ليالي الحصاد..في الذاكرة الشعبية الامازيغة..منطقة تازناخت نمودجا ⴰⴹ ⴰⵏⵏ ⵜⵎⴳⵔ ⴰⵣ ⵖ ⵓⵙ ⵡ ⵉⵏⴳ ⵎ ⴰⵎⴰⴷⴰⵏ ⴰⵎⴰⵣ ⵉⵖ ⵜⴰⵣⵏⴰⵅ ⵜ ⵙ ⵜ ⵎⴰⵜⴰⵔ ⵜ

الباحث الحسن اعبا

الباحث الحسن اعبا

 

 

ما أجمل وما أروع تلك الأيام ..ليالي الحصاد..في القرى المجاورة لمنطقة “تازناخت”، وما أبدع أشعارها الخالدة التي بقيت مسجلة في ذاكرة الإنسان الأمازيغي بالمنطقة وبمداد من الإعجاب والتقدير..

 

نعم إنها الذاكرة الجماعية التي ما زالت تحتفظ بهذه الأشعار رغم دخول التكنولوجيا، ودخول آلة الحصاد التي لم تسمح للرجال والنساء أن يبدعوا في هذه الطقوس. إنها طقوس ليالي الحصاد..اضان ن تمگرا.

 

يبدأ موسم حصاد محصول القمح مع بداية كل صيف أو في الوقت الذي يشعر القروي بأن السنابل لم تعد قادرة على حبس خيرها فيها، مناديةً عليه “حان جني الخير أيتها الأيادي السمراء”. تبدأ العائلة بإعداد العدة للعرس الذي يؤمهُ الناس دون دعوة، ليكونوا ممن يساهمون في المساعدة والمشاركة في جني الخير للغير، لأن العرس القروي سيمر بهم أيضاً وسيتجمع الآخرون لمد يد العون و”الفزعة”.  

 

وما أن تبدأ شمس الصيف بإعطاء لونها الذهبي لسنابل القمح المُحملة بالخير و”المونة” والمائلة بتواضع للأيادي المتعبة والمتشققة من تعبٍ دام عقودا، حتى يبدأ المزارعون و”الحصادون” بالتحضير لموسم الحصاد الذي كان نتاج عمل وتحضير منذ ما قبل الشتاء، وخلاصة الموسم الزراعي في معظم قرى المملكة، فموسم الحصاد من أجمل الترانيم الأردنية عبر الأزل ولها طقوس محملة بالتعب واللذة، لكن في زمننا الحالي لم يترك التطور لحصادينا خياراً آخر إلا أن تدخل بيوت الحجر الطينية وتنزع المنجل من بين يديهم وتتدخل الآلات الحديثة بالموسم السنوي ويتغير لحن الترانيم العابقة بأصوات الاختيارية والعجائز” المبحوحة.   

 

ولموسم الحصاد قصة أجداد، وتاريخ أحياء قروية محملة بالذكريات عن روعة الموسم وسِمة التعاون بين أبناء القرية الواحدة في حصاد القمح عند أحدهم، لتبدأ دورة متماسكة بين البيوت لحين الإنتهاء من جمع الغلال ومونة الشتاء الذي يتحول بين يدي حاصديهِ ونسائهم الى الخبز الذي هو ضرورة الحياة وغذاء الغني والفقير، لكن مع تغير الحياة وتطورها تغيرت صور كانت في السابق من أجمل الصور، التواصل والعطاء والشعور بلذة التعب والانتظار لما ستجنيهِ أيديهم من جهدهم، يتحرك المنجل، بخفة بين اليدين اللتين تجمعان الخير من الأرض الطاهرة لوضعها في البيوت التي تعتبر القمح هو المصدر الرئيسي والأساسي لغذائها وتصريف باقي أمور الحياة، فيبيعون جزءا منه ويخبئون الجزء الأكبر في أكياس “شوالات الخيش” المُعدة مسبقاً لهذه الغاية لتكون مونة العام المقبل كاملاً.

 

لكن أين هو المنجل الآن؟. فالمنجل للذين لا يعرفونه هو الأداة الحادة التي تأخذ شكل القوس لتكون عوناً للمزارع في عملية قطع السنابل من أسفلها. نبحث عنه لنجد أنه لم يعد له مكان بين الآلات الكبيرة المتطورة، وقد نلمحه معلقاً في زوايا أحد البيوت كمنظر تراثي وصورة من صور الماضي فقط، متناسين أن هذا المنجل شارك آباءنا وأجدادنا في بناء البيوت وإطعام الأطفال الذين كانوا يقفون بالقرب من الحصادين عند غروب الشمس وانتهاء الحصاد علّهم يحصلون على قليل من القمح مما تمن به نفس أجدادهم ليستبدلوها بقليل من حلوى تلك الأيام.

 

ومن الأدوات الأخرى الداعمة لعملية الحصاد هي “الشاعوب” كما يسميه القدامى ، وهي عبارة عن أداة تستخدم في فصل حبوب القمح عن باقي أجزاء السنبلة عن طريق نثرها في الهواء لتتدخل الطبيعة ونسماتها في هذا السعي من أجل الرزق.  

