قبيل سقوط العاصفة حرب الرؤوس و نذير المقاطعة أي درس لأي تاريخ الجزء الثاني

بقلم : محمد حميمداني

وضع قاتم ينذر بمشهد ملوث و قاس في القادم من الأيام في ظل عز كورونا و الحرائق المشتعلة على ضفتي المتوسط ، و التي سيشتد لهيبها مع بداية سعار حمى الانتخابات بلهيبها الذي قد يحصد لا الأصوات ولكن مزيدا من تلويث المشهد السياسي المغربي أمام حملات رحيل الطيور بين سراديب و أقبية الأحزاب ، و هو ما أكدته وقائع اعتقال 11 شخصا عشية انتخابات الغرف المهنية التي اكتسحها الأحرار وفق النتائج المعلنة ، و في ظل حسم “لفتيت” وزير الداخلية لموسم الهجرة إلى البرلمان و المجالس بأنه سيجري وفق الموعد الدستوري المحدد .

على شرفات هاته الوقائع الساقطة في متاهات دروب اتساخ المشهد السياسي المغلف بصور الفساد المتحرك عبر الشوارع ، و التي عرتها واقعة “كلميم” ، التي حكم القضاء على أبطالها ، اليوم ، بثلاث سنوات سجنا ، يطل علينا المشهد السياسي فاتحا ذراعيه بآلاف الأسئلة المشتعلة و الحارقة حول “النموذج الديمقراطي” و ضعف البنى التحتية ، و عدم قابلية هاته الديمقراطية للتعايش مع هاته البنية ، في ظل سريان سلطتي المال و الفساد على المشهد السياسي ، و الانشغال أكثر بتحقيق التوازنات السياسية في إطار إدارة محكمة لفسيفساء هذا المشهد ، و انتقال النقاش السياسي العام نحو النجاعة الشكلية في إدارة المؤسسات و العملية الانتخابية و الحث على المشاركة ، بدل الغوص في عمق المعيق لتحقيق الديمقراطية الفعلية و كيفية الوصول إلى هذا الحلم “الأفلاطوني” ، و البحث عن أشكال الارتقاء بأداء هيئات المجتمع المدني ، و منحه السلطة الرقابية و التشاركية الفعلية الواجبة مساهمة منه في رسم معالم السياسات التنموية العامة .

إن المطلب الأسمى الذي يجب النضال من أجل تحقيقه هو تعميق الحكامة و جعلها جزءا لا يتجزأ من التدبير المؤسساتي و المحدد لشكل العلاقات التي يجب أن تقوم بين هاته المؤسسات و عموم المواطنين ، و تجاوز منطقي العسكرة و الاهتمام أكثر بتحقيق الأمن التنموي ، و تجاوز نمط التفكير القائم على البلقنة و التفتيت في التدبير السياسي ضمن خطة إعادة رسم التوازنات المنتهجة بما يحقق الاستدامة لنفس الوجوه و التركيبات السياسية العائلية ، و ليس تحقيق التنمية الوطنية و المجتمعية و إعطاء الفعالية للقواعد القانونية و التنظيمية و الإدارية المؤطرة و المنظمة للمشاركة المدنية في المشهد السياسي ، عبر تحويل هاته الهيئات إلى فاعل مدني حقيقي وفق الأعراف الديمقراطية المتعارف عليها عالميا ، و جعلها واقعيا قوة اقتراحية فاعلة لا محيد عنها ، من خلال إعطائها الفعالية المفقودة و تمكينها من روح الإحساس بالانتماء ، و تجاوز المنطق المكرس على الأرض باعتبارها إحدى توابع مؤسسات الدولة ليس إلا ، بهدف تحقيق التوازن المجتمعي و تحقيق التنمية .

