المنظمة العامة لعمال المغرب : الحكومة و الأحزاب باعت الوهم للمواطنين و سطت على حراكهم الاجتماعي

احتفاء باليوم العالمي للطبقة العاملة الذي يصادف الفاتح من ماي من كل سنة ، و في خطوة تهدف إلى تقريب جمهور المتتبعين و المهتمين بقضايا الطبقة العاملة المغربية من ميلاد المنظمة العامة لعمال المغرب ، و مسار الوضع الاجتماعي الساخن ببلادنا ، و المخططات الحكومية و استهدافها لإنجازات الحركة العمالية ، و للآثار التي خلفتها جائحة كورونا  ، و حضور هذا الإطار الفاعل في مجال مناهضة النيوليبرالية المتوحشة ، كان لنا لقاء مفتوح و صريح و جريء مع الكاتب العام الوطني للمنظمة العامة لعمال المغرب ، الأستاذ حسن اهو يشر ، و ذلك بالمقر المركزي للمنظمة  بتازة ، و الذي أكد فيه أن الحكومة و الأحزاب السياسية في المغرب باعت الوهم للمواطنين و سطت على حراكهم الاجتماعي ، و أن المطلوب هو إعادة ترتيب شروط التعاقد السياسي و الاجتماعي ببلادنا في استحضار للإرادة الشعبية للمواطنين ، لتجاوز الآثار السلبية التي تمددت من أزمة سياسية إلى أزمة أخلاقية عصفت بمصداقية الفاعل السياسي .

و وقوفا على الوضعية النقابية للمنظمة العامة لعمال المغرب ، و الوضع العمالي و الوطني العام أجرت جريدة” أصوات”  الحوار التالي مع ذ. حسن اهو يشر بصفته الكاتب العام للمنظمة ، و نظرا لأهميته الكبيرة ننشره كاملا .

أجرى الحوار محمد حميمداني  

 “أصوات” : ماهي الأسس والمنطلقات والمرجعيات الفكرية التي تنبني عليها الأرضية النقابية للمنظمة ؟

قبل البداية اسمحوا لي أن أرحب بكم السيد محمد حميمداني الصحفي بجريدة أصوات ، و التي نعتبرها من الجرائد التي لها مصداقية كبيرة على المستوى الوطني ، كمتتبعين للقضايا السياسية و الاجتماعية و الخبرية التي تنشرونها ، و أرحب بدوري بإخوتي و أخواتي بالمنظمة في هذا العرس البسيط و الذي تزامن و الطبقة العاملة تحتفل بعيدها الأممي لهذه السنة تحت حصار الجائحة و الذي اخترنا له كنقابة شعارا : “من أجل وطن بلا جوائح” ، و لنا عودة من خلال هذا الحوار لأثار الأزمة التي خلفتها الجائحة بعد قليل .

أما بالنسبة  لجوابي عن سؤالكم القيم ، فالمنظمة نقابة مركزية فتية تأسست خلال المؤتمر التأسيسي بفاس بتاريخ 30 شتنبر 2018 و تنطلق مرجعياتها وفق الأرضية التأسيسية الصادرة حينها من المبادئ و الأسس الفكرية و النضالية التي تستمدها من القيم الإنسانية النبيلة ، و التي تتأسس على منظومة فكر الطبقة العاملة القائم على مبادئ التحرر و العدالة الاجتماعية  و المساواة في الحقوق و الواجبات و صيانة الكرامة الإنسانية و تأصيل أسس الحرية و التضامن و مناهضة كل أشكال التمييز و العمل على إشاعة قيم التسامح و مبادئ حقوق الإنسان في كافة أبعادها ، و تبني هذه المرجعية لا يعني الانزياح نحو تقليد تجارب جاهزة بل ربط المرجعيات الكبرى وفق السياق الدولي وطبيعة التحولات الكونية بواقع المغرب و خصوصياته الثقافية و الحضارية .

إننا في المنظمة العامة لعمال المغرب ، نعتمد على ثقافة التنوير و الحداثة و الفكر العقلاني المتقبل للنقد و  الإبداع .

إننا في النهاية ننتمي إلى فضاء الحرية و الديمقراطية ، إننا جزء لا يتجزأ من الحركات الاجتماعية المناهضة للاقتصاد النيوليبرالي المتوحش و كل أشكال الحروب .

إننا جزء من تاريخ الحركة التقدمية و الديمقراطية المغربية التي تنتمي إلى نضال شعبنا من أجل الحرية و الاستقلال .

