مملكتان عن الماضي تنفصلان

 بقلم : مصطفى منيغ                                                                                                                                                 

إعادة نفس الأغنية دون انقطاع ، يقلل من قيمتها مهما امتازت بروعة اللحن وخفّة الإيقاع ، وبالتالي  يُعرّض ما تتضمّنه من رسائل بعد مدة قصيرة إلى ضياع ، في السياسة الدولية ليس هناك نجاح كامل وفشل متواصل كمفهوم المَنع المُخالف للامتناع ، أو القناعة تتأخر أو تُسبق الإقناع ، أو أي وجه مسموح له طول الوقت بالتَسَتّرِ خلف قناع ، بل أصوات لا تتوقف في المحافل عن الكلام الموزون خلال فترة معينة  ملزمة الآخرين بالاستماع ، بالدهاء السياسي المُحدِّد للخطوة التالية بعد التي قطعها مَنْ قطعها  بشكل مغاير لموضوع ذاته المتحرّك بين السطح والقاع ، بدلائل موصوفة يتمعن فيها الجائع للحق فيشبع ، وحقائق مُوَظّفة في حينها بما يرافق من اختيار المكان الأشمل والأوسع ، فالدول إمكانات على الأرض وليس تقارير إخبارية في أسواق ما تُبَاع . القريب عن المملكة المغربية الشريفة بعيد عن المملكة الإسبانية المُوَقّرة ، ليس هذا مغلّف بالانحياز لطرف و للآخر كتمان خداع ، إذ العقلاء حين استعراضهم لكنه القضية بما يجب من معرفة حاضر للمساهمة في انجازها التاريخ الإنساني المواكب لبدايات يكون الأصل فيها واقع ، وأيضا الجغرافية القاضية وحدها بقرب “سبتة” و”مليلية” لسيادة المملكة المغربية لتلك المدينتين الواقعتين شمالها وشمال قارة افريقيا ، لا علاقة لهما بالمملكة الاسبانية ولا بجنوب أوربا ، لذا تبقى أبعد ما تكون وواجب عليها أحبت أم أبت أن تدرك أن دوام الحال من المُحال ، خاصة وأن السياسة الدولية تظلّ صامتة مادام الهدوء بين المتخاصمين قائم ، فإذا تعالت الأصوات من هذا الطرف أو آخر هناك حلول آخرها الكي بالنار ، والمملكة الإسبانية لن تقدرَ على جرّ الاتحاد الأوربي ليواكب مواقفها أو يحارب بجانبها ، لأنه اتحاد لا يطبّق شعار “انصر أخاكَ ظالماً أو مظلوماً”، يقارن الخسائر المترتبة عن موقف يتخذه مجانبا الصواب ، قد تجد المملكة الاسبانية من يؤيد سياسييها المتحكّمين خلال هذه الفترة في مصيرها ، لكنه تأييد يبقى غير مطلق ، إذ السياسة الدولية لتواكب البعض من نظرياتها تتصرّف بليونة حفاظاً على ميزان المصالح ، وفي هذا الشأن بالذات نجد أن المملكة الاسبانية عاشت مستقبلها في الماضي ، أما المملكة المغربية تعيش مستقبلها في الحاضر ، هناك بينهما فجوة زمنية لن تستطيع الحكومة الايبيرية مهما حاولت اللحاق ولو بنصف الطريق المجسد بينها والحكومة المغربية ، بما ضيّعته من فرص بدءا ممّا تعرّض له الملك محمد السادس وهو يزاول رياضه التزحلق المائي بالقرب من “سبتة” لتتعرض له دورية أمنية اسبانية توقفه وهي تعلم مقامه ، ولولا حكمة الملك لنشبت ساعتها حرب ، مهما كانت نتائجها ستكون لصالح المملكة المغربية قطعاً .

الاحتلال الاسباني مزق المغرب تمزيقا يستحق عليه المتابعة لتعويض ما ترتب عن تلك الأعمال المتنافية مع القوانين الدولية السارية على الدول جميعها ، وبدل أن تنسحب من مجموع التراب المغربي بدأت تسلم منطقة بعد منطقة بكيفية لن يقبل بها سوى الراغب في الانتهاء ودفن الماضي المشين المؤلم في مقبرة النسيان ، وبدل أن تتفهم مثل الموقف النبيل الذي أراد به الملك الراحل محمد الخامس أن يكون مبدياً النية الحسنة تجاه جارته الشمالية ، أرادت التمادي دون حق لحرمان الملك الراحل الحسن الثاني من تحرير الأقاليم الصحراوية ، لولا ما أبداه من صرامة كادت أن تتعرض من جرائها اسبانيا لما لن تحمد عقباه ، حتى إذا تحمَّل المسؤولية الملك محمد السادس أرادت أن تطبق عليه (نفس اسبانيا) سياسة الاحتضان للإبقاء على الأحوال كما هي ، غير عابئة أن يتقدم المغرب أو يتأخر المهم عندها أن تتمتًَّع في الأقصى بخيرات المغاربة البرية والبحرية ، لكنها اصطدمت برغبة ملكية فسرتها على مراحل إرادة عملية جعلت من الحلم حقيقة ، فكانت المشاريع الكبرى عنوان عهد يعيد اسبانيا إلى مجالها الحقيقي دون الاستطاعة على تجاوزه .       

التعليقات مغلقة.