على أنقاض الذكرى..

جلس على مقربة من النافذة حاملا معه أعباء سنواته عمره الستين..
استوى على كرسي خشبي داهمه الزمن..فما نجت سوى بقاياه.
كان الوفاء يدفع بالرجل للإقتراب من ماضيه و إن كسر..
جلس الرجل بهدوء يجول ببصره في السماء عبر الزجاج الذي يقيه القر..
ففي الخارج ثارت الطبيعة كمن استبد به الغضب بعد طول كتمان..
نظر بشرود نحو الضباب المنتشر بعبث بين الأشجار..فانفلتت من عينه دمعة أو هكذا ظن..

أحنى رأسه في إعياء بعد أن طافت به ذكرى السنين..
عندما كان الحب يرقص بين أرجاء بيته بسخاء..
عندما عمرت الحياة بين زواياه المتهالكة..

فعبر زجاج النافذة تراءت له ابتسامتها الهادئة الخرساء..
كانت هناك بين شوارع المدينة تمضي بعبث طفولي..إلى أن داهمها الحب فأرداها صريعة لا تكاد تلامس الشمس وجنتيها..

فآثرت الاحتماء بالظل
إلى أن صادفها ذات مرة..
كانت على بعد نفس من الرحيل..بعد أن اشتدت حولها الظلال..
أخذ بيدها و ابتعدا عن درب الخطر..
شيء ما كان يدعوه للبقاء بقربها..لعله أشفق من ضعفها..أو لعله جمالها الكئيب..

فبقيا معا..
زفتهما الحياة فاحتفى بهما الربيع..
لكن ذاكرتها ظلت عالقة في سراديب الماضي مخبأة بين ثنايا الليل..
و كثيرا ما حاولت الفصل بين لحظتين..
فراحت تنشد أغاني الفرح.. و تزرع الحب بين زوايا الحياة..
شيء ماكان يدفعها للحزن..و كأن بها إدمانا ليس يزول..
تتنكر لربيع ابتسامته و بهجه عشقه..
لعله وهم أو بقايا حب لا تزال عالقة في الأعماق..

فآثرت الرحيل ذات مساء..
غربت بعد أن أشرقت لفصول و فصول..
فارتمت في أحضان المجهول بعبث..
كان جالسا هناك قبل أن تباغته بوداع فجائي..
لكن..
أخرسه الذهول..
توارت خلف العدم..ليبقى وحيدا يصارع ذكريات حضور قريبا كان..

و كمن ينتشي بالألم اكمل سيره على أنقاض الذكرى.
و ها هو ذا يلقي بنفسه في الضباب باحثا عن ملجأ في العدم..عله يخلصه من ثقل الحضور…
فغادر كرسيه و مضى..
حاملا صمته و خيباته لا أكثر..
و لا زال السؤال يتربص به كلما داهمه المساء..

و يا لثقل السؤال..

بقلم.. هاجر زغلول

التعليقات مغلقة.