العيد بين ضعف المواطن و سلطتي غياب الدولة و حضور “الشناقة”

بقلم : محمد حميمداني

 مع حلول كل موسم عيد ، و مع استثنائية هاته السنة بما حملته من أضرار اقتصادية و آثار اجتماعية نتيجة فيروس كورونا ، و التي لم تشفع فسوته من وقوع المواطن في فخين ، فخ الإهمال الرسمي و ترك المواطن البسيط بين سطوة يدي الشناقة بأسماء و إن اختلفت ، لكن الجامع بينها أنها رسمت مسحة حزن على وجوه من ارتادوا الأسواق ليجدوا أنفسهم أضاحي فعليين لواقع الأزمات و الإهمال الرسمي لمعاناتهم مع حلول كل المناسبات، و في مناح متعددة ، ليس الحولي إلا واحد من آثارها الجارحة و القاتلة .

 حين تلج الأسواق تغتال بسمتك أثمان الأضاحي الصاروخية ، التي غدت هي السلعة الرائجة أينما حللت و ارتحلت في رحلة البحث عن السعر قبل الأضحية، لتجد نفسك أنك أنت الضحية في المقام الأول و الأخير .

 الخطاب الرسمي و حتى خطاب بعض جمعيات حماية المستهلك يعزو الوضع إلى السوق التي يعتبرونها “حرة” ، و بالتالي فلا سلطة لأي في “أسعارها” الخاضعة لقانون “العرض و الطلب” ، وفق هؤلاء الفقهاء .

 

و لنترك جانبا هاته الآراء التي لا تغني و لا تسمن و لا تملأ قفة من السوق ، فما بالك في الوصول إلى شراء كبش ضعيف تجاوزا للقول الديني “ففذاه بكبش عظيم” ، فما هي الأسباب التي أدت إلى هاته الوضعية ؟ ، بعض خبراء المجال عزوا الأمر للجفاف و ضعف المحصول الزراعي ، و هو الأمر الذي اضطر “الكسابة” لشراء الأعلاف المرتفعة السعر أصلا ، و بشكل غير مسبوق ، وفق إفادتهم ، إضافة إلى قوة الطلب على العرض نتيجة عودة مغاربة العالم بعد سنوات الجائحة ، و التخفيضات التي قدمتها الدولة في رحلات العودة ، إضافة إلى الحضور الكبير و الخطير ل “الشناقة” في سوق الأسعار إذ أصبحوا بمثابة “بورصة متحركة” للتحكم في الأسواق و تدبير الأسعار وفق قواعد الاحتكار و منع التواصل بين المستهلك و الفلاح مباشرة ، و هو أخطر عنصر يمكن تسجيله ، و هو ما يدحض الافتراضات الأولية المقدمة كتبريرات ، لأن “الشناقة” يقيمون حواجز إسمنتية بين الفلاح و السوق ، هذا الأخير الذي يتحمل أعباء و تكلفة تربية الأغنام ، لكنه لا يحصل في السوق إلا على البخس و اليسير من الفوائد ، فيما الهامش الأكبر من الأرباح يحصدها “أغنياء الحرب” المتحكمون في قانوني العرض و الطلب و السعر و السوق .

 المتتبع للمشهد الاجتماعي المرتبط بسعر الأضاحي لا يمكن إلا أن يخرج بخلاصات عدة أهمها سيادة العشوائية في التدبير ، و بالمناسبة راقني مشهد وجود شرطة لمراقبة الأضاحي ، و لكن الذي أبكاني و أضحكني هو أنها تراقب الخواتم و الأرقام الموضوعة على الأضاحي فقط ، و لكن الأسعار فهي في غنى عن الاقتراب من “أوجاع رأسها” ،  و السؤال المركزي ماذا أعدت الدولة للعيد من برامج اقتصادية و اجتماعية مواكبة ؟ فهل يكفي أن تقدم جمعيات حماية المستهلك إحصائيات عن الرؤوس المرقمة و التي بلغت 5.8 ملايين رأس من الأغنام و الماعز ، و أن تخبرنا بإشراف المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية على العملية بأمر من وزارة الفلاحة و الصيد البحري و المياه و الغابات ؟ ، و هل يكفي الإشارة إلى قيام المصالح البيطرية للمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية بتسجيل أزيد من 240.000 ضيعة لتربية و تسمين الأغنام و الماعز ، و قيامها إلى حدود 18 يونيو 2021 بأخذ ما مجموعه 660 عينة من اللحوم و 359 عينة من المواد المعدة لتغذية الحيوانات من أجل إخضاعها للتحاليل المخبرية ؟ كل هذا جميل في الباب المتعلق بالسلامة الصحية ، و لكن السؤال الأهم بالنسبة للمواطن هو الشق المتعلق بالحماية الاجتماعية و “الجيبية” للمواطنين المكتوين بنار لهيب الأسواق على الرغم من وفرة العرض ، و هنا تكمن المفارقة !

