الديمقراطية في زمن خدمة فنادق خمس نجوم الواقع و السؤال الرسمي

بقلم : محمد حميمداني

 

ما نعرفه عن الاختفاء أنه يكون قسريا أو مرضيا بسبب حالة “الزهايمر” أو خلل ما يصيب الدارة السيكولوجية ، لكن الظاهرة الأكثر شيوعا بعد كل جوقة انتخابية هي ظاهرة الاختفاء المحتفى به و المنعم و المبجل في فنادق و فيلات خمس نجوم مع ما يصاحب كل ذلك مما لذ و طاب من المأكل و المشرب بجميع أصنافه ، الحلال منه و الحرام ، و حتى لوازم “القعدة” ، ما دامت المصلحة تقتضي تحمل المصاريف إلى حين يوم الحساب .

نحن هنا لسنا أمام اختفاء مرتبط باحتلال بلد ما أو وضع استثنائي يصاحب بالتصفيات كما وقع في العراق سنة 2003 أو ليبيا و هلم جرا .

لسنا أمام اختفاء مدان كونيا باعتباره رديف الاختطاف و الحجز و الاعتقال غير المعلن عنه ، أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية من جانب جهات مجهولة سواء كان ذلك على أيدي موظفين تابعين للدولة أو أشخاص يتصرفون بإذن من الدولة أو موافقة منها ، وفق ما يحلو للأمم المتحدة اصطلاحه في الملف .

إننا في الحالة المغربية أمام حالة اختفاء إرادي ، غير قسري ، مع ما يصاحب كل ذلك من أشكال البذخ اللازم للجلسة و للترويح عن النفس بكل ما تشتهي النفس إلى حين حلول يوم حلب البقرة و تقديم قرابين الطاعة لأولي النعمة ممن وفروا هذا الاختطاف الشهي اللذيذ المليء بكل اللوازم و مستلزمات الجلسات التي لا بد منها ، و في الجهة المقابلة يخلق حالة تيهان للعائلة نتيجة سرعة التنفيذ و دقته و قطع المنفذين كل علاقة للمخطوف بالعالم الخارجي ، كما هو حال مستشارة مراكش التي تتساءل عائلتها عن مصيرها التي اختفت بعد فوزها في الانتخابات الجماعية ، و فشل كل محاولات العائلة للاتصال بها لأن هاتفها مغلق ، كما نقل ذلك محمد الغلوسي ، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام.

هل سنكون أما حالة اختطاف يستلزم تحريك القوانين الوضعية الوطنية أو الدولية و اعتماد إعلان 1992 المتعلق بالإعلان العالمي لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري” ، أو اتفاقية 2006 لحماية جميع الأشخاص من هذا الاختفاء القسري.

بطبيعة الحال لن نطالب الدولة المغربية الانضمام إليها و المصادقة عليها لأن المغرب جزء من المنظومة الدولية الموقعة على الاتفاقية التي دخلت حيز التنفيذ منذ سنة 2010 ، و لكننا أمام عملية تتعلق بأبعد من ذلك ، أي أنها تتعلق بالحقوق و الحريات و المساواة في اتخاذ المواقف و القرارات التي لا ترتبط بأشخاص بل بمؤسسات تدير مستقبل البلاد و العباد و يجب أن تخضع لتكافؤ الفرص على قاعدة القدرة و الكفاءة و الروح الوطنية لا مستلزمات “الشكارة” و “التكريعة” و فنادق خمس نجوم مع الخدمة المميزة.

إن الاختفاء القسري يقتضي مساءلة الجهات موضوع الضلوع فيه ، لأن القانون الدولي يعتبره جريمة ضد الإنسانية ، فيما العرف الوطني في الأنظمة ذات الالتزامات الديمقراطية فيعتبر تأثيرا على مجريات الحرية و تزويرا لإرادة شعبية و قتلا لشروط التنافس الديمقراطي الحر ، و هو ما يستلزم مجابهته بأقسى العقوبات و الحرمان من الحقوق السياسية ، مساهمة من الدولة في التربية على المواطنة و الحقوق و الديمقراطية الحقة التي تعني في النهاية تحقيق الأمن القضائي إلى جانب الأمن النفسي و السياسي و الوطني ، لأن ملاحقة هاته المسلكيات التي تعيق البناء معناه محاربة سيطرة المال على الشأن العام ، و بالتالي انتشار سيول الفساد التي تقضم كل ما تبقى من أحلام بناء مستقبل شفاف لكل المغاربة على قدم المساواة.

وضع مرضي يصاحب كل عملية انتخابية و هو الأمر الذي دفع مجموعة من الهيئات الحقوقية إلى استنكاره ، حيث أدانت هاته الهيئات قيام بعض الأحزاب السياسية مباشرة بعد الإعلان الرسمي عن النتائج الانتخابية للاستحقاقات الجماعية الأخيرة بتهريب مجموعة من المنتخبين و المنتخبات إلى مدن بعيدة و “احتجازهم” في منتجعات سياحية إلى حين موعد انتخاب الرئيس و نوابه .

مضيفة أن هاته الأحزاب تعمد إلى تحصين أولئك المستشارين الذين يزنون ذهبا و منعهم من التنسيق الانتخابي مع الأحزاب السياسية المنافسة على كرسي الرئاسة بالجماعات الحضرية و القروية .

وضع اعتبره ، محمد الغلوسي ، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام ، بأنه يجسد هشاشة النخب الحزبية و ضعفها و التي ساهمت بسلوكها الهجين هذا في تسليع العمل السياسي و جعله مجالا للتجارة و السمسرة ، معتبرا أن هؤلاء المستشارين هم “رهينة” في يد بعض “شناقة و سماسرة الانتخابات ، منتخبون يرون في الانتخابات مجرد حرفة لتحقيق المصالح و الحصول على امتيازات خاصة .

التعليقات مغلقة.