حين ينحني الألمان ويركع الاسبان على شموخ التفوق الدبلوماسي والاستخبارات المغربي بإتقان

بقلم عثمان الدعكاري

بقلم عثمان الدعكاري

 

يوما بعد يوم، يتضح جليا أن غضب المغرب من دول بالاتحاد الأوربي له ما يبرره كما أن توقيفه للتعامل والتعاون الأمني الاستخباراتي مع بعضها، وخاصة ألمانيا واسبانيا لم يأت اعتباطا، بل جاء مبنيا على حجج دامغة حول تورط نظامي هذين البلدين في التآمر على مصالح المغرب ووحدته الترابية بحيث عملا كل ما في وسعهما من أجل إيقاف التطور التنموي والاقتصادي والتفوق العسكري للمملكة المغربية والذي أصبح كابوسا يقض مضجعهم..

 

ولعل ما خرج اليوم من معلومات من خلال تسريبات استخباراتية ألمانية تحت عنوان “لا نريد تركيا جديدة بالمتوسطي” والتي تطرقت إلى الاتفاقية المغربية الإسرائيلية الأمريكية معتبرة إياها ضربة موجعة للمصالح الألمانية خاصة بدول شمال افريقيا، (ما خرج) يثبت بالحجة والبرهان تورط ألمانيا في استهداف مصالح المغرب وسعيها إلى إيقاف تطوره. ولا شك أن التسريب الاستخباراتي الألماني اعتراف من حيث يدري أو لا يدري بالقوة الضاربة للاستخبارات المغربية المنتشرة بكل دول أوروبا سواء الشرقية منها أو الغربية والتي لم تترك لألمانيا الفرصة لكي تتحرك سواء داخل المملكة المغربية أو حتى في أوروبا أو افريقيا ..

 

وهو الاعتراف الذي يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الاستخبارات المغربية كانت السباقة إلى اكتشاف التلاعب والمكر والتآمر الألماني الاسباني على المغرب مما دفع بالمملكة المغربية آنذاك إلى إيقاف أي تعاون أو تعامل أمني أو استخباراتي مع ألمانيا واسبانيا، هذه الأخيرة التي عمد نظامها إلى التورط في استقبال زعيم إرهابيي البوليساريو بأوراق وهوية مزورة تحت اسم “بن بطوش” بتواطؤ مع جار الشر النظام الجزائري العاجز الفاشل.

 

ثم إن ما جاء به التقرير الاستخباراتي الألماني المسرب ليؤكد فشل هذه الاستخبارات فشلا ذريعا في محاولاتها إشعال الفتنة والثورة داخل المغرب رغم تخطيطاتها وتكتيكها النازي من خلال محاولة أجهزتها الاستخباراتية خلق الكثير من المشاكل المركبة والمعقدة للمغرب ووقف تحركاته النشيطة في العديد من المناطق الإفريقية، وفي المقابل تحسين الصورة والدفع بأعدائه التقليدين ومنافسيه في المنطقة، كل هذا من أجل فرملة النهضة الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية للمملكة، كما لم تجد من شماعة تعلق عليها فشلها سوى التحالف الأمريكي المغربي والتقارب الإسرائيلي المغربي الذي لم تستوعبه الاستخبارات الألمانية واعتبرته صدمة قوية لألمانيا ولدول الاتحاد الأوروبي، معتبرة إياه يشكل خطرا على مصالحها وتهديدا لها على المدى القريب والمتوسط خاصة وأن منطقة شمال إفريقيا منطقة خصبة للاتحاد الأوروبي باعتبارها فضاء خصبا وملائما لتصريف منتوجاته، ونقطة عبور نحو السوق الإفريقية مترامية الأطراف.. إلا أن ألمانيا وحسب تقرير مخابراتها فشلت رغم تسخيرها أموالا طائلة في خططها الدنيئة ضد مصالح المغرب.

 

ما تسرب بألمانيا ضد مصالح المملكة المغربية لا يمكن فصله عما رفعته المخابرات الاسبانية لحكومتها من خلال تقرير سري عنوانه “سحابة حمراء فوق مدريد” يؤكد محرروه أن أمتهم الإسبانية في خطر بسبب التقارب المغربي الإسرائيلي الذي منح قوة إضافية للمغرب وتأثيرا بالمنطقة خاصة وأن اللوبي اليهودي يمثل قوة الضغط الأولى في العالم..

