أفغانستان مقبرة الغزاة و الرئيس يفر بأموال الشعب

محمد حميمداني

أحداث متسارعة شهدتها أفغانستان في الآونة الأخيرة بعد سيطرة حركة طالبان على أكثر من 90 في المائة من أراضي الجمهورية الغارقة في الفقر و الدم ، ضمنها العاصمة كابول ، و الرئيس الأفغاني يفر حاملا معه أموالا طائلة من أموال الشعب المنهوبة ، بقي جزء منها في المطار لعدم تمكنه من تهريبها عبر الطائرة المروحية التي فر على مثنها إلى وجهة مجهولة ، وفق ما نقلته وكالة “سبوتنيك” الروسية .

طالبان التي وصل مقاتلوها العاصمة كابول و سيطروا على القصر الرآسي دون وقوع أي اشتباكات مع حراس الأمن ، أعلنت سيطرتها كذلك على كافة المعابر الحدودية ، وقائع لم تكن مفاجئة على الرغم من الحضور الأمريكي و الرهان على القوات الأفغانية “المدربة بشكل جيد من قبل الأمريكيين” ، وفق قول عسكري رفيع في حلف “الناتو” .

من خلال الأحداث الميدانية و الخروج الأمريكي و التقهقر الرسمي ، كل هاته الوقائع تنقلنا إلى مشاهد آخر لفترات حرب “فيثنام” في شهر مارس من سنة 1975 ، عندما خرجت آخر الوحدات العسكرية الأمريكية من هذا البلد .

خروج القوات الأمريكية ، قلب كل المعادلات بأفغانسان ، خاصة و أن هاته البؤرة القاتلة تعد أطول حرب في تاريخهم ، و لينضاف هذا الاندحار إلى سلسلة الاندحارات التي لقيتها واشنطن ، و “بايدن” قرر الخروج حفاظا على ما يمكن الحفاظ عليه قبيل الموعد الذي حدده ، أي 11 شتنبر القادم ، إلا أن طالبان قررت تعجيل زمن الرحيل .

وضع سيرفع مثيرة انحدار الوضع الإنساني داخليا و خارجيا من خلال السيل الجارف من اللاجئين الذين سيغطون الدول المجاورة و أوروبا .

الرئيس الأفغاني ، أشرف غني ، قال إنه غادر البلاد “لمنع المجزرة”، فيما قال الممثل الرسمي للمكتب السياسي لطالبان ، محمد نعيم ، إن الحرب في أفغانستان انتهت ، و سيتضح شكل الحكومة في الدولة في المستقبل القريب ، أما القائم بأعمال وزير الدفاع في أفغانستان “الجنرال بسم الله محمدي” فقد وجه انتقادا لاذعا للرئيس الهارب “أشرف غني” و مسؤولين آخرين على خلفية فرارهم و ترك البلاد تغرق ، حيث كتب على “تويتر” قائلا : “قيدوا أيدينا وراء ظهورنا و باعوا الوطن ، اللعنة على غني و عصابته” .

و هكذا فقد أوردت السفارة الروسية في كابول ، أن الرئيس الأفغاني ، أشرف غني ، قد هرب من البلاد محملا بأموال تم نقلها للمطار عبر سيارات ، و أنها حملت على مثن إحدى المروحيات و ترك الباقي في المطار لعدم القدرة على تحميل المزيد ، وفق ما نقلته وكالة “سبوتنيك” الروسية .

و في هذا الصدد قال السكرتير الصحفي للبعثة الدبلوماسية الروسية ، نيكيتا إيشينكو ، “أما بالنسبة لسقوط النظام ، فتميز بطريقة هروب غني من أفغانستان ، أربع سيارات كانت مليئة بالمال ، و جزء آخر من الأموال حاولوا وضعه في مروحية ، لكنها لم تستوعبها ، فبقي جزء من الأموال ملقى على أرض مدرج الإقلاع” .

وسائل الإعلام العالمية أكدت ، نقلا عن طالبان ، سيطرة الحركة ، في وقت سابق ، على أكثر من 90٪ من مباني الحكومة الأفغانية و القصر الرآسي ، و جميع نقاط التفتيش الرئيسية في كابول ، إضافة إلى سيطرتها على جميع المعابر الحدودية .

و لا زالت القوات الأمريكية متواجدة بمطار كابول الدولي الذي يعرف حركة فرار جماعية من القادم من الأيام بعد عودة الحركة للسلطة ، و عودة التشدد بالتالي للشوارع ، و تسعى القوات الأمريكية إلى تأمين إجلاء الموظفين الأمريكيين و موظفي دول حليفة جوا ، فيما أعلن عن تعليق الرحلات التجارية .

