المغرب للجزائريين حبيب / 66

مصطفى منيغ

الحَيَاءُ واجِهة الفاضلات من النّساء ، مِن “سِيدْنِي” في أستراليا إلى المدينة المغربية “الدار البيضاء”، أينما كَُّ محجبات أم رؤوسهن مكشوفة للأعزاء ، المقدّرين دورهن كما سنّهُ ربّ الأرض وكل علياء ، الحياء حجاب الأتقياء ، يتَستّرون به متى العيب جاء ، نازعاً حرمة الضعفاء ، إن كانت آيلة عن سبب للاستلقاء ، أم صامدة عن تحمُّل لا يرضَى غير الحلال المُباح مهما أحاطه مِن كل جانب البلاء ، ظلّت تلك الناحية مفتخرة بقليل فتيات جعلت منها قبلة الشرفاء، الباحثين كانوا عن تكوين أسر في تلك الأرض الأقرب لبيئة البيداء، لمَّا كان الرجل لكل طيّبة رداء، والمرأة له سراج الخيمة متى حلّ المساء، والأنعام من حولهما بهجة خلاء ، فكّرتُ طويلاً عساني أكون ضمن هؤلاء ، أحيا بسيطاً فوق بسيطة لا تستفزّ مقامي فوقها بشرط الثراء ، ولا تقدّرني كالأهالي هنا وإنما كأحد الغرباء ، لا تدري عني ولو القليل من الأشياء ، إن كنتُ أستحقّ سكونها و التمعّن في المتلألئ المخاطب بنور السماء ، مَن يحمل في جسده روحاًَ مطهّرة بالصفاء ، عاشقة جمال لا مثيل له إلا في تلك الصحراء ، مُمَثَّلاً في امرأة أعانتني على فهم الحياة لاختار بجانبها هناك البقاء. 

عدت إلى البيت “التطوانية” لم تغادر قبل أن تسمع قراري النهائي في شأنها ، ذاك القرار الذي حاولت مرارا اتخاذه لكنني أفشل ، ليقيني أنها بريئة من صنائع والدها ، فكان عليها أن تتحمل مسؤوليتها بالكامل إن ارادت الاستمرار معي فبيتي مفتوح لها بإمكاناته المتواضعة ، وإلاّ فاسبانيا والثراء والمشاريع الضخمة في انتظارها ولن ألومها إن اختارت طريقا آخر لا أريد أن أتبعه وفد وصلت علاقتي مع والدهاا إلى الطريق المسدود ، طبعا الدولة المغربية أدري بما سيؤول مصيره اتجاهها إذ لا شك توصلت لمعرفة بعضا من أسرره وهي كفيلة به أينما حلّ وارتحل . طبعا حاولت مرة وعشرة معي كي أرافقها إلى “مديد” ولو مؤقتاً حتى تستطيع الاستقلال بنفسها انطلاقاً من هناك ، لكنني رفضتُ جُملةً وتفصيلاً ،َّ فافترقنا لتظل الذّكرى بيننا أفصح تعبير عن مرحلة مهما طالت لا تصل لما كنا معا نتمناه ، وما أن غادرت البيت حتّى زارني  الصديق الوفي (بو….) ودون كثير كلام أمسكني من يدي لاتبعه حيث “فيلا” شقيقته ، التي وجدتها وكل العائلة تقريباً بداخلها دون أن أدري المناسبة التي جعلتهم يحضرون إلى هناك بمثل الكثافة ، لم يطل استغرابي إذ خاطبتني والدته بنبرة لم أعهدها من قبل ، وأسلوب في الحديث استغربتُ حقيقةً مصدر مستواه حيث قالت:

– أتمنى أن تكون أيها العزيز مصطفى المرافق الدائم لابنتي (ث) التي صادقتني القول بما جري بينكما آخر مرة وفي هذا المكان بالضبط ، ممَّا زادني ثقة فيك ، والتزامي ما عشتُ أن أكون بمثابة أمكَ ، لذا لن أغادر لخيامي إلا وأنا مطمئنة على حالك وابنتي في بيتكما هذا، ومنذ اللحظة أنت ابني ما يسعدك يسعدني وما يؤلمك يؤلمني ، ومهما احتجتَ من عناية ورعاية ستجدها فينا نحن الحاضرين هنا لنحتفل معا بهذا اليوم السعيد الذي لا نريد أن ينتهي إلا وأنتَ شاعر بالسعادة التي طالما شغلك البحث عنها .

لم أجد ما أقوله فلست من القوة لأواجه ذاك الجمع الكريم بالرّفض ، قد تكون تجربة أراد القدر أن يُدخلني إليها مع أناس لأسرة كبيرة واحدة موزَّعة على جنسيتين ، مغربية ربعها وأكثر من النِّصف جزائرية ، أسرة لا تهمها الحدود ولا قوانين كل دولة على حدة ولا سياسة ولا أي شيء يتخطّى العلاقة الإنسانية النبيلة ، أسرة في شقها الجزائري تعلم أنني مطارد من قِبل نظام الرئيس الهواري بومدين ، ومع ذلك تناصرني وتنفّذ رغباتي في الأقصى ، ومن هنا يتَّضح أن مُجملَ الشعب الجزائري عزيز عليه المغرب ، من اختلط بالجزائريين وطويلا مثلي يعلم بمصداقية ما أدَّعي ، مثل الشعور المحمود لن يتغيّر إذ منبعه جذور إنسانية اجتماعية متينة ، ليس لأحد القدرة على استئصالها ، مهما كان الجانب الخاضع اليه بقوة الانتساب الوطني ، ومهما طال أمد التَّباعد بين الأشقاء سيصل اليوم الذي تتحقق فيه تلك الغاية النبيلة ، المُفعمة بلقاء يعيد الأصل الطيب إلى طيبوبته الأصيلة ، والمياه إلى مجاريها ، إنها نهاية يراها المتفائل المحُّب لمنطقة ، من الصَّعب على العاديين أن يفرقوا فيه بين هذا جزائري وهذا مغربي ، ومهما استمرَّ تعنت زرع سلبيات الهواري بومدين بين حكام الجزائر لإطالة عمر الخلاف المغربي الجزائري  ، فلا بد من وقفة حق قادمة ، لن تُفَسَّر بغالب أو مغلوب إذ ليس بين الشعوب المتمسكة بحب بعضها البعض أي حساب .

سألتُ عن (ث) فأجابني شقيقها منعها الحياء فمكثت في حجرتها بالطابق العُلوي حتى تلتحق بها.   (يتبع)     

التعليقات مغلقة.