الموسيقى رسالة الأخوة و الأمل في الإنسانية في النسخة 10 للموسيقى الروحية من قلب كاتدرائية ستراسبورغ

ستراسبورغ فرنسا / الأستاذ : الحاج نور الدين أحمد بامون 

ستراسبورغ فرنسا / الأستاذ : الحاج نور الدين أحمد بامون 

 

مقدمة افتتاح الطبعة العاشرة للموسيقى المقدسة بالعالم 2021 بكاتدرائية سيدتنا بستراسبورغ بفرنسا. 

في حفل بهيج إنطلاقا من أماكن العبادة بعد مبادرة مسجد ستراسبورغ الكبير، جاء دور كاتدرائية ستراسيورغ في تنظيم مهرجان شامل جمع بين الديانات الثلاثة في مكان واحد و و وقت واحد. حفل يدعو إلى السلام والعيش في أمان. 

تمهيد: 

بعد عدة جهود مختلفة في العمل على إرساء قواعد السلم والأمن والعيش في سلام بين الشعوب باختلاف دياناتهم وتوجهاتهم وألوانهم وألسنتهم جاء دور أماكن العبادة المقدسة للديانات بستراسبورغ.  

 

فبعد مبادرة مسجد ستراسبورغ الكبير، الفريدة من نوعها واللفتة غير المعهودة في شهر الأنوار الساطعة بمناسبة إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف لميلاد الحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه، في أمسية محمدية أقيمت بالمسجد دعيت فيها الجاليات الدينية المتواجدة بستراسبورغ، يهودية ومسيحية بمعية العديد من الجمعيات والهيئات.

 

أمسية ألقيت فيها محاضرة علمية جد قيمة ألقاها فضيلة الشيخ الدكتور “ربيع فارس” أخصائي علم النفس،تطرقت للعديد من المحاور وقسمت للشمائل المحمدية برمتها، أبرز فيها عديد النماذج المحمدية، بمشاركة عنوانها أفق الأنموذج النبوي للمعنى الروحي والأخلاقي الإنساني لشخص حبيبنا وقدوتنا الحسنة رسولنا الكريم سيدنا محمد صلوات ربي وسلامه عليه. و اكتشاف التراث الديني، التاريخي الثقافي المتنوع الزاخر بكنوزه الدفينة لآمتنا المحمدية والتعريف به بكل إفتخار واعتزاز.   

جاء دور الكنيسة في لفتة إنسانية أخرى تضاف لقائمة المبادرات السابقة لمختلف الفعاليات والجهات. مبادرات مفتوحة للجميع بمصراعيها طوال السنة بتكاثف الجهود وتظافرها كل من جهته وطاقته وقدرته. بتنظيم مهرجان الموسيقى المقدسة في طبعته المخصصة للديانات السماوية الثلاثة الإسلامية. العبرية والمسيحية، مهرجان ينشد للسلم والسلام والدعوة لإحلال الأمن والأمان والطمأنينة والسكينة بين جميع الساكنة بربوع ستراسبورغ وباقي البقاع عامة. 

 

للعلم أن مهرجان الموسيقى المقدسة المقام سنويا بستراسبوغ، هو الوحيد من نوعه على مستوى فرنسا، مهرجان يقترح في برنامج المتنوع على المشاهد اكتشاف مجموعة الموسيقى للديانات الثلاثة في مكان واحد وزمان واحد. لمجموعات موسيقية من ثلاث ثقافات روحانيات وديانات مختلفة، كل حفل موسيقي هو رسالة أخوة وسلم. 

فعاليات حفل المهرجان: 

عاشت كاتدرائية سيدتنا بستراسبورغ أمسية موسيقية ببرنامج ثري ومتنوع، دعا فيه الموسيقيون ضيوفهم في العاصمة الألزاسية إلى هذا الحفل المليء بالألوان المتعددة والأصوات الجميلة والمختلفة عن بعضها، للاحتفال بجماليات الموسيقى المقدسة في شتى بقاع العلم عموما وبالآلزاس خصوصا وبالأصوات الشجية والتقاليد الراسخة وتناغمها في قلوب الجميع الحاملة لرسالة الحب والسلم والسلام. 

 

أحيتها فرق الجاليات للديانات الثلاثة الإسلامية والعبرية والمسيحية في جو مبهر ومميز تفاعل معه الجمهور لدرجة الإنبهار للمقاطع التي قدموها والألحان المميزة المتنوعة لكلا الفرق من عزف سنفوني أو أداء صوتي سواء الفردي الثاني أو الجماعي حسب كل مقطع وإرشاد المايسترو للفرقة.  