 

ورغم العناء الذي يتخلل عملية الحصاد، إلا أنها كما يؤكد كبار السن الذين مارسوها لسنوات طويلة أن “تلك الأيام كانت من أجمل الأيام التي مرت بهم خلال حياتهم المفعمة بالذكريات العتيقة رغم صعوبة العمل خلال النهار الطويل من بزوغ الفجر ولغاية غروب الشمس”التي تذكرهم بأن عليهم العودة الى البيت العتيق لقليل من الراحة استعداداً ليوم آخر من “التعب المريح ذهنياً”.  

 

على مساحات شاسعة من بلادنا شمالاً وجنوباً تنتشر السنابل المحملة بلونها الذهبي الدافئ وكأنها لآلئ ذهبية بعد أن كانت بساطاً أخضر يغطي الأراضي التي ستصبح بعد فترةٍ قليلة جرداء بانتظار موسم عمل وزراعة ومحاولة لبسط الغطاء الأخضر ليتحول إلى اللون الذهبي مرة اخرى بعد الشتاء القادم.   

 

موسم الحصاد هو صورة وأحد طقوس الفلاحين الذين لم يتوانوا في حمل السلاح يوماً ما للدفاع عن بلادهم وأرضهم وحصادهم بنفس اليد التي حملت المنجل دون كلل وملل، مما عكس على قوتهم الجسدية وصفاء ذهنهم لغاية الآن لأنهم لم يكن لديهم همٌ سوى بذر القمح وانتظارهِ ليصار الى حصادهِ وجمعهِ لكي تعتاش منهُ أجيال متعاقبة، فلم يكن “الموبايل” هدفهم ولا حتى الدخول الى عالم الإنترنت المرهق حتى وأنت في مكانك، بل كانوا يبحثون عن النوم مساءً دون تفكير بما سيحملهُ الغد المشرق بنظرهم.

 

ومن الاشعار الامازيغية المنقرضة قصيدة..تامگرا..الحصاد..الباحث والشاعر الحسن اعبا

 

هده القصيدة الرائعة تدخل في إطار الشعر الأمازيغي المنقرض .وهو شعر جماعي لم نعد نسمعه للأسف الشديد.هدا النوع من الأشعار ما زال مكتوبا بمداد من الإعجاب والتقدير في ذهن الإنسان الأمازيغي بالجنوب الشرقي. إن دخول الالة لم يترك الفرصة لهذه الأشعار أن تظهر من جديد..إنه شعر قديم يخاطب العاطفة والوجدان ويتميز بلحن جداب يخاطب العاطفة الجياشة، فما أحوجنا ادا لمثل هذه الأشعار، أشعار ليالي الحصاد.. تامگرا.. عندما يخرج الناس على اكتافهم المناجل فلا تسمع متكلما أمام دار ، و لا تسمع الا لتلك الأشعار الحنونة فيا ليث هذا الشعر يعود يوما. وإليكم هذه القصيدة الأمازيغية القديمة المنقرضة قصيدة…ليالي الحصاد..تامگرا..
الاه الاه اياوال نربي
يانت يادرن ؤر ئيوي دنوبي
الاه الاه اياوال نربي
ؤر گيس اساون والا تابريدا
اتاگرامت الالا زيزا
يان كمد ئيزورن ؤر ئيوي دنوبي
ئيفكا بناصر امود ئيتميزار
ئيفكاس امان ماس ئيسا ئيمندي
الاه الاه اياوال نربي
يانت ئيتينين ؤر ئيوي دنوبي
الاه الاه ئيغ ئيدا ؤكابار
ياوي اراو نس ؤرتن ياد سيگلن
ئيشتن ليحوش ئيغد ئيكا ف تيزا
الاه الاه ئيغ ئيدا ؤكابار
ئينيد ئيسان ياسيك ايمندي
الاه الاه ئيغ ئيدا ؤكابار
ئيكد ازاغار ئيلكم تيگوگا
اتيگوگا اسيروا غ وازال
اراد امان اتسوت ايمندي
الاه الاه ئيغ ئيدا ؤكابار
ياويد امود ئيسوك ايمندي
ئيغ ئيرا يان ايفتو س ؤمناگور
ياسي تيني ياسيك ايمندي
اتامگرا تامگرا تين ربي
يان ئيكرزن ئيمگرك ايمندي

وكخلاصة عامة يمكن القول لتسلم تلك الأيادي السمراء الخشنة، لكنها أكثر نعومة من أيامنا التي باتت تعرفها السنابل الباحثة عنها فهذه الأيادي هي أكثر حناناً ورقةً عليها من الآلات الحادة وعجلات الحصادة الآلية، وتعرفها المناجل وحتى الشمس الشاهدة على حبات العرق التي كانت تروي الأرض قبل حبات المطر.

-المراجع

…من الذاكرة الجماعية ..من ليالي الحصاد بمنطقة تازناخت ونواحيها.

التعليقات مغلقة.