هل التعرق المفرط hyperhidrose مرض يحتاج لطبيب؟

بقلم د. مبارك أجروض

 

من الطبيعي أن يصاب الجسم بالتعرق، ولكن فرط التعرق transpiration excessive ينبئ بوجود مشكلة في الجسم، فيجب عدم إهمال هذه الحالة والبحث في أسبابها وطرق علاجها. إن يتسبب العرق الزائد في الجسم لحالة من الإحراج، ولكن ليست هذه المشكلة الأساسية التي يواجهها المصاب بفرط التعرق، وإنما قد ينذر هذا بوجود بعض المشكلات الصحية التي ينتج عنها هذا العرق.

إن التعرق هو عملية فيزيولوجية طبيعية يستخدمها الجسم لتبريد الجلد، لكن هذه العملية قد يعتريها الاضطراب عندما تزداد كمية التعرق لحدود غير طبيعية. لا بد أنك عرفت أو سمعت بأشخاص يتعرقون لأتفه الأسباب، حتى في الأجواء الباردة، بل كثيرا ما يستيقظون وثياب نومهم وأغطية فراشهم منقوعة بالعرق.. فما هو سبب التعرق المفرط عند هؤلاء الناس ؟

قد يكون التعرق الشديد  hyperhidroseبالنسبة لبعض الأشخاص مجرد ظاهرة مزعجة، تستوجب منهم استخدام مناديل التنظيف بكثرة، وربما الاستحمام أكثر من مرة في اليوم، لكن هذه الظاهرة قد يكون وراءها كذلك علة صحية تحتاج لرعاية طبية، بل قد تحتاج أحيانا لدخول المستشفى!  وفيما يلي نوجز آخر ما توصل إليه الطب عن أسباب هذه الشكوى وعلاجها.

* علامات فرط التعرق

هناك بعض العلامات التي تشير بأنك مصاب بفرط التعرق وأن لديك مشكلة تسبب هذا العرق الزائد، وهي:

ـ صعوبة الاحتفاظ بالملابس جافة: ووجود بلل دائم في الملابس وخاصةً في منطقة تحت الإبط.

ـ عدم وجود فائدة من مزيل العرق: فحتى مع استخدام أكثر الأنواع فاعلية، يصعب القضاء على رائحة العرق الكريهة.

ـ التعرق بعد الاستحمام: وعدم وجود علاقة بين النظافة والتعرق، حيث أن الأشخاص الذين يعانون من فرط التعرق يكتشفون وجود عرق في الجسم حتى بعد الاستحمام مباشرةً.

ـ التعرق في الأجواء الباردة: حيث أن التعرق يرافق الجسم في الأجواء الباردة أيضًا، ولا يرتبط بنهار أو مساء، صيف أو شتاء.

ـ التعرق المستمر في الأطراف: أي في كف اليد وفي القدم، ولا يقتصر على المناطق المعروفة بالتعرق مثل الإبط والوجه.

* متى يكون التعرق غير طبيعي ؟

هناك اختلاف بين الناس – ولا شك – في درجة التعرق، كما أن هناك اختلاف في أي وظيفة من وظائف الجسم الأخرى، فكلنا لاحظ أشخاصا يباشرون بالتعرق بعد تطبيق أخف التمارين البدنية في الصالات الرياضية، بينما تبقى ثياب الآخرين جافة خلال معظم فعالياتهم الرياضية، ومن المعروف أن البدينين، وقليلي النشاط والحركة، هم أكثر عرضة للتعرق من سواهم، لكن التعرق يصبح غير طبيعي وبحاجة للعلاج، عندما يحدث دون مقدمات ودون أسباب ظاهرة. فإذا كنت تتعرق بشدة في جو غير حار، ولم تكن تشكو من حمى، ولم تكن قلقا أو معرضا لموقف مخجل أو مربك، فمن الأفضل أن تسرع في تحري أسباب التعرق لديك.