 

بحلول الساعة الثامنة موعد الحفل الذي دعيت إليه العديد من الشخصيات والمسؤولين بستراسبورغ على المستوى المحلي والوطني، رفقة رؤساء الجمعيات والشخصيات الدينية للديانات المتواجدة بستراسبروغ إسلامية، عبرية، مسيحية، بودية و بهائيية. 

 

افتححت الأمسية بمجموعة فرقة الرسالة الوافدة من بروكسل ببلجيكا، الفرقة المختصة بالموشحات والمقامات والأناشيد الدينية، وما لها من ترانيم وأنغام أبهرت الحضور الذي تفاعل مع إيقاعها لدرجة لم يعهدها الحضور الستراسبورغي من فرقة وافدة من بعيد، لاسيما لهذا النوع من هذا الفن غير المألوف للكثير من الناس. 

حيث قدمت العديد من المقطوعات والقصائد الدينية، خاصة المتداولة في المناسبات، منها أغنية زاد النبي وأفرحنا به، الأغنية المتداولة بكثرة في إحياء المولد النبوي الشريف وباقي الحفلات، و قد عرجت على الطبوع والمقامات القسنطينية لمدينة الجسور المعلقة للفن التراثي العيساوي وانتقلت للمقامات والموشحات السورية وأغنية “لما بدا لنا يتسنى”. 

 

أغاني وقصائد منتقاة بعناية ومختارة أحسن اختيار تماشيا وذوق الجمهور، كون أن عددا من المهاجرين العرب حيث فاق بكثير الملايين. مشاركة واسعة ألهبت القاعة بحماس فياض في جو قل ما يقال عنه لم يحدث أن أجري بمكان غير الأماكن المعتادة مثل المساجد والمراكز الثقافية الإسلامية وغيرها. 

 

الرسالة في ومضة تعريفية: 

تأسست فرقة مجموعة الرسالة سنة 2007 من عناصر شبانية ذات كفاءات وقامات علمية في بروكسل ببلجيكا. هدفها الأساسي هو إيصال رسالة المحبة والسلام من خلال الأغاني الروحية التي تمجد الله والنبي محمد صلى الله عليه وسلم، لفرقة الرسالة رصيد فني يحاكي الأجيال، بحيث قامت الفرقة بتنشيط وإحياء العديد من الحفلات والمهرجانات سواء المحلية و غيرها بكل البلدان. 

 

و قد قامت بتسجيل عدة ألبومات تحت إشراف السيد “حسان بن علال”، منذ ذلك الحين، مثل مقامة المحمدية 2013، صوت البراءة 2012، أغنية الأمل 2015، درب النور 2016. 

 

في ختام وصلتها دعت الرسالة الجمهور بتحية إيقاعية ألهبت القاعة بطريقة لا تنسى و ستبقى منقوشة في الأذهان مستقبلا. 

 

فرقة الأصوات المتعددة العبرية: 

وفي ثاني مرور حلت فرقة الأصوات المتعددة العبرية بستراسبورغ بقيادة وإدارة المايسترو الدكتور “هيكتور صابو”، الأخصائي الموسيقي صاحب الألبومات المتنوعة، المؤسس، المدير الموسيقي والفني للمجموعة ومرافقة موسيقية على آلة الآورغ “لليو صابو”. 

 

و قد أقامت المجموعة ثماني وصلات موسيقية متنوعة، وكل وصلة تبهر سابقتها ويهتز لها الجمهور طربا وفرحا منها وصلة “عماتك جميلات”. و “أبونا ملكنا” و “من جيل لجيل”، وآخرها “نومنا أبونا لآجل السلم” وغيرهم. 

 

أدت المجموعة في وصلاتها مزيج صوتي بين الأديان. بإرادة هدوء ثابت، مقاطع اهتزت لها جموع الحضور تناغما و تمايلا لجمالبتها وروائعها الموسيقية، عزفا وأداء مما زاد إعجابهم بها لدرجة تفاعل البعض منهم دون شعور منه. 