“أصوات” : ما هو تقييم المنظمة للوضع السياسي و النقابي الحالي بالمغرب ؟ 

شكلت إفرازات 25 نونبر 2011 و التحولات العربية آنذاك إحدى أهم الدواعي المرجعية و الموضوعية لبروز وعي جديد وفق مقاربات  تشاركية ، رامت إشراك الجميع في صياغة أسئلة المستقبل والدفاع عن الخيارات السليمة للدفع بعجلة التنمية بوطننا ، لكن في الواقع ، الحكومة و الأحزاب السياسية باعت الوهم للمواطنين ، حيث تم السطو الممنهج على حراكه الاجتماعي ، فالمطلوب إذن هو إعادة ترتيب شروط التعاقد السياسي و الاجتماعي وفق آليات تستحضر الإرادة الشعبية للمواطنين ، لكن و للأسف ظلت القوى السياسية و النقابية المهيمنة دون مستوى الاستيعاب العميق لهذه المتغيرات و الإشارات ، مما جعل الأزمة السياسية تتمدد لازمة أخلاقية عصفت بمصداقية الفاعل السياسي . و التي كانت لها انعكاسات خطيرة على الاستقرار الاجتماعي نضير ما تبعها من احتجاجات اجتماعية شعبية و قطاعية و مقاطعات اقتصادية على أرضية العديد من الملفات الاجتماعية العالقة و المؤجلة و التي أبانت بالملموس عن إفلاس أغلب مؤسسات الوساطة الاجتماعية و عجزها عن احتواء الوضع ، و ما تنامى موجات الهجرة غير الشرعية إلا وجه من أوجه التعبير عن عمق الأزمة الاجتماعية المغيبة في الخطاب الحكومي . 

“أصوات ” : كيف تنظر المنظمة لأثار الأزمة الشاملة كورونا على الاستقرار الاجتماعي؟

شكلت إفرازات تفشي وباء كورونا إحدى أهم الدواعي المرجعية والموضوعية  لبروز  تيار وعي جديد جعل من “المنظمة العامة لعمال المغرب  ” منطلقا تنظيميا لبلورة أرضية عمل تتوخى المساهمة في معالجة اختلالات المشهد النقابي و إنضاجه وفق مقاربات تشاركية هدفها الأول الإشراك الفاعل  و الفعلي لجميع المواطنين و الفرقاء في صياغة أسئلة المستقبل ، و الدفاع عن الخيارات المشتركة بعيدا عن منطق  الانحسار الإيديولوجي  و الرؤى النفعية الضيقة .

لقد أصبح المواطن المغربي اليوم يعيش واقعا حافلا بكل مسببات الإهانة و القهر أكثر من ذي قبل ، حيث تم السطو الممنهج على حراكه الاجتماعي لصالح  أطروحة لم تسهم سوى في تكريس حالة التردي الاجتماعي  للأغلبية الساحقة نتيجة الغلاء الفاحش للأسعار و تدني الأجور و تعطيل الحوار الاجتماعي و تجميد الترقيات و ترك مراسيم القوانين برفوف الحكومة ، و الحق في الإضراب و تفشي البطالة و ضرب الحق في التوظيف  و استهداف الطبقة الوسطى و الإجهاز على نظام التقاعد و خنق أخر متنفس للطبقة الشعبية ( صندوق المقاصة) ، و تباطؤ معدل النمو مما أدى إلى إنتاج الفقر ،    و التضييق على الحريات العامة ، و كذا تفشي الرشوة و المحسوبية ، و انتشار الأمية و تدني مستوى التعليم و تشجيع اقتصاد الريع و رهن مستقبل البلاد لاشتراطات و إملاءات المؤسسات الدولية المانحة ، حيث زادت كورونا واقعنا المر قثامة ، و عرت كل المؤسسات خاصة الصحية منها و لوبيات التعليم الخصوصي و أرباب المؤسسات الكبرى مما جعل المواطن يعيش خلال الحجر الصحي أزمة نفسية تحسرا و ندما على الأمن الغذائي أكثر من خوفه من فيروس نجهل طبيعته و تركيبته .. و بعيدا عن كل المنزلقات و هو ما استجابت له المؤسسة الملكية من خلال خلق صندوق محاربة كورونا ، لكن طريقة تدبير عمليات الاستفادة للبعض و إقصاء دون مبرر للبعض الآخر ، يجعلنا كمنظماتيين و منظماتيات و مواطنات و مواطنين نعيد ترتيب شروط التعاقد السياسي وفق آليات تستحضر الإرادة الشعبة في صناعة القرار ، و لهذا فالمنظمة مركزيا و جهويا و محليا ستتكتل إلى جانب إحدى القوى السياسية التي تقاسمنا نفس الهم لقطع الطريق عن اللوبيات السياسوية التي استعملت الدين كمطية للوصول لمنبع القرار لتفعل ما تريد و تجهز على ما تبقى من مكتسبات .

إننا نعيش أزمة أخلاقية عصفت بمصداقية الفاعل السياسي الحزبي و النقابي و أكدت عجزهما عن احتواء الوضع ، و ما تنامي موجات الهجرة غير الشرعية المستمرة إلا وجه آخر من أوجه التعبير عن عمق الأزمة الاجتماعية المغيبة في الخطاب الحكومي .

