر حضور و نضال “كلارا” من أجل قضية كل النساء ، إذ جددت تأكيدها في المؤتمر الثاني للحركة النسائية الاشتراكية الذي انعقد في “كوبنهاجن” سنة 1910 على مطلب الاقتراع العام ، مقترحة خلال نفس المؤتمر اختيار يوم 8 مارس يوما عالميا للمرأة ، و هو ما نالته أخيرا بعد موافقة و تأييد المؤتمرين للاقتراح ، ليصبح ذلك اليوم يوما لتوحيد الصفوف و النضال الأممي من أجل حرية كل النساء ، و حقهن في الحياة و الكرامة و الاستقلالية و المساواة في الحقوق و الواجبات .


و هو ما أقرته الأمم المتحدة لاحقا و معها العديد من المنظمات الدولية ، من خلال القوانين التي تم استصدارها ، و التي لعبت “كلارا زيتكين” دورا محوريا في إبرازها للوجود و لتصبح قضية عالمية مركزية معروضة للتداول على صعيد كافة منصات الحكم ، و المشاريع المعروضة للتصديق ذوطنيا أو جهويا أو أمميا ، ضمانا للمساواة بين جميع البشر ، كما ناضلت من أجله “كلارا” و العديد من نساء المعمور .

التعليقات مغلقة.