“مذكرة التعاون” هل تشكل مدخلا لضرب الفساد أم اجترار للإخفاقات ؟

بقلم : محمد حميمداني

بغرض تخليق الممارسة السياسية و مكافحة الفساد بكل أشكاله و ألوانه ، تم يومه الأربعاء ، بمقر المجلس الأعلى للسلطة القضائية بالرباط التوقيع على مذكرة تعاون بين المؤسسات القضائية المختلفة ، فهل سيشكل التوقيع على هاته المذكرة إقلاعا في مجال التصدي و ضرب كل أشكال الفساد ، و المدخل الفعلي لتنزيل حقيقي لدستور 2011 ، بما يعنيه من جعل الكل مطوقا بسلاسل عدم الإفلات من العقاب ، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون تجديدا للأساليب الدعائية ليس إلا ؟ .

 

و هكذا فقد وقع كل من المجلس الأعلى للسلطة القضائية ، و رئاسة النيابة العامة ، و المجلس الأعلى للحسابات ، على مذكرة تروم إلى إعطاء دفعة جديدة للتعاون و التنسيق في مجال محاربة كل أشكال تلويث الحياة العامة ، و الدفع بقوة لتنزيل مقتضيات دستور 2011 خاصة في الشق المتعلق بالمحاسبة .

“محمد عبد النباوي” ، الرئيس الأول لمحكمة النقض ، و الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ، اعتبر الأمر حدثا كبيرا و تحديا يواجه الهيئات القضائية ، سواء العادية منها أو المالية ، مشيرا إلى أن الهدف من الخطوة هو خلق جسور التواصل المهني بين الفاعلين في المجال ، بغرض التنزيل الفعلي لدستور 2011 و تحقيق الفعالية في تنزيل تلك المقتضيات القانونية لزجر كل أشكال الفساد في أفق القضاء عليه ، قائلا إن هذا الحدث يستحق أن يسجله التاريخ .

و أضاف “محمد عبد النباوي” إلى أن مكافحة هاته الآفة الخطيرة تشكل أولوية لتحقيق التنمية الشاملة في كل المجالات في كل بلد ، داعيا إلى ضرورة ترسيخ قيم الشفافية و المساواة و تكافؤ الفرص كقواعد لعلاقات مستقبلية تجمع الجميع ، و التصدي بقوة لكل أشكال الغش و روح الاتكالية ضمانا للأمن الاجتماعي و حماية للمال العام .

في نفس السياق ، وقفت “زينب العدوي” ، الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات ، على رمزية التوقيع و الدلالات المستقاة من هاته العملية ، مشيرة إلى أنها ستمكن حتما من الإجابة على انتظارات المواطنين في مجال ضمان عدم الإفلات من العقاب ، و على دلالات هذا التنسيق بين المحاكم المالية و المجلس الأعلى للسلطة القضائية و رئاسة النيابة العامة ، المتمثلة في وضع إطار عام للتعاون بين الأطراف الموقعة ، و تبادل التجارب و الخبرات في مجال البحث و التحري و تبادل الوثائق و المعلومات و تطوير الكفاءات في هذا المجال .

من جهته أكد “الحسن الداكي” ، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ، و رئيس النيابة العامة ، على ضرورة الارتقاء بهذا التعاون إلى مستوى أرقى ، مبرزا أهمية التكوين للرفع من قدرات القضاة المختصين في مجال الجرائم المالية ، للتمكن من التصدي لكل العراقيل المرتبطة بمجالات الصفقات العمومية و المحاسبة و الرقابة على المالية العمومية .

 

يشار إلى أن التوقيع على هاته المذكرة يأتي في سياق انتظارات كبيرة يأمل المغاربة تحققها إبان الاستحقاقات الانتخابية المقبلة ، و الأشكال العملية للقطع مع كل أدوات تلويث هاته العملية و الفساد المصاحب لها ، في ظل ما يشهده الواقع من تهافت بعض رموز ملفات فساد في الحصول على تزكيات أحزاب سياسية مغربية خلال هاته الاستحقاقات .

 

و في ظل تنامي المطالب المدنية من أجل قطع الطريق على هاته الزمر المرضية لمنع وصولهم إلى مناصب المسؤولية ، اعتمادا على مقتضيات الدستور المغربي و الآليات التشريعية و الأخلاقية و التنظيمية التي ما فتئت تنادي بضرورة تخليق الحياة السياسية الوطنية .

 

موقف تكرس من خلال وقفات احتجاجية في الشارع في عدة مدن مغربية ضد “تزكية المفسدين و ناهبي المال العام في الانتخابات المقبلة” ، كما عبرت عنه وقفات “الجمعية المغربية لحماية المال العام” المنظمة في هذا الإطار .

 

فالمطلوب أكثر هو التعامل بالحزم الكافي و المطلوب مع كل هاته الظواهر المرضية ، و بتنسيق فعال و ليس شكليا بين مختلف الفاعلين في مجال تحقيق الشفافية و النزاهة ، و القطع مع كل أشكال الفساد و الإفساد لكل العمليات التطورية التي أكد دستور 2011 على ضرورة اجتثاثها من الدولة و المجتمع ، لأن دعوة رؤساء و أمناء الأحزاب بعدم تزكية رموز الفساد ، هو من باب الدعوات الطوباوية التي لا يمكن أن تحقق لا النزاهة و لا التنمية و لا الإقلاع الاقتصادي و الاجتماعي ، فالشكل الوحيد و المطلوب لاستعادة الأغلبية المقاطعة لهاته الانتخابات و إعادتها إلى معانقة الصناديق و لعب دورها الإيجابي الذي تخلت عنه نتيجة هاته المهازل المرتبطة بمسلسلات الفساد التي عرفتها الاستحقاقات الانتخابية السابقة ، هو الضرب على كل أشكال الفساد المستشري ضمن مختلف أجهزة الدولة ، و الذي يشكل عائقا فعليا للتنمية و التقدم و بناء مغرب الغد ، مغرب المؤسسات .

التعليقات مغلقة.