المجموعة النسوية للجالية المسيحية Pluriels

عقبتها في أخر وصلة مجموعة فرقة الجمع الصوتية المسيحية بقيادة الأستاذ “جيرالد مونتمارنا”، و الجمع الصوتية هي فرقة غنائية نسائية، تجمع بين المطربين المحترفين من ذوي الخبرة والهواة الراغبين في المشاركة في مغامرة إنسانية. من خلال تقديم عروض لأجل اكتشاف الأعمال المقدسة في أوائل القرن العشرين مع تسليط الضوء بشكل خاص عليها. بحيث قدمت بهاته الأمسية بهدف إعادة اكتشاف الأعمال المقدسة من الذخيرة المسيحية لاسيما في الأداء الثنائي، و في التمازج بين الصوت والموسيقى والعزف والأداء. إلا إن خفة ونغمة الأصوات الأنثوية سمحت للجمهور بالإرتقاء إلى جماليات سلم الأنغام الموسيقية المسيحية المقدسة لمختلف الملحنين عبر المقاطع المؤداة بحناجر ذهبية صادحة، والوصلات المقدمة شنفت مسامع الحاضرين وأطربت الجميع، وصلات وقف لها الجمهور وصفق لها كثيرا من المرات المتتالية و المتكررة، من خلال تقديم تحية افتخار وتقدير واحترام للمايسترو الأستاذ “جيرالد مونتمارنا” القائد الشاب و النجم العشريني الصاعد بخطى ثابتة وتألق بثقة، وأحد ربابنة الإتقان بالكاتدرائية، سيرت المجموعة من سنة 2000 إلى 2010 من طرف السيدة “كاترين فندار” ومن 2010 الى جوان 2014 من طرف السيد “جون فليب بالمان”، وبعدها تولت السيدة “سيسيل بيانز” تسيير الإدارة إلى غاية إستلامها من طرف المايسترو “جيرالد مونتامارنا”. 

 

صدى القاعة: 

عنذ دخولك للكاتدرائية ستلاحظ أنه قد تم شغل جميع مقاعد الكاتدرائية لتمكين الجمهور والضيوف من حضور الحفل الموسيقي الذي أعطيت له أهمية كبرىلتمكين المتلقين من المشاهدة والمتابعة الشاملة لعرص المعزوفات والقطع الموسيقية ووصلات الأداء وطريقة عرضها، ومن خلال إدارة المايسترو قائد الفرقة لتمكين الأعضاء من متابعة حركات شفتيه وتعليمات يديه وسرعة قلب الصفحة للإنتقال من مقطع إلى آخر بسرعة بديهية وخفة منقطعة النظير و بتركيز يصعب تحمله ولا تطبيقه. 

 

صورة خالدة من مهرجان الموسيقى المقدسة: 

الشيء الملاحظ و الذي لا ينسى من هذا المهرجان الموسيقي الفريد من نوعه من حيث التوقيت، المكان والجمهور. هي الصورة المشرفة والمبهرة التي رسمت لوحة فنية في شكل فريسك، المكونة من جميع المشاركين للديانات الثلاثة والتي يجب تذكرها بل أرشفتها وتخزينها للذاكرة بداية من هذا المساء الطويل، تجتمع المجموعات الثلاث على خشبة القاعة في ختام ترنيمة، حيث يبدأ المسلمون واليهود المسيحيون, لنساء ورجال، مسؤولين وضيوف بمساعدة الجمهور. بأخذ صورة مشرفة بأن الحوار بين الأديان تم تجسيده و بالكامل هذا المساء، أمام جمهور عريض من السياسيين والشخصيات الإقليمية والسلطات رفقة باقي الفعاليات المجتمعية لاسيما رواد ومختصي الحركة الجمعوية الناشطة في الميدان وتسجيل بصمة الجالية الإسلامية برمتها من أئمة ومشايخ ومعلمي قرآن وطلابه ورواد المسجد للمشاركة الفعالة والبصمة التاريخية لهذا الحدث التاريخي الداعي إلى السلم والسلام. 

 

نشأة مهرجان الأيام المقدسة في ستراسبورغ: 

بدأ مهرجان الأيام الموسيقية المقدسة في ستراسبورغ سنة 2011 من طرف مجموعة من المتحمسين للنادي ولنشاطه الفني الذين تم تشكيله. إذ إستقطبت نسخة الطبعة الأولى المنظمة في شهر نوفمبر من سنة2011، ما يقرب من 4000 شخص في ثماني حفلات موسيقية متتالية. 

ومن خلال إستفساراتنا علمنا من إحدى المنظمات بأن المهرجان لا يقتصر فقط على المهرجانات الموسيقية بل يتضمن أيضا ندوات يتم من خلالها إجراء مقابلات يتم تنظيمها في مكتبة “كليبار” وسط المدينة، تناقش فيها مختلف الموضوعات بين الأديان والثقافات مع شخصيات متخصصة في القضايا الموسيقية والدينية. 

