الرجولة.. من عمق آخر

كَثِيرَاً مَاْ كنتُ أتوقف عند هذه الكلمة بُرهةً منَ الوقتِ لعلِّي أُحيطُ بمعانيها.. لم أجدها في أمثلةِ واقعنا الذي نعيش وعرفت أن ليس كل ذكر هو رجل!.. فلا تُسمى الرجولةُ رجولةً.. بالصراخ والعناد وكثرة الجدال أو فرض السيطرة ِ والظلم أو حتى تلك النظرة التي تستعلي بالذكور وترى في المرأة عنوان عار أو شيئاً تخجل منه أمام الناس، ولا وجدتها بطولِ اللحى وفراغ الفكر، ولا وجدتها في القعود عبئاً على المجتمع.. ولم أجدها في تلك التقاليد التي قد يقدسها أصحاب ـ العقليات المتحجرة ـ على الشرع وأحكامه.. أبداً ما وجدتها هنا..!

لكني وجدت ضالتي هناك في صفحات القرآن الكريم وسنة الرسول وفي المواقف الخالدة.. لاحظتُ أن استعمال القرآن لكلمة رجل أو رجال كان أغلبه في مواقف معينة تصف معنى الرجولة وعلى صعيد آخر وصف القرآن الرسل بالرجال في قوله تعالى : “وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ” في سورة النحل ، لا أظن هذا مصادفة ً أبداً! وهذا إن دل فإنما يدل على أن للرجولة معنى مختلف عن الذي نعرف..

الرُّجولة نفتقدها في واقعِ أمتنا لأنه وعند الأزمات تشتد الحاجة لوجود الرجال الحقيقيين.. سيُحيطُ بنا العدو من كلِّ مكان.. سنمر بأعسر لحظاتنا.. سيعتري واقِعنا شدّةٌ شديدة.. وفقط عند الشدائد تُعرفُ معادنُ الرِّجال.

وجدتُ معنى الرجولة في سورة النور : “رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ” (37).. رجالٌ مكان نشأتهم في المساجد قد تعلقت قلوبهم بها.. لا تلهيهم عن الصلاة تجارة ولا بيع ولا ربح.

وجدتُ الرجولة أيضاً في :”مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ” في سورة الأحزاب.. عاهدوا الله ثم صدقوا في الوعد، صدقوا ما عاهدوا الله على هذا المنهج، استمروا عليه، تشبثوا به، وساروا غير مضطربين ولا متحيرين، لا تعيقهم العوائق، ولا تقف أمامهم الصعوبات ولا الشهوات، ولا الشبهات التي يثيرها أعداء الإسلام .

وجدتها أيضاً في سورة يس وفي القصص وفي التوبة وفي النحل وفي الكهف.. وجدتها في قصة يوسُف عليه السلام حين أبى الفتنة واستعصم وصبر فمكن الله له في الأرض ، وجدتها في قصة موسى عليه السلام حين سقى للفتاتين بكل شهامة وأدب ، وجدتُ الرجولة في كل ركن من أركان القرآن.. وجدتُ الرجولة في قول أبي بكرٍ رضي الله عنه لخالد حين حاصر بلاد الحيرة : يا خالد أرسلت لك رجلا بألف رجل.. وكان القعقاع بن عمرو التميمي.

وجدتها حين جلس أمير المؤمنين عمر -رضي الله عنه- يوما مع أصحابه فقال لهم: تمنوا ، فقال الأول : أتمنى لو أن لي دار مملوءة ذهبا أنفقه في سبيل الله ، وقال الثاني : أتمنى لو أن لي دارا مملوءة لؤلؤًا وجواهرًا أنفقها في سبيل الله ، فقالوا له وأنت يا أمير المؤمنين ماذا تتمنى ؟ فقال -رضي الله عنه-: أتمنى لو أن لي رجالا مثل أبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة فأستعين بهم على إعلاء كلمة الله .

