الاعتداء على مراسل “أصوات” لن يسكت الصوت بل سيزيده توهجا و فضحا

بقلم : محمد حميمداني

 

واقعة الاعتداء على مصور جريدة “أصوات” تحمل إلى الواجهة البون الشاسع بين الخطاب الرسمي و التغييرات الجوهرية التي تحاول الرفع من منسوب الحريات و ضمنها حرية التعبير عن الرأي و الصحافة ، لكن في الجهة المقابلة تبرز حقيقة إرادات ذبح هاته الحريات من قبل أعداء الحرية و الديمقراطية الذي يستعملون القمع وسيلة لإخراس الأصوات المعبرة و الصورة الناقلة للحقيقة ، كما أنها تنذر بتقديم خدمات مجانية لأعداء قضايا الأمة و المصالح العليا للبلاد ، و المساهمة بلا وعي أو بوعي في دعم أبواق الدعاية المغرضة التي تستهدف الوطن و وحدته .

إن حماية الصحافيين أثناء أدائهم لمهامهم تبقى من الأولويات المطلوب الدود عنها رسميا و شعبيا باعتبار أن هذا الحق يشكل رافعة للرقابة ترسيخ دور المؤسسات و القطع مع دبر الفساد السياسي و الأخلاقي و الاقتصادي و الاجتماعي ، اعتبارا لجسامة المهام الموكلة للعاملين ضمن هذا الحقل.

إن المطلوب القطع مع العقول المغلقة التي تعرقل السير الطبيعي لقطار الحريات و التنمية اللذان يبقيان متلازمين ، و نحن نتفق مع ما سبق أن صرح به رسام الكاريكاتير العالمي “باتريك تشابات” الذي قال “نحن نعيش في عالم مفتوح مع عقول مغلقة” ، فبالفعل فإن وجود هاته العقول المغلقة ينتج عنه قتل كل بسمة أمل لإشراقة حرية و تعبير عن الرفض لواقع الفساد.

إن استهداف الصحافيين أثناء أدائهم لمهامهم في سياق الاحتجاجات و النقد هو بهدف ثنيهم و إسكات أصواتهم الرافضة و الفاضحة عبر تعزيز لغة الإرهاب التي لا يعرف عباد المصالح الشخصية سواه ، و خدمة أبعاده العامة و المتمثلة في إسكات كل صوت رافض للظلم و القهر و المصالح العليا للبلاد ، أي أنه إسكات لصوت المجتمع ككل و ضمنه المجتمع المدني و أدوات التعبير من خلاله.

إن المطلوب هو بناء دولة المؤسسات لا دولة القبيلة و العصبيات و المصالح ، أي أن الدولة مطالبة بالضرب بيد من حديد لهاته المسلكيات الشاذة ، الخارجة عن حركة التاريخ و تكريس الحوكمة على كافة المستويات ، و إخضاع الجميع للمساءلة ، سواء كان فاعلا مباشرا أو غير مباشر ، و لقد كانت الرئيسة السويسرية “سيمونيتا سوماروغا” على حق حينما قالت إن حرية الصحافة “ليست شيئا يمتلك فقط ، بل هو شيء ينبغي الدفاع عنه و الاستمرار في الدفاع عنه” ، لأن انتهاك هذا الحق في عصرنا الراهن يعني المزيد من الظلم و الفساد و القتل المباشر و غير المباشر دفاعا عن المصالح الشخصية للقبيلة و العشيرة و العصبيات .

نعلم جيدا أن المعركة من أجل الحرية هي معركة طويلة ضد أعداء التغيير و البناء ، و أن المطلوب هو توفر البنية التحتية للديمقراطية التي يتم الدوس عليها عند كل محطة وطنية ، و العمل على دعمها بشكل أنجع من خلال ضمان المزيد من استقلاليتها لتتمكن من أداء مهامها ، و الضرب بقوة على كل من يحاول المساس بصورتها المشرقة  .

إن المطلوب أكثر هو القطع مع منطق “العصابات الأخلاقية” التي تحاول التنمر على الآخرين بوسائل مختلفة لكنها تجتمع في معاداة التغيير و البناء الوطني و الديمقراطي.

التقارير الرسمية تؤكد على توفير كافة الضمانات الدستورية و المؤسساتية لممارسة الحريات و ضمنها حماية حرية الصحافة ، و تعزيز حرية الرأي و التعبير ، و لكن المطلوب أكثر هو تجاوز “المنطق التقني” في التعامل مع تكريس هذا الحق و العمل على تنزيل كافة المقتضيات المعززة لهاته الحريات و الضرب بقوة على أيدي كل معطلة هاته الحقوق استعادة للثقة المجتمعية و المؤسساتية و تعزيزا لدور القضاء كضامن لميزان المجتمع ككل في إطار التساوي في الحقوق و الواجبات.

إن المطلوب من الدولة و مؤسساتها فتح تحقيق حول هاته الانتهاكات التي تسيء لصورة المغرب ، و تقديم الفاعلين المباشرين و غير المباشرين للعدالة تكريسا لمبدأ عدم الإفلات من العقاب ضمانا لحق دستوري انتهك في فاس ، و في واضحة النهار تنزيلا للدستور أولا و تفاعلا مع كافة التوصيات الأممية ذات الصلة بحرية الصحافة و التي وقع عليها المغرب.

كما أن المطلوب أكثر من المهنيين و الأطراف المرتبطة بالمجال الإعلامي إدانة هذا السلوك الشاذ الذي يرهن المغرب للدعاية المغرضة التي تستهدف وحدته و يعيق كل الآمال و السياسات الكبرى التي يسعى المغرب إلى جعلها منهاج حكم يومي و متابعة المؤشرات السلبية للتجاوزات التي يتعرض لها الجسم الإعلامي أثناء أدائه لمهامه و المزيد من الصرامة في حمايتهم و حماية الحريات العامة .

التعليقات مغلقة.