“المصباح” ضحية خياراته اللاشعبية و “أخنوش” رئيس الحكومة المقبلة

محمد حميمداني

كما كان منتظرا و وفقا للقاعدة الدستورية فقد كلف الملك “محمد السادس” ، عزيز أخنوش ، زعيم حزب “التجمع الوطني للأحرار” بتشكيل الحكومة المقبلة ، بعدما استطاع حزبه ، ذا التوجه الليبرالي ،  اكتساح المشهد السياسي المغربي ، بتحقيقه فوزا كاسحا خلال الانتخابات ، التي جرت يومه الأربعاء الفارط ، في الجهة المقابلة تلقى حزب “المصباح” ذا التوجه الإسلامي ، صفعة شعبية مدوية هزت عرشه الانتخابي ، و أخرجته حتى من معاقله الأساسية صفر النتيجة كما حصل في مراكش و طنجة على سبيل المثال لا الحصر ، هزيمة لم تفاجئ المتتبعين ، و لكن المفاجأة كانت في شدة وقعها و الرقم المتدني المحصل عليه و الذي عد محاكمة شعبية لخيارات هاته الحكومة اللاشعبية ، و هو الحزب الذي حصد الأغلبية خلال ولايتين متتاليتين ، فيما حافظ حزب “التراكتور” الذي كان ضمن خانة المعارضة في التجربة السابقة على نفس المرتبة الثانية التي حققها خلال الاستحقاقات الفارطة ، و هي أغلبية مريحة ستسهل مهمة “أخنوش” في بناء تحالف مريح ، تأسست بوادره حتى قبيل الانتخابات على الرغم من الزوابع التي أثيرت مؤخرا بين مجموعة من المكونات السياسية ، مع تسجيل نسبة العزوف عن المشاركة في العملية الانتخابية التي تبقى جد مرتفعة و التي تؤكد أن هاته الأغلبية الصامتة هي أكبر قوة انتخابية ، و هي تعكس حالة “انعدام الثقة” بين المواطنين ، خاصة الشباب منهم ، و المؤسسات .

 

و هكذا فتبعا للنتائج المعلن عنها من طرف وزارة الداخلية فقد تصدر حزب “التجمع الوطني للأحرار” حصاد المشهد السياسي المغربي بعد هذا اليوم الانتخابي ، عقب حصوله على 102 مقعدا ، فيما حافظ  حزب “الأصالة و المعاصرة” الذي يقوده “وهبي” على المركز الثاني الذي حققه خلال الاستحقاقات الانتخابية الماضية بحصوله على  87 مقعدا ، متبوعا بحزب الاستقلال الذي نال 81 مقعدا ، فالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي ظفر على 34 مقعدا ،  متبوعا بالحركة الشعبية التي حصدت 28 مقعدا ، فالتقدم و الاشتراكية الذي نال 22 مقعدا ، فالاتحاد الدستوري ب 18 مقعدا ، فيما أصيب حزب العدالة و التنمية بانتكاسة كبرى باندحاره إلى المركز الثامن بعد حصوله على 13 مقعدا فقط ، فيما تقاسمت أحزاب أخرى المقاعد العشر المتبقية .

 

سياسيا ، و بمنطقي الربح و الخسارة ، فقد اعتبر حزب “الحمامة” أكبر المستفيدين من نتائج هاته الانتخابات بعد تمكنه من ضمان أغلبية مريحة و حصول حلفائه على نتيجة جد هامة ستمكن “عزيز أخنوش” من بناء الحكومة المقبلة بلا عناء و خارج حتى الأمد القانوني الممنوح

 

“المصباح” الذي شكل قوة انتخابية هامة خلال عشر سنوات الماضية من خلال ولايتين انتخابيتين اندحر ، في نتيجة عكست سقوطه داخليا و شعبيا ، فبعد أن حصد خلال استحقاقات 2016 الانتخابية 125 مقعدا ، تهاوى نجمه خلال هاته الاستحقاقات إلى أسفل السافلين مكتفيا بالمركز الثامن و 13 مقعدا فقط ، ليفقد حتى إمكانية تشكيل فريق برلماني .

 

هاته النتيجة تعد الأسوأ في تاريخ هذا الحزب ، ذا المرجعية “الإخوانية” ، منذ أول مشاركة له سنة 1997 و التي حصد خلالها 9 مقاعد  ، و لم تقف انتكاسات أقطاب الحزب على طرف دون آخر بل أصابت حتى زعيم الحزب و رئيس الحكومة “سعد الدين العثماني” الذي لم يستطع ضمان مقعده النيابي في واقعة دائرة “حي المحيط” بالرباط الحارقة و التي جرفته منهية بذلك دوره السياسي ، و هي الدائرة التي لجأ إليها هربا من هزيمة كانت متوقعة بقلعته الأصلية مدينة “المحمدية” .