وجدتها في ذلك الصغير حين كان أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه يمر في طريق من طرقات المدينة على أطفال يلعبون فلما رأوه هرولوا ولم يبق منهم إلا واحدا وهو عبد الله بن الزبير فقال له عمر : لم لم تهرب مع أصحابك ؟ فقال الطفل الذي تلمع فيه حياة الرجولة يا أمير المؤمنين : لم أفعل ذنبا فأخافك ، ولم تكن الطريق ضيقة فأوسعها لك.

الرُّجولة كلمة عظيمةٌ واسعةُ المعاني.. تتألقُ معانيها بحضور الإسلام وتزهر..
الرُّجولة نفتقدها في واقعِ أمتنا لأنه وعند الأزمات تشتد الحاجة لوجود الرجال الحقيقيين.. سيُحيطُ بنا العدو من كلِّ مكان.. سنمر بأعسر لحظاتنا.. سيعتري واقِعنا شدّةٌ شديدة.. وفقط عند الشدائد تُعرفُ معادنُ الرِّجال.. كثيراً ما كانت جدتي تقول: “الشدّة بتصنع رجال” وفعلاً هي على حق، لا تفوح رائحةُ العود إلا حين يحترق ، ولا ينضجُ الخبزُ إلا حين يسكنُ الفرنَ زمناً ما..

الرجل أيضاً هو مَن يغار على زوجته وابنته وأخته فلا يسمح لها بالخروج دون حجابها الشرعي أو متبرجة.. لأنه برأيي البيت الذي تخرج منه الفتاة متبرجة هو بيت لا رجال فيه.. لأن الرجل غيور على محارم الله وحدوده..

الرُّجولة التي أتحدثُ عنها تلك التي ازدانَ بها رسولنا مُحمَّد صلَ الله عليه وسلم واقتفى أثرها أصحابه.. كان رسولنا أباً ناجحاً وزوجاً حنوناً صبوراً وأخاً وصاحباً وفياً ورَجُلَ دولةٍ محنَّكاً وفارساً ذكياً سريعَ البديهة.. كان عنواناً للرحمة وحسن الخُلُق.. وبه اقتدى صحابته الكرام وكل من أراد أن يكون رجُلاً مسلماً مؤمناً.

الرَّجُل في نظري من اقتدى برسول الله، من كان همُّ فكره في معالي الأمور لا في سفاسِفها.. من جعلَ رضا الله مبتغاه فحاربُ هواه ونفسه في سبيل الله فهو جهادُ نفسٍ قبل أن يكون جهاد عدو.. الرجلُ في نظري ذلك الجاد في مواضع الجد.. الرحيم الحنون في مواضع اللين..لأن لكل مقامٍ مقال.. وهو ذلك الذي يبتعد عن الميوعة ويعتز بشخصيته المسلمة.. ذلك الشهم الذي يُكرمُ المرأة في إطار حقها المشروع في الدين دون أن يكبتها كبتاً بلا نفس ودون أن يتركها تركض بلا رقيبٍ لها يحفظها من دعاة حرية المرأة المزعومة التي تخالف ما جاء به إسلامنا.. فإسلامنا منح المرأة حرية وحقوقاً كاملة لم يمنحها إياها دعاة تحررها من حيائها ودينها.

الرجل أيضاً هو مَن يغار على زوجته وابنته وأخته فلا يسمح لها بالخروج دون حجابها الشرعي أو متبرجة.. لأنه برأيي البيت الذي تخرج منه الفتاة متبرجة هو بيت لا رجال فيه.. لأن الرجل غيور على محارم الله وحدوده..

لا أرسم صورة خيالية مثالية لمعنى الرجولة فهي باختصار اتبّاع لتعاليم الإسلام وتحرٍّ شديد لاجتناب المعاصي واقتداء برسول الله وصحابته.. هذا باختصار دون إطالة في الوصف والكلام.. فهل ننظر للرُّجولةِ من هذا العمق يا تُرى؟
أتركُ لكم الإجابة

المصدر : الدزيرة نت

التعليقات مغلقة.