بيجيدي القنيطرة بين الاستقالات و الترحال و تهاوي أحلام استرجاع القلعة

محمد حميمداني

تحت وقع الاستقالات و المغادرة الجماعية لبيت “المصباح” في القنيطرة و مجموعة من مدن المغرب ، تنتظر النخب السياسية و المحللون تهاوي قلعة “البيجيدي” وطنيا و على صعيد الجهات و العمالات و الأقاليم ، و ضمنها القنيطرة ، التي عرفت تفجر احتجاجات على السياسات المنتهجة من طرف القيادة في تدبير البيت “الإسلامي” مركزيا و جهويا و محليا ، وصلت حد الرحيل الجماعي نحو جهات و وجهات أخرى خاصة جهة حزب “التجمع الوطني للأحرار” ، تعبيرا عن الرفض و السخط على أساليب “الكولسة” التي غزت تدبير اللوائح الانتخابية للاستحقاقات الانتخابية المقبلة ، و سيدت منطق “التحكم” في التدبير ضدا على القرارات القاعدية المتخذة ، وفق ما صرح به غاضبون .

رحلة جماعية لأعضاء وازنين حزبيا و اجتماعيا ، الشيء الذي سينعكس حتما على صعيد الحضور الحزبي على مستوى الانتخابات المقبلة ،  مع وجود وجوه وازنة ضمن سلسلة الغاضبين من هاته السياسات ، ضمنهم رئيس فريق مستشاري الحزب بجماعة القنيطرة “إبراهيم خليل” ، و “عزيز كرماط” الذي غادر الحزب ليعود للترشح و لكن هاته المرة من بوابة لائحة مستقلة ، و “عبد السلام الكداري” ، و “علي ازبط” العضو المكلف بقطاع التعمير سابقا الذي سيحمل لون لائحة حزب “الاتحاد الدستوري” خلال الاستحقاقات المقبلة ، و لائحة الترحال طويلة و عريضة و همت مختلف الجماعات الترابية لأسماء حزبية ذات ثقل كبير ، الأمر الذي أفرز حالة من “التيهان السياسي” ، لأنه ترك “عزيز الرباح” ، الوزير و رئيس المجلس الجماعي لعاصمة الغرب ، في شبه عزلة ، تشير إرهاصاتها الأولية إلى أفول نجم الرآسة و اندحار “البيجيدي” في الانتخابات المقبلة ، فيما يشبه “خريف البطريك” كما كتب الروائي العالمي “غابرييل غارسيا ماركيز” .

كل هاته الوقائع تأتي في ظل تهديدات كان قد وجهها عدد من قياديي الحزب بالإقليم ، مهددين “العثماني” بالرحيل الجماعي في حالة عدم مراجعة قرار القيادة المتعلق بالتزكيات خلال الاستحقاقات المقبلة .

فالوضع العام الذي يعيشه “البيجيدي” ملتهب ، و حمل مؤاخذات على القيادة و اتهامات لها بعدم احترام اقتراحات لجنة الترشيح الإقليمية الخاصة بإقليم القنيطرة ، و التي عقدت اجتماعها بتاريخ 14 يوليوز 2021 ، برآسة “محمد يتيم” عضو الأمانة العامة للحزب ، و أفرزت بالتالي “محمد الحرفاوي” البرلماني الحالي ، وكيلا للائحة “المصباح” خلال الانتخابات التشريعية المقبلة ، و “الخطاب زريلة” ، الكاتب المحلي للحزب بجماعة المناصرة ثاني اللائحة ، و المحامية “السعدية صغير” الثالثة و “محمد المومني” رئيس جماعة “سيدي الطيبي” رابع اللائحة ، و هي التزكيات نفسها التي رفضها البعض معتبرا أنها جاءت بفعل “الكولسة” و غياب الديمقراطية في اختيار ممثلي الحزب المكرسة كأسلوب للتدبير .

لكن هذا الاختيار سرعان ما تم الإجهاز عليه مع قرار القيادة الحزبية في تحد للاتفاق المعلن ، اعتماد “مصطفى الابراهيمي” وكيلا للائحة “المصباح” بدلا عن “الحرفاوي” ، الأمر الذي فجر موجة من الاحتجاجات ، و أشاع حالة سخط وغضب أفرزت رحلة المغادرة القسرية في اتجاه حزب “التجمع الوطني للأحرار” و تيارات أخرى ، و التي شملت مختلف جماعات إقليم القنيطرة ، بل أن الوضع أصبح شاملا للعديد من عمالات و أقاليم المغرب .

