الإجهاد و التعب و إمكانية فقدان البصر ، أية علاقة ؟ 

محمد حميمداني

 الإجهاد و الإرهاق و فقدان التوازن و الضبط النفسي و العاطفي نتيجة كثرة الضغوطات الداخلية أو الخارجية التي يتعرض لها المرء تولد الإحباط و تثير فورة من الغضب و الهيجان ، و تبدلا في السلوك العام يتمظهر على شكل سلوك عصبي خارجي (عدواني) أو داخلي (انهيار عصبي) ، مصاحبا بظهور علامات قلق داخلي تتمثل في أشكال خارجية ، فما الدوافع و الأسباب التي تولد هاته الأنواع من السلوكات ؟ و كيف يمكن أن تؤدي هاته الحالات إلى فقدان البصر ؟ .

 فالإجهاد هو الشعور بالإرهاق أو عدم القدرة على التعامل مع الضغط النفسي أو العاطفي ،  وهي ضغوط قد تكون صادرة من أي حدث خارجي أو معطى داخلي ، و هي تؤدي حتما إلى تبدل في السلوك العام و الشعور بنوع من الإحباط أو الغضب أو القلق .

 و يأتي الإجهاد من جزأين رئيسيين من الدماغ ، و هما : اللوزة المتحكمة في العواطف ، و منطقة ما تحت “المهاد” ، التي تفرز هرمونات التوتر .

 فكيف تحصل هاته العملية إذن ؟ في حالة التوتر ، ترسل اللوزة إشارة إلى منطقة ما تحت المهاد تخبرها بوقوعك في ضيق ما ، ليتلقف الوطاء (تحت المهاد) المثير (الرسالة) و يفرز استجابة فورية عبارة عن كم هائل من هرمونات التوتر (مثل الكورتيزول والأدرينالين) ، تحث جسدك على القتال أو الهروب ، و يصاحب كل ذلك بزيادة في نبض القلب و ضغط الدم و التنفس ، وفق ما أوردته “هولي شيف” ، الأخصائية النفسية في علم النفس الإكلينيكي .

 و لكن السؤال المحوري هو عن أسباب هذا الإجهاد ؟

إن العملية في مجملها تعني رسالة يحملها الجسم لإخبارك بحالة من الحالات التي يصبح عليها (خوف ، ألم …) ، و لا يهم المصدر ، لأنه قد يكون حقيقيا أو متخيلا .

 “خايمي زوكرمان” ، الأخصائية النفسية في علم النفس السريري ، تقول إن الإجهاد يمكن أن يكون نتيجة لمخاوف مالية أو مشاكل مرتبطة بالعلاقات أو أحداث صادمة يتعرض لها الإنسان (الموت ، العمل ، الدراسة …) ، لكن يمكن أن يأتي أيضا من الأشياء التي تجلب السعادة أيضا .

 فعلى الرغم من أننا نربط الضغوطات دائما بالأشياء السلبية التي نتعرض لها ، إلا أن “شيف” تقول “في حين أن الضغوطات عادة ما تكون سلبية ، فإن أي شيء يفرض عليك متطلبات عالية يمكن أن يكون مرهقا ، حتى الأشياء الإيجابية ، مثل الزواج ، أو الذهاب إلى الكلية ، أو تلقي ترقية” .

 أنواع التوتر و الإجهاد :

فيما يتعلق بأنواع التوتر و الإجهاد التي يمكن أن نتعرض لها ، فقد حدد المختصون هاته الأنواع فيما اصطلحوا على تسميته بالإجهاد النافع (Eustress) ، أي الشكل الإيجابي الهام المنجز ، و لكنه صعب مما يجعله يولد توترا ، و الإجهاد الحاد المرتبط بردود الأفعال الفورية التي نصدرها نتيجة حدث ما (عمل ، مخالفة …) ، و الإجهاد الحاد العرضي المرتبط بتعرض المرء لنوبات متكررة من الإجهاد الحاد مما يسبب إفراطا في القلق ، و    الإجهاد المزمن الذي يصبح بحكم التكرار و التعود عليه شكلا طبيعيا ، و هذا هو الأخطر لأنه يمكن أن تكون له انعكاسات خطيرة على صحة الفرد .