وسائل الإعلام من داخل كابول أشارت إلى أن الحركة أزالت علم أفغانستان من علا القصر الرآسي ، كما أكدت وكالة الأنباء الإسلامية الأفغانية الرسمية أن مقاتلي الحركة دخلوا القصر الرئاسي ، مساء الأحد ، بعد أن “وافقت” قوات الأمن المتمركزة في القصر على “دعوة طالبان للسلام” .

و للإشارة فحركة طالبان يترأسها حاليا “هبة الله أخوند زاده” ، و الذي تولى رآستها منذ شهر مايو 2016 ، بعد أن تم تعيينه من طرف مجلس شورى الحركة خلفا للزعيم “أختر محمد منصور” الذي قتل خلال غارة نفذتها إحدى الطائرات بدون طيار الأمريكية في 22 مايو من سنة 2016 ، و قد شغل منصب رئيس المحكمة العسكرية في كابول خلال فترة حكم مؤسس الحركة “الملا عمر” .

يشار إلى أنه قبيل اجتياح طالبان لكابول كانت قد وقعت مع الحكومة الأفغانية اتفاق سلام في الدوحة القطرية برعاية أمريكية في 29 فبراير/ شباط 2020 ، مما عد انتصارا كبيرا للحركة ، إلا أن الحركة قررت استعادة الحكم بالقوة منذ فاتح مايو / أيار من سنة 2021 ، لتستعيد السيطرة على العاصمة بعد 20 سنة من إخراج الأمريكيين لها منها ، بعد سنوات حكم تميز بالتشدد امتد من سنة 1996 و إلى غاية 2001 ، فيما لم تحرك الولايات المتحدة أي ساكن في مجريات الأحداث الجارية بل وقفت وقوف المتفرج على اندحار حلفائها .

مشاهد مأساوية حملتها مواقع التواصل الاجتماعي لتعلق أشخاص بطائرة عسكرية أمريكية ، و هي على وشك الإقلاع ، أثناء اجتياح آلاف الأفغان أرضية المدرج أملا في الحصول على فرصة و وسيلة فرار بعد سيطرة طالبان على أفغانستان ، و الفوضى العارمة على مدرج المطار حيث يحاول أفغان تسلق السلالم المؤدية إلى الطائرات ، كما يظهر من خلال هذا الشريط مشاهد لمئات الأشخاص و هم يركضون بالقرب من طائرة نقل عسكرية أميركية تتحرك استعدادا للإقلاع ، بينما يحاول البعض بعملية انتحارية التشبث بجوانبها أو بعجلاتها ، قوة التدافع على المطار أجبرت القوات الأميركية على إطلاق النار في الهواء ، وفق ما أوردته بعض الأنباء الواردة من هناك .

في سياق متصل ، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أنه تم تأمين محيط المطار ، و إرسال 6000 جندي لإجلاء حوالي 30 ألف دبلوماسي أميركي و مدني أفغاني تعاونوا مع الولايات المتحدة يخشون من انتقام طالبان ، فيما طلبت السفارة من المواطنين الأمريكيين و عملائها من الأفغان “عدم التوجه إلى المطار” .

ميدانيا يسود الهدوء سائر أنحاء العاصمة ، اليوم الاثنين ، فيما يسير مقاتلو طالبان دوريات في الشوارع و يقيمون نقاط تفتيش في العاصمة كابول ، و في هذا الشأن دعا “الملا عبد الغني برادر” أحد مؤسسي طالبان مقاتلي الحركة إلى “الانضباط” ، حيث قال من خلال مقطع من شريط فيديو “الآن حان الوقت للتقييم و الإثبات، الآن علينا أن نظهر أن بإمكاننا خدمة أمتنا و ضمان السلام و رغد العيش” .

مشاهد فوضى المطار و اضطراب الأمريكيين و اندحارهم تعيد للأذهان أحداث سنة 1975 و سقوط “سايغون” في فيثنام ، و إن كان وزير الخارجية الأمريكي “أنطوني بلينكن” قد رفض مثل هذه المقارنة بقوله لشبكة (سي إن إن) “هذه ليست سايغون” .