لقد أسهمت هذه الردة السياسية ، الاجتماعية ، الاقتصادية ، الثقافية ، القيمية ، …. في تكريس تفاوت طبقي فاضح أكد مقاربة عاجزة عن تقديم حلول بديلة و أجوبة عملية ، بالملموس أن هذه  المقاربة السياسية المرتكزة على محاصرة الواقع أخلاقيا  برر مرارا بخطاب شعبوي (ميكيافيلي ) منتصر لفكرة المظلومية التي وجد فيها الحزب الأغلبي مطية لتهريب و تعويم النقاش الحقيقي حول قضايا الإصلاح الهيكلي و التنمية و البناء الاقتصادي  … مكتفيا في المقابل بتسويق ما يعتبره إصلاحات قطاعية معزولة (المقاصة  /أنظمة التقاعد / ) والتي أستهدفت بالمباشر المعيش اليومي لطبقات بعينها .

إن “المنظمة العامة لعمال المغرب ” و من خلال هذا التأمل الموجز في  بعض تداعيات ما شخصته كورونا  باعتباره تاريخا مرجعيا و  مفصليا في التحولات المحلية و الإقليمية تدعو عموم المواطنين إلى تجاوز حالة الانتظار و الإحباط و الخروج من دائر الظل  و الحياد السلبي نحو المشاركة الفعلية  / الفاعلة  في صناعة القرار ،  من خلال الانخراط الكثيف في الإطارات الاجتماعية ذات المصداقية  قصد التصدي بشكل  جماعي و منظم لزحف موجة النيوليبرالية التي صارت أكثر وحشا في استهداف أدق تفاصيل المعيش اليومي للمواطن المغربي  ، و أكثر إغراقا له في دوامة التدبير الفردي لهمومه اليومية ، و في النقاشات الهامشية المفتعلة بغية شغله و تضليله عن قضاياه و مطالبه الحقيقية في التشغيل و الصحة و السكن و التعليم و الكرامة …

“أصوات” : ماهي المهام المطروجة على المنظمة كقيمة مضافة للمشهد النقابي الوطني ؟ 

بالنسبة للمهام فالمسار شاق جدا لكن لا بد من الإدلاء بملاحظات منهجية و هي كما يلي :

  • استحضار المتغيرات الكونية باعتبارها عنصرا أساسيا في التحليل الوطني في كل المجالات .
  • تحديد المهام المستقبلية ارتباطا بمرجعيات التحليل ، اعتمادا على التحليل الملموس للواقع المعاش و تحديد المهام المنوطة بحركتنا النقابية .
  • تحصين الوحدة الترابية الوطنية في كل أبعادها الترابية و الإنسانية و الثقافية .
  • ربط الملفات و القضايا المطلبية القطاعية بالنضال المركزي للمنظمة العامة لعمال المغرب .

اما بالنسبة للغايات فلابد من : 

  • قراءة نقدية لجميع التجارب التاريخية الشاملة باعتبار أن هذا النقد يعد شرطا للتقدم في أي مجال ، و هو الذي يفصل بين القول و الفعل ، و الخطاب و الممارسة ، و التصور و الإنجاز .
  • وضع استراتيجية و تصور عام للعمل مع الفئات و التنسيقيات و تطوير الهياكل التنظيمية لمواكبة المتطلبات التي تعرفها الساحة .
  • الالتفاف و الالتحام بكل الفئات و التنسيقيات لتعميق الارتباط بالمنظمة لإنجاز المهام المطلوبة و تعزيز خطها الكفاحي عبر الانخراط في كل قراراتها و برامجها و خلق تقارب و تفاهم بين مختلف فئاتها مع الانفتاح على الشركاء ، و هذا لن يتأتى إلا عن طريق فلسفة حداثية ، و ذلك عن طريق تحويل الإعلام و التواصل إلى سياسة ثابتة لتأهيل التنظيم ، إن الإعلام النقابي هو جزء من البنية السياسية و الاجتماعية و الثقافية للمجتمع و لا يمكن تطوير الأداء بمعزل عنه .              

“أصوات” : أعلنت الحكومة والوزارات المعنية عن مواقيت تنظيم انتخابات اللجان الثنائية والمأجورين خلال الأسبوع الماضي ، فهل المنظمة ستدخل غمار الاستحقاقات أم ستؤجل الى الولاية المقبلة

سؤال وجيه وكنت أحبذ طرحه ، نعم فالمنظمة حاليا لها مناديب عمال بالقطاع الخاص والعام وهذا طبعا يدفعنا للدخول لغمار الإستحققات رغم الإمكانات المادية البسيطة التي سنعتمدها والممولة من جيوب مناضلينا ومناضلاتنا كمساهمات للقيام بحملات ، و نتوقع أن المنظمة وطنيا ستكون معادلة في الساحة إن شاء الله .

 “أصوات” : كلمة أخيرة السيد الكاتب العام الوطني مشكورا :

في النهاية أشكر طاقم  جريدة “أصوات” على دورها الإعلامي المتميز ونتمنى أن تبقى دائما في خدمة المجتمع تنويرا للرأي العام .

التعليقات مغلقة.