 

فكرة نشأته: 

جاءت فكرة تنظيم المهرجان مستوحاة من مهرجانات الموسيقى المقدسة لفاس في المغرب ، و ميوزيكا ساكرا إنترناشونال في بافاريا، واقتناعا من المنظمين منها بأن السلام والأخوة يتم بناؤها من خلال إكتشاف الإختلافات، بمواجهة الحساسيات في حوار فني يجمع بين الموسيقى وكلمات الأغاني لتبليغ رسالة السلام والتعايش السلمي بعيدا عن أية حساسية ولا حزازات ولا شيء من هذا القبيل. للعيش لحظات استثنائية من المشاركة والإكتشاف حول الموسيقى المقدسة في العالم، لإسعاد الجمهور الألزاسي وإخراجه نوعا ما من دائرة القلق وهاجس المخاوف المسيطرة على تفكيره و إبعاده عن الصورة القاتمة التي رسمها له الإعلام المزيف الحاقد. 

 

هدف المهرجان: 

لا يقتصر المهرجان على الحفل الساهر للموسيقى المقدسة، بل أيضا للإلتقاء بين الجاليات من مختلف الأديان رغم الإختلاف، ولاكتشاف الجميع لأماكن العبادة سواء للمسلمين بالنسبة للكنسية و المعبد، و لغير المسلمين للمسجد. 

 

الهدف من فكرة المهرجان هي الجمع بين ثقافات وديانات العالم برمتها قدر المستطاع من خلال الموسيقى لتبليغ رسالة الحب والوئام والعيش في هدوء بعيدا عن العصبية والتعصب والإبتعاد عن الآفات الإجتماعية، وذلك من خلال تقديم حفلة موسيقية بالتنسيق بين الديانات الثلاثة المتواجدة لتشكيل لوحة فنية واحدة فريدة من نوعها في فرنسا، مشكلة من مجموعات موسيقية منبثقة من الديانات المختلفة الواحدة تلو الأخرى في مكان للعبادة في ستراسبورغ، مثل المسجد، الكاتدرائية، الكنيسة أو المعبد وغيرهم. 

 

وما علمناه واستقيناه من معلومات وصرح به بعض الجمهور لنا من كانت لنا معهم دردشة وحوار عن المهرجان فقد أشادو جميعا بأنه و منذ النسخة الأولى للمهرجان. المهرجان الذي يلتقي فيه الجمهور في مكان واحد، ووقت واحد يجمع بين المؤمنين وغير المؤمنين من جميع الأديان المتواجدة بستراسبورغ، بهذا الشكل الفريد للغاية الذي يتكون من تقديم مجموعات من أصول وروحانيات مختلفة للغناء أو العزف، في نفس المساء، في نفس المكان الذي يكرم فيه الإنسجام والحوار بين الأديان. 

ومن خلال الطبعة العاشرة للمهرجان اكتشف الجمهور المتعطش للفن عامة، وللموسيقى المقدسة خاصة، كيف يستفيد من هذه اللحظات الفنية الإستثنائية لثلاث روحانيات في انسجام تام فيما بينها، لحظات جد غنية بالتعبير بإحساس صادق بأن الفن يحمل رسالة واضحة المعالم بأنه طريقا للأخوة يؤدي إلى السلم والسلام ليرسوا بشاطئ الأمن والأمان. 

 

شكرا خاص و امتنان: 

فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله، فمن الواجب الاعتراف بالجميل  فتحية شكر، شكرا جزيلا للسيدة “ليليا” على الدعوى لحضور المهرجان ولسيدي “محمد طاهيري” على الإستقبال والتوجيه وتعريفه لنا بفرقة الرسالة البلجيكية وتقديمنا لها جزاه الله خير. وللأستاذين “هيكتور صابو” و “جيرالد مونتامرنا” على إستقبالهما لنا وحوارنا.   

 

كانت هاته وقائع فعاليات النسخة العاشرة من مهرجان الموسيقى المقدسة في العالم للديانات الثلاثة من كتدرائية ستراسبورغ، التي أسدل عليها الستار في لوحة فنية جمعت كل الفرق المشاركة في صورة تذكارية و إعلان موعد النسخة القادمة خلال شهر مارس 2022 على أمل اللقاء و فتح الباب للمشاركة للراغبين في ذلك. 

التعليقات مغلقة.