 و هذا النوع من الإجهاد من الممكن أن يتسبب في حالة عدم العلاج في آثار صحية خطيرة ، ضمنها القلق ، مرض القلب ، النوبة القلبية ، الأرق ، الصداع ، السرطان ، و قد يؤدي في حالة الانهيار التام إلى الانتحار، أو نوع من السلوكات العنيفة .

 أعراض التوتر و الإجهاد :

إن الأهم هنا هو معرفة الأعراض المرتبطة بحالتي التوتر و الإجهاد التي قد نتعرض لها ، و هي متعددة ، فهناك الأعراض العاطفية ، و ضمنها حالات الحزن و القلق و الكآبة و العصبية و الشعور بالإحباط و اليأس أو العجز عن المواجهة ، إضافة إلى الغضب ، و الأعراض المعرفية و خلاصتها القلق و النسيان ، و قلة التركيز و احتقار الذات تدني احترامها و الحديث السلبي عن النفس ، كما أن هناك أعراض سلوكية تتمثل في تغيرات غير طبيعية تشمل عادات النوم السيئة و الإفراط الجنوني في الأكل أو انسداد الشهية ، و زيادة استخدام بعض المواد (التبغ ، الخمر ، المخدرات ..) ، إضافة إلى تفضيل الانعزال عن المجتمع ، و الأعراض الجسدية ، و ضمنها نجد  التعرض للتعرق و فقدان الدافع الجنسي ، و التبدل في ضربات القلب (سرعة النبض) ، و آلام المفاصل و العضلات ، وكثرة التعرض للأمراض ، أو الإحساس بالإعياء التام .

 كيف يمكن أن نتعامل مع حالتي التوتر و الإجهاد ؟ :

 كما سبق الذكر فإن التوتر له انعكاسات سلبية على السلامة العقلية و كذلك البدنية ، و قد اقترحت “شيف” طرقا عديدة لما أسمته إدارة التوتر ضمنها ، العلاج السلوكي المعرفي ، الذي يقوم على تحديد الأفكار السلبية و التصدي لها ، التأمل ، العلاج بالإبر، البقاء نشطا أخذ استراحة ، الاستحمام ، التمدد .

 لكن في الحالات التي تتعارض الحالة مع أدائك اليومي مثل النوم أو العمل و طول مدة الحالة ، و حصول أفكار بالاعتداء على الآخرين ، أو شعور بالعجز و اليأس ، أو الإحساس بألم جسدي دائم ، ففي هاته الحالات ينصح بزيارة طبيب أو أخصائي نفساني .

 الإجهاد و التأثير على صحة العين و العقل :

 تحدثت دراسة ألمانية نشرتها مجلة (EPMA Journal) العلمية المتخصصة ، بناء على خلاصات أنجزها علماء في معهد علم النفس الطبي في جامعة “ماغديبرغ” بألمانيا ، عن أن الإجهاد النفسي يؤثر على صحة العين و الدماغ ، و قد يؤدي إلى فقدان البصر تدريجيا ، مستندة في ذلك على أبحاث سريرية أجرتها ، أكدت وجود علاقة بين الضغط النفسي و فقدان البصر.

و هذا الموقف أكده البروفيسور “سابيل” الذي قال إن الإجهاد المستمر و ارتفاع مستويات هرمون “الكورتيزول” بشكل مرتفع يؤثران سلباً على صحة العين و الدماغ ، مما يسبب خللا على مستوى الجهاز العصبي اللاإرادي و الأوعية الدموية ، إذ أن التوتر يزيد من مستويات هرمون “الكورتيزول” في الجسم ، و هاته المستويات المرتفعة تؤثر في المدى الطويل على العين و الدماغ في نفس الوقت .

 لذلك أوصى البرفيسور “سابيل” بالتخفيف من حدة الضغط و الإجهاد النفسي عبر استخدام تقنيات الحد من الإجهاد و الاسترخاء مثل التدريب الذاتي أو العلاج النفسي أو التأمل ، ليس فقط كمكمل علاجي فحسب ، بل كإجراء وقائي  ، حيث يقول “يجب أن يكون الحد من الإجهاد هدفاً مكملا للمعالجة ، لما قد تقدمه من فرص جديدة لتحسين الرؤية في أمراض مثل الغلوكوما أو تلف العصب البصري” .

 

التعليقات مغلقة.