 المفروض أن تحضر الرقابة المؤسساتية على الأسعار ، خاصة و أن العرض متوفر ، فما المتحكم إذن في فوضى الأسعار ؟ و لماذا توجد الدولة بمؤسساتها خارج دائرة السيطرة على الأسعار ؟ و ما هي المنفعة و المصلحة التي تجنيها الدولة من هذا الغياب ؟ و ما جدوى أهمية وجود الدولة إن لم تكن دولة مواطنة ، خادمة لمصالح مواطنيها ؟ أسئلة تبقى معلقة بعهدة ذوي الأمر و النهي ، علما أن وزارة الفلاحة و الصيد البحري سبق لها أن بشرت المغاربة بأن عدد الأضاحي المتوفرة بمناسبة عيد الأضحى كافية لتغطية الطلب المرتقب ، مشيرة إلى أن العرض المرتقب من الأغنام و الماعز لعيد الأضحى لهذا العام يقدر بـحوالي 8,8 ملايين رأس منها 5,0 ملايين رأس من ذكور الأغنام و 3,8 ملايين رأس من الماعز و إناث الأغنام ، فيما الطلب من أضاحي العيد يناهز 5,30 ملايين رأس ، منها 4,80 ملايين رأس من الأغنام (4,20 ملايين رأس من الذكور) و520.000 رأس من الماعز .
فما الذي حول مجرى هاته البشائر الحكومية و جعل الأسعار تحلق في الفضاء فتتحول في الأسواق إلى لهيب مشتعل يكتوي بشظاياه الداخلون للظفر بكبش العيد، الزهيد الثمن وفق قانون الوعد الرسمي الحكومي ، ليجالسوا على أرض الواقع هشيم أصوات مفرقعات تنشر الرعب في الأثمنة الموزعة ما بين  2500 درهم و 8000 درهم .

 

المواطنون عبروا عن امتعاضهم من هذا الارتفاع الصاروخي لأسعار الأضاحي و الذي لم يراع أي شيء ، و في عز أزمة كورونا ، حيث طالبوا الجهات الوصية عن قطاع الفلاحة بضرورة التدخل لردع هؤلاء “السماسرة و الشناقة” المتحكمين في فوضى أسعار السوق ، داعين إياها إلى العمل على تنظيم الأسواق ارتباطا بوفرة العرض المعلنة رسميا .

 فما مرجعية هاته العشوائية في ضبط سوق الأغنام ؟ المتتبع للوضع يرى أن الدولة أطلقت العنان لسماسرة الحولي ، و أنها رفعت يدها عن مصالح المواطنين ، مما يدفعنا إلى التساؤل عن الأسباب وراء كل هذا التخفي البيروقراطي وراء ظهر “الشناقة” ، و التي لا تعني إلا المسؤولية المباشرة لجهاز الدولة عن ضرب كل مقومات و إمكانيات الصمود الاجتماعي و ضمان الحد الأدنى الممكن من العيش من خلال ما اصطلح على تسميته ب “تحرير” الأسعار ، الذي لا يعني إلا القتل و الذبح لكل بسمة على وجوه الغلابة من أبناء هذا الشعب ، و تركهم تحت رحمة التحكم الاحتكاري مع حالة الإضعاف المقصودة لرقابة الدولة .

 فمسؤولية السوق وفق القواعد الاقتصادية المعمول بها عالميا ترجع لثلاث عناصر أساسية المنتج و المستورد و الموزع ، و بينهما تحضر الدولة المطالبة بزجر كل المخالفات التي لا تعني إلا المضاربات و الاحتكار و تحقيق أعلى نسب أرباح مما يعني الإخلال بالتوازنات الاجتماعية و الاستقرار السياسي و الاقتصادي ، و هو الأمر الذي يفرض عليها الزجر و الضرب بقوة لكل تلك المخالفات المسجلة ، و ليس الوقوف موقف المتفرج كما نلاحظه الآن كسلوك ممارس من قبل الدولة ، فالمطلوب هو شفافية المؤسسات الرسمية في مراقبة السوق و الأسعار و نوعية المنتج المعروض و محاربة كل أشكال الفساد الذي تعتبر هاته العمليات جزء لا يتجزأ منها  .

 

التعليقات مغلقة.