الوقائع على الأرض وفق ما شهدناه قبيل الاستحقاقات الانتخابية من ترحال ، أسرابا أسرابا ، من اتجاه سياسي إلى آخر ، و من لون انتخابي إلى آخر في إطار رحلة سلة المصالح و قذف ما دونها إلى المهملات يعكس بوضوح و جلاء تنامي التغلغل و الترابط المسترسل بين المصالح السياسة و الاقتصادية لكافة أطراف المشهد السياسي ، و الذي يساهم فيه مجتمع مدني انتخابي مخدوم على المقاس عكسته فضائح الدعم المخدومة ، و غدته حروب “داحس و الغبراء” خلال الانتخابات المهنية ، و هو ما يعني أن الطموحات التي حاول دستور 2011 تكريسها سلوكا مؤسساتيا بقيت عالقة في رفوف التنصيص المعجمي و لم تجد طريقها للتنزيل .

اللوائح المحصورة رسميا في 31 مارس من هاته السنة تشير إلى أن عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية قد بلغ 609 746 15 ، فيما سيتنافس خلال هاته الاستحقاقات الانتخابية أكثر من 33 حزبا.

والسؤال المركزي هو هل تعكس هاته الأرقام تطورا مجتمعيا في الوعي بالعملية عينها ، و المساهمة الواعية في فضاء من الحرية و المسؤولية لإخراج مؤسسات حرة و مسؤولة و قادرة على إحداث التغيير و التنمية المنشودين ؟ ، في الجهة المقابلة نجد أن المواطن المغربي لا ينتظر أي شيء يذكر من هاته العملية برمتها ، لثقة هؤلاء بأن هاته العملية لم تحقق لهم واقعا أفضل مما هو قائم ، لذا فهم يعتقدون بأن المشاركة في هاته الانتخابات هي تزكية لقيم الفساد القائمة و التي تعتبر “اللعبة الديمقراطية واجهة لها ليس إلا” ، معتبرين أن اللعبة بعيدة كل البعد عن أحلامهم البسيطة و طموحاتهم ، و هو ما يخلق هوة كبيرة بين المواطن من جهة و المؤسسات و الأحزاب من جهة ثانية ، خاصة و أن لهيب “حملات انتخابية سابقة لأوانها” بدأت تلوح منذ مدة ، حصريا في المدن الكبرى مع بدأ وصول أسماء اللاعبين الكبار ضمن هاته اللوائح الانتخابية و العملية السياسية برمتها ، في الجهة المقابلة خلقت الشبكة العنكبوتية وحدة حول “مقاطعة” هاته العملية بعد أن كان اليسار الراديكالي هو حامل لواء الدعوة لها كتعبير عن “الصدمة و فقدان الثقة” ، من خلال شعارات “أبشروا …. لا أمل” ، مع تواتر أسماء نفس “الكائنات الانتخابية” المعروفة التي شكلت رأس القوائم ، و التي فجرت أركان أحزاب ، و جعلت قيادات وازنة تهاجر في اتجاه منصات انتخابية جديدة لنيل حظوة الظفر برأس قائمتها معززة بغياب الديمقراطية الداخلية داخل هاته الأحزاب ، كما رحلة شباط إلى حزب “جبهة القوى الديمقراطية” و حديث “نزار بركة” ، أمين عام حزب “الاستقلال” عن “الحرية في الانتقال ، و عن “عدم الانضباط لما أسماه “الديمقراطية الداخلية” و “القوانين التنظيمية للحزب” ، علما أننا هنا لا نتحدث عن شخصية سياسية عادية ، بل شخصية وازنة في الحزب و أمين عام سابق لهذا الحزب ، و هو ما يعكس “حموضة” المشهد و كدارة نبع “الديمقراطية” المغربية الملوث ماؤها حزبيا و التي تنتج بالضرورة مؤسسات عاجزة عن مسايرة التطور المنشود و تحقيق مطامح عموم المواطنين في التغيير الجدري لكل الهوامش المرضية التي تعوق التقدم و الارتقاء و التطور و البناء .

يتبع ………

التعليقات مغلقة.