 

في الجهة المقابلة لهذا المشهد الدرامي ، فإن الرابح الأكبر في مسرحية الانتخابات كان هو حزب “الحمامة” الذي انتزع 102 مقعدا ، و هو الأمر الذي مكنه من تصدر المشهد السياسي المغربي و قيادة الحكومة المقبلة التي كلف أمينه العام بتشكيلها ، إذ استطاع إضافة 65 مقعدا نيابيا إلى الحصيلة التي حققها خلال استحقاقات 2016 النيابية ، و التي حقق خلالها 37 مقعدا فقط .

 

حزب “الأصالة و المعاصرة” حافظ على توازنه الشعبي بعد أن حقق المركز الثاني الذي حققه خلال الانتخابات السابقة ، على الرغم من فقدان “التراكتور” ل 15 مقعدا برلمانيا ، حيث كان قد حصل على 102 مقعدا خلال الاستحقاقات النيابية السابقة ، فيما اكتفى خلال هاته الانتخابات بالحصول على 87 مقعدا فقط  ، نفس التصنيف حققه حزب الاستقلال الذي حافظ على مركزه الثالث ، لكن مع تحسين نسبة غلته البرلمانية التي انتقلت من 46 مقعدا المسجلة خلال انتخابات 2016 إلى 81 مقعدا التي حققها خلال هاته الاستحقاقات .

 

مجموعة من المتتبعين للشأن السياسي المغربي عزوا هذا التحسن في نتيجة “الميزان” إلى استفادته من حالة الشرخ التي عاشها “المصباح” و استقطابه لأصوات كانت تذهب لحزب “المصباح” .

 

من جهته ، استطاع حزب “الوردة” تحقيق الأهم و هو مضاعفة رقمه النيابي بحصوله على 34 مقعدا مقابل 18 حققها كان قد حققها خلال الانتخابات الماضية ، فيما حافظت “السنبلة” على ترتيبها الخامس بـعد حصولها على 28 مقعدا ، أما حزب “الكتاب” فقد حقق هو الآخر نتيجة إيجابية ، على الرغم من اندحار أمينه العام “نبيل بن عبد الله” في إحدى دوائر العاصمة الإدارية ، حيث تربع الحزب على المرتبة السادسة بمجموع 22 مقعدا مقابل 12 مقعدا فقط حصل عليها خلال الانتخابات السابقة  .

 

 

و بالرجوع لهاته النتائج بالتمحيص و التحليل نلاحظ أنها عكست نقمة عارمة على حزب “المصباح” نتيجة خياراته اللاشعبية التي نهجها و رهنه المغرب لقروض المؤسسات الدولية و فقدان السيطرة على ضبط التوازنات المالية فضلا عن نهجه السياسي الذي أفقده دعم “مريديه و أنصاره” سواء في واقعة “الفرنسة و الكيف و التطبيع” ، و هي عناصر حطمت البناء الأخلاقي الذي قام عليها أسس “المصباح” و أزالت آخر المساحيق عن وجهه .

 

قيادة “المصباح” فضلت الهروب إلى الأمام ، حيث انتقدت العملية ، مشيرة إلى ما أسمته بـ “خروقات شهدتها بعض الأقاليم” و امتناع الكثير من رؤساء مكاتب التصويت تسليم نسخ من محاضر التصويت لممثلي المرشحين في عدد مهم من الدوائر ، لكن واقع “مذلة” الهزيمة جعل القيادة غير قادرة على إقناع حتى أنصارها ، و هو الأمر الذي دفع الأمانة العامة للحزب و على رأسها “العثماني” إلى تقديم استقالتها من تدبير الحزب .

 

من جهة أخرى اعتبر “عبد اللطيف وهبي” النتيجة التي حققها حزبه “إيجابية جدا” ، مشيرا ، خلال ندوة صحافية ، أن الحزب استطاع المحافظة على المركز الثاني على الرغم من الوضع الداخلي غير المستقر .

 

و على عكس لغة قيادة “المصباح” التبريرية للهزيمة المذوية ، فقد عبرت قيادات وازنة داخل الحزب عن نظرة واقعية واصفة “الهزيمة” ب “المؤلمة ” و”القاسية ” و النتائج ب ” الكارثية” ، كما أن الأمين العام السابق للحزب و رئيس الحكومة الأسبق “عبد الإله بنكيران” قد حمل القيادة المسؤولية فيما آلت إليه أوضاع البيت “الإخواني” داعيا “العثماني” إلى تقديم استقالته ، واصفا ما حدث ب “الهزيمة المؤلمة” ، داعيا إلى عقد مؤتمر استثنائي لتقييم الوضع و بناء المستقبل .

 

ووقوفا حول النتائج المسجلة سواء من طرف “الحمامة” أو حلفائها المقربين ، فإن مهمة رئيس الحكومة المعين ” عزيز أخنوش” تبدو سهلة في تدبير المستقبل الحكومي بعد أن تم تعيينه لتشكيل الحكومة وفق المادة 47 من الدستور المغربي التي تنص على أن الملك “يعين رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب و على أساس نتائجها” ، و في هذا السياق أعلن “أخنوش” بدأه عقد مشاورات مع كافة الأطراف السياسية لإدارة الأفق السياسي المقبل و التحالفات الممكنة لهاته الإدارة .

التعليقات مغلقة.