* هل هناك أنواع لفرط التعرق ؟ 

إن ففرط التعرق إما أن يكون متوضعا في منطقة واحدة من الجسم (مثلا في اليدين أو القدمين أو الوجه أو الإبطين أو في منطقة العانة)، وهذا يقع عادة تحت تصنيف “فرط التعرق البدئي” (أي مجهول السبب) hyperhidrose primaire. أو يكون شاملا للجسم كله، ويسمى “فرط التعرق الثانوي” (لأنه يكون عندها تاليا لحالة صحية أو مرضية) hyperhidrose secondaire.

ـ ويتظاهر “فرط التعرق البدئي” ابتداء من سني المراهقة عادة (وأحيانا أبكر من ذلك في مرحلة الطفولة)، ويصيب حوالي %3 من البشر، ويشمل طرفي الجسم (الأيمن والأيسر) بشكل متناظر، ولا يعرف له سبب واضح محدد، لكن الخبراء يعتقدون أن وراءه اضطرابا عصبيا تعمل فيه الأعصاب المسؤولة عن حث الغدد العرقية لإفراز العرق فوق طاقتها، وأن هذا الاضطراب له صبغة وراثية، ومع أن فرط التعرق البدئي لا يشكل خطرا على حياة المصاب، إلا أنه يسبب له الكثير من الإزعاج، ويمكننا أن نتصور الحرج الذي يصيب الانسان اذا ما اضطر لمسح وجهه من العرق كل بضع دقائق خلال اجتماع هام، أو إن كان عليه استخدام المحارم الورقية كلما أراد أن يصافح شخصا غريبا، وقد يصل الخجل والإحراج بالذين يعانون من هذه المشكلة أن يتجنبوا أية لقاءات أو اجتماعات في العلن.

ـ أما “فرط التعرق الثانوي” الذي تشمل أعراضه الجسم كله، فله عادة مدلولات طبية اكثر أهمية، وهو -من حسن الحظ- أقل انتشارا من صنوه “البدئي”، ولعل أحد أعراضه المميزة التعرق الشديد خلال الليل، ونعرض فيما يلي أهم الحالات الصحية والمرضية التي يمكن ان تمهد لظهور التعرق الثانوي، مبتدئين بالحالات الطبيعية، ثم المرضية الأقل، فالأكثر خطورة:
ـ الحمل
ـ سن اليأس
ـ القلق والشدة النفسية
ـ ارتفاع حرارة الجسم (الحمى) المجهول السبب
ـ إدمان الكحول
ـ بعض الأدوية، مثل بعض الأدوية النفسية وأدوية الضغط
ـ فرط نشاط الغدة الدرقية
ـ داء السكري (عندما ينخفض تركيز سكر الدم)
ـ بعض الالتهابات الجرثومية (كالسل)
ـ الملاريا
ـ التهاب المفاصل الرثياني  la polyarthrite rhumatoïde
ـ مرض باركنسون  la maladie de Parkinson
ـ النوبات القلبية
ـ التهاب شغاف القلب
ـ السكتة الدماغية
ـ مرض الإيدز
ـ بعض الأورام، مثل سرطانات الدم والسرطانات اللمفية.

* متى تجب استشارة الطبيب ؟

ينصح باستشارة الطبيب إذا كان التعرق:

– شاملا لكل نواحي الجسم المكشوفة، خاصة إن ازدادت حدته في الفترات الأخيرة.

– كثيرا، فتستيقظ وأنت منقوع بالعرق البارد، إضافة لثيابك وأغطية فراشك.

– غير متناظر بين طرفي الجسم.

– المفرط ابتدأ في عمر متقدم.

– حدث بعد تبديل أحد الأدوية أو تناول دواء جديد.

– مترافقا مع إعراض اخرى مهمة، كالسعال أو ألم الصدر أو صعوبة النوم أو العرواء أو التشوش الذهني أو الإرهاق الشديد.

وبناء عليه يصبح من الضروري والمؤكد زيارة الطبيب وإجراء الفحوصات المتعلقة بذلك في حالة ظهور العرق بشكل زائد عن الطبيعي.

التعليقات مغلقة.