سخط عرى واقع “السكتة القلبية” التنظيمية و السياسية التي يعيشها الحزب ، و فجر موجة غضب لدى قيادات وازنة بالحزب بمجموعة من الجماعات الترابية ، و هو ما حملته الرسالة الموجهة للقيادة و الموقعة من طرف أسماء “غليظة” و “محددة” للخريطة السياسية بالقنيطرة ، و التي ساهمت في وصول “المصباح” لإدارة مجموعة من المجالس بالإقليم .

الأكيد أن هذا الوضع التنظيمي قد أرخى بضلاله على المشهد الحزبي “للعدالة و التنمية” و سيحدد لا محالة الخريطة السياسية المقبلة على اعتبار أهمية الأسماء المغادرة و استغلال مجموعة من التيارات السياسية لهذا الوضع “المرضي” في البيت الداخلي لحزب “المصباح” لتحقيق أكبر قدر ممكن من الأصوات في مختلف الدوائر الانتخابية ، و معاقل الحزب الحصينة ، خاصة من جهة حزب “التجمع الوطني للأحرار” ، و هو ما عكسته على الأرض نتائج الانتخابات المهنية و حصده للأغلبية المطلقة بتلك الغرف ، وصولا لرسم خريطة المؤسسة التشريعية و الحكومة المقبلتين .

الوقائع على الأرض تبرز حالة الاحتقان الكبيرة التي تسود بيت “المصباح” ، حاملة معها قلقا سياسيا من القادم خلال الاستحقاقات المقبلة ، و الذي عكسته نتائج انتخابات الغرف المهنية ، و تراجع “أسطورة” الحزب لدى القواعد و على الأرض ، و التي بدأت شرارتها الأولى منذ تعيين “سعد الدين العثماني” رئيسا للحكومة المغربية ، و إركان “عبد الإله بنكيران” الزاوية ، و ما فجره الوضع من انقسامات حادة داخل الحزب ، زادت من مرارة و حرارة لهيبها تمرير قانون “الفرنسة” ، و “التطبيع” و “الكيف” 

وضع اعتبر المدخل الفعلي لتوالي ارتدادات هزات سياسية و توابع لاحقة أصابت مرجعية طالما تحدثت عن التعريب و اعتبار العربية “لغة القرآن” ، و “تخوين التطبيع” إلى الارتماء في حضن “التطبيع” مع الكيان الصهيوني ، وصولا إلى فتح أبواب التنسيق مع عدو البارحة و صديق اليوم ، حزب “الأصالة و المعاصرة” ، و ما عكس  كل ذلك من بداية بوادر لانهيار مشروع “الشعارات” التي قام عليها “هيكل البيجيدي” و الذي رفعه خلال مرحلة تدبيره للحكومة المغربية ، و لعبه كافة الأدوار المطلوبة ، من حينها و إلى الآن ، و سقوط كل تلك الشعارات التي رفعها الحزب و بنى عليها وجوده الداخلي و القومي و “الإسلامي” .

و لعل إعلان الأمين العام السابق و مؤسس الحزب “عبد الاله بنكيران” ، سابقا ، عن تجميد عضويته في الحزب ، و مقاطعته لوزراء ذكرهم بالاسم ، و على رأسهم “سعد الدين العثماني” الأمين العام الحالي للحزب و رئيس الحكومة لهو تعبير واقعي عن مدى الشرخ و الشيخوخة التي أصابت بيت “البيجيدي” و التي ستطفئ حتما وهج “المصباح” خلال الاستحقاقات المقبلة .

وضعية لخصها ، العمراني ، أحد قياديي الحزب ، في تصريح إعلامي سابق مع إحدى القنوات الفضائية العربية ، بقوله بأن الحزب يعيش حالة من القلق و الغضب و النقاش ، فيما وصفها القيادي في شبيبة حزب “العدالة و التنمية” و عضو المجلس الوطني للحزب “حسن حمورو” ، في تصريح مع نفس القناة ، بالمنعطف الأخطر و غير المسبوق في تاريخ الحزب ، مضيفا أن المجلس الوطني أصبح مغلوبا على أمره أمام الأمانة العامة ، مؤكدا أن العدالة و التنمية يوجد في مفترق الطرق ، فإما أن يستعيد نفسه و يستعيد أطروحته ، أو سيذهب إلى هامش الفعل السياسي المغربي .

التعليقات مغلقة.