محرر الشؤون الدبلوماسية في صحيفة “الغارديان” البريطانية ، باتريك ونتور ، قال “لدى طالبان 80 ألف من المقاتلين مقارنة بـ 300 ألف و 699 جنديا بالاسم يخدمون الحكومة الأفغانية ، و مع ذلك فقد تم اجتياح البلاد بأكملها فعليا في غضون أسابيع ، بينما استسلم القادة العسكريون دون قتال في غضون ساعات” .
فلماذا سقط الجيش و الشرطة الأفغانية خلال ساعات على الرغم من إنفاق 88.3 مليار دولار أمريكي على جهود إعادة الإعمار ذات صلة بالأمن في أفغانستان حتى شهر مارس من سنة 2021 ؟ .

نفس الكاتب يقول إن “هيئة الرقابة حذرت مرارا و تكرارا من الآثار المدمرة للفساد داخل القوات الأفغانية التي لم تتمكن من الحفاظ على قوتها و استعدادها القتالي بشكل موثوق” .

فيما عزت صحيفة “الأندبدنت” البريطانية الفشل إلى “القرار الكارثي للولايات المتحدة بسحب قواتها بحلول الذكرى 20 لهجمات 11 شتنبر/ أيلول الشهر المقبل” مشيرة إلى أنه “ليس لدى جونسون أي أساس للاعتقاد بأنه سيتم الحفاظ على مكاسبه الحيوية ، لا تثق الحكومة في حفاظ طالبان على سلامة الدبلوماسيين البريطانيين ، الذين يتم إجلاؤهم على عجل ، فكيف يمكن أن تثق بوعد الجماعة الأصولية بعدم العودة إلى حكم العصور الوسطى الهمجي؟” .

فيما نقلت الصحيفة عن “توم توجندهات” ، الذي يرأس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم البريطاني ، قوله إنها “بوضوح أكبر كارثة سياسة خارجية منفردة” منذ أزمة السويس سنة 1956 .

على صعيد المواقف الدولية فقد تميزت بالتباين ، فالخارجية الباكستانية قالت إنها ستواصل “دعم الجهود من أجل حل سياسي في أفغانستان” .

فيما قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان ، إن “هناك واجبات حيوية تقع على عاتق باكستان لإحلال السلام و الاستقرار في أفغانستان ، التي اشتد فيها الصراع في الآونة الأخيرة” .

و ذكرت شبكة “سي بي أس نيوز” أن “السفير الأميركي لدى أفغانستان غادر مقر السفارة الأميركية ، حاملاً معه العلم الأميركي إلى مطار كابول” ، كما قررت وقف أعمال جميع القنصليات ، قائلة إن الوضع الأمني في كابول “يتغير بسرعة ، بما في ذلك عند المطار الذي ترد منه تقارير عن دوي أعيرة نارية” .

وزير الخارجية الإيراني السابق ، محمد جواد ظريف ، قال في تغريدة له عبر “تويتر”، إن “العنف و الحرب كـ “الاحتلال”، لا يمكنهما حل مشاكل أفغانستان” ، فيما أكد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ، سعيد خطيب زاده ، أنه “لم يتم إغلاق السفارة الإيرانية في كابول ، و أنها تواصل عملها ، لكن تم تقليص نشاطها” .

و قد أجلت السعودية جميع أعضاء بعثتها الدبلوماسية في العاصمة الأفغانية ، و هو نفس الموقف الذي أعلنته إيطاليا و كندا ، فيما أكدت ألمانيا وجود مواطنيها في المطار في انتظار الرحيل اليوم ، فيما أكد الاتحاد الأوروبي عمله من أجل ضمان سلامة موظَّفيه الأفغان في كابول .

من جانب آخر قالت الرآسة الفرنسية إن “الأولوية الفورية و المطلقة في الساعات المقبلة هي أمن الفرنسيين الذين تم استدعاؤهم لمغادرة أفغانستان ، فضلا عن أفراد القوات الفرنسية و الأفغانية .

و نقلت وكالة الإعلام الروسية عن وزارة الخارجية الروسية قولها إن “موسكو لم تعترف بعد بمسلحي طالبان سلطةً قانونية جديدة في أفغانستان” ، مؤكدة استعدادها للعمل مع الحكومة الانتقالية في أفغانستان ، حيث قال “نيكيتا إيشينكو” ، المتحدث باسم السفارة ، إن “الوضع في كابول لا يخلو من التوتر ، لكن لا توجد أي أعمال قتالية في المدينة” ، مضيفا أنه “لا توجد تهديدات للسفارة ، و لا حاجة إلى إجلاء” أفراد البعثة .

التعليقات مغلقة.