 

وما يخيف الاسبان حسب تقرير مخابراتهم هو ما سجلوه من حماس في تصريحات المسؤولين “الإسرائيليين” المنحدرين من أصل مغربي والذين يشغلون مناصب مهمة و حساسة في “إسرائيل” ولا يتوانون في إعلان حبهم وولائهم اللامشروط للمملكة المغربية الشريفة واستعدادهم باستمرار للدفاع عن حوزتها..

 

وبحسب التقرير المخابراتي الاسباني دائما فإن نسبة الخطر قد ارتقت من المنطقة الصفراء إلى المنطقة الحمراء بعد الزيارة التي قام بها وزير الدفاع الإسرائيلي “بيني غانتس” إلى المغرب حيث وقعت إسرائيل مع المغرب اتفاقا غير مسبوق مما سيتيح للمغرب اقتناء معدات عسكرية وأمنية “إسرائيلية” عالية التكنولوجيا، ناهيك عن تبادل التجارب والخبرات والتعاون في التخطيط العملياتي والبحث والتطوير التكنولوجي العسكري وكذا بناء قاعدة عسكرية “إسرائيلية” بالقرب من مليلية..

 

هذا التعاون العسكري “الإسرائيلي” المغربي وإن أضحى يقض مضجع المخابرات الاسبانية، فإن هناك أمورا لم تستسغها ولم تستوعبها السلطات الاسبانية من قبيل منح السلطات المغربية تصريحا بالتنقيب عن النفط في ساحل طرفاية لصالح شركة قطرية بالقرب من مياه الكناري مما أزعج الحكومة الاستعمارية المحلية وجعلها تطالب من حكومة مدريد التدخل العاجل، معتبرة العثور على النفط أو الغاز سيكون كارثيا على البيئة بالمنطقة. وكذا منح السلطات المغربية لتراخيص أخرى لشركة “إسرائيلية” للتنقيب عن النفط والغاز في مياه الصحراء المغربية بسواحل الداخلة بمياه يعتبرها المستعمر الاسباني تابعة لجزر الكناري المحتلة..

 

هذا بالإضافة إلى إقدام السلطات المغربية على بناء مزارع لتربية الأسماك بجوار المياه الإقليمية للجزر الجعفرية المحتلة الأمر الذي دفع بالسلطات الاسبانية إلى الاحتجاج لدى السلطات المغربية ومنحها مدة 20 يوما من أجل إزالة مزارع الأسماك وهو ما لم تعره الرباط أي اهتمام وتجاهلته تجاهلا تاما..

 

ولم يقف التقرير المخابراتي التحذيري الاسباني الموجه للحكومة الاسبانية عند هذا الحد بل اشتكى من تجاهل المملكة المغربية لفكرة فتح معبري سبتة ومليلية واحتج على مطالبة السلطات المغربية بتسوية أوضاع المغاربة الذين يشتغلون في سبتة ومليلية. معتبرا التحركات الإستخباراتية المغربية في المدينتين المغربيتين المحتلتين فاقت التصور وأن المواطنين الاسبان من أصول مغربية قد تحركهم المملكة المغربية ضد السلطات الاسبانية في أي وقت بسبب حبهم وولائهم لبلدهم الأم ..ولم يغفل التقرير الاستخباراتي الاسباني عن المغرب الحديث عن مشكل ترسيم الحدود البحرية مع المغرب مدعيا بأن المملكة تتجاهل وتتهرب من الجلوس إلى طاولة المفاوضات لمناقشة الأمر..

 

ختاما يمكن اعتبار ما خرج من تسريبات سواء لدى المخابرات الألمانية أو الإسبانية وإن كان بمثابة اعتراف وإقرار بالتحول المغربي والقوة التي أصبح يمثلها المغرب بشمال افريقيا وبمنطقة البحر الأبيض المتوسط سواء اقتصاديا أو تقنيا أو سياسيا أو استراتيجيا أو عسكريا، وكذا إقرار بالتفوق الاستخباراتي والدبلوماسي المغربي الذي أصبح بمثابة صخرة يكسر بفعل صلابته الدهاء الألماني والمكر الاسباني ونظرية المؤامرة الاستعمارية الألمانو اسبانية التي هوة بها الرياح إلى مكان مجهول الهوية..

التعليقات مغلقة.