من شباب واحات المغرب إلى شباب غلاسكو: تعبئة الذكاء و المبادرات لإنقاذ واحات المغرب

أنوار مزروب: فاعل مدني و مدير مركز “الكاريس” للأبحاث

لقد أكد المغرب لقمة الأطراف المنعقدة بمدينة غلاسكو البريطانية على ضرورة وعي الدول بأهمية تعبئة الذكاء والمبادرات الجماعية للوصول لأهداف المناخ المسطرة في أفق سنة 2060، خاصة فيما يتعلق بخفض انبعاثات الغازات الدفيئة، و تعزيز مخطط الانتقال الطاقي، نحو المزيد من إنتاج و استعمال الطاقات النظيفة و المتجددة. والعمل على تخفيف وطأة الظواهر القصوى، من جفاف و فيضانات و موجات حر على العالم بأسره.

على المستوى المحلي، تزامنت هذه القمة العالمية المناخية “كوب 26” مع مرور رقابي لوزير التجهيز بمؤسسة البرلمان، في إطار الأسئلة الشفوية في موضوع الوضع الهيدرولوجي ببلادنا، المهم في أجوبة الفاعل الحكومي أنها تضمر عدم اطمئنان المسؤول لما يتوفر عليه من معطيات، و ما قد يأتي بالمغرب، على صعيد ولوجية الكنز الأزرق، كما أشار في نهاية أجوبته إلى أن بعض السياسات المتبعة لم تأخذ في الحسبان التزامات الاستدامة وعدم تعريض الأنظمة البيئية و الفرشاة المائية الهشة ببعض المناطق للخطر.

هذه الجملة وجدتها تتحدث بشكل مضمر عن مناطق مصنفة ضمن المناطق شبه الجافة المجهدة هيدرولوجيا a stress hydrique، و خصوصا منطقة الواحات بسفوح الأطلس الكبير و الصغير الممتدة من زاكورة الى تخوم الهضاب العليا شمال فيكيك.
سياسيا، يمكن القول و بإعمال إسقاط للواقع و الوضعية المائية الراهنة على تصريحات وزير التجهيز و الماء، يمكن الخروج بالاستنتاجات التالية:
أولا: تصريح الوزير المكلف بالماء يقر بأن بعض التطبيقات الجهوية لبرنامج المغرب الأخضر لم تكن موفقة في تنزيل البرنامج مع مراعاة تحديات التغيرات المناخية و تثمين الموارد المائية.
ثانيا: جهة درعا-تافيلالت في حدود معرفتي بحجم الهدر و العجز المائي فيها، تبقى المنطقة المعنية التي أقر الفاعل الحكومي بأن بعض تدخلات الدولة في المجال الفلاحي في العشرين سنة الأخيرة أدت إلى تأزيم وضع الفرشاة المائية فيها .
و هكذا، عوض أن تتخذ السياسة العمومية الفلاحية بالواحات منحى أهداف التنمية المستدامة odd المتعارف عليها أمميا، انحرف مسار التنزيل جهويا ليصير البرنامج عملية تمويل بعدي لاستثمارات الفلاحة المكثفة agriculture intensive، عن طريق تهيئة مناطق قاحلة جديدة -و ليس الواحات القديمة-، كما انحرف مبدأ الانتقال للطاقة النظيفة النبيل الى عملية تجفيف شبه ممنهج لفرشاة منهكة أصلا عن طريق استحداث الاف الآبار خارج القانون، و الاستفادة من ألواح الطاقة الشمسية، إلى جانب محركات “الديزل” التي تشتغل جنبا إلى جنب.

هنا لكل باحث أو صحافي أن يقوم بزيارة لضيعات منطقة “شتام” و “البور” بمنطقة “أفركلى” و”اكلميمن” وضواحي “الرشيدية” ليكتشف اكثر حقيقة انحراف هذه التطبيقات المحلية التي يصفها البعض “بالجرائم البيئية” في حق الملك العام المائي للأجيال القادمة عن مسار و فلسفة “غلاسكو” و “مراكش” و “باريس”.
لكل ما سبق و جرس إنذار الوزير أمس شرط، الحكومة مطالبة أكثر من أي وقت مضى بتقييم أثر ما سمي تمويلات صندوق التنمية الفلاحية، و برنامج المغرب الأخضر بالواحات على النظام الإيكولوجي و الاقتصاد المحلي، و كذا بالقيام بأبحاث حول حقيقة العلاقة الجدلية بين سرعة جفاف الفرشاة المائية العلوية و الضخ الخارج عن القانون باستعمال تمويلات و أجهزة الدولة نفسها للمفارقة (الأحواض المدعمة، الالواح، عدم هدم السلطة للأثقاب غير المصرح بها، الخ).
أيضا، و ضمانا لاستقرار الساكنة القروية في الحواضر و المراكز الحضرية المتوسطة المحدثة أو الناشئة، فالدولة مطالبة بأخذ مسألة هدر الذهب الأزرق من طرف شبكات الاستثمارات غير المواطنة و غير المستدامة محمل الجد، وذلك عن طريق القيام بمسح شامل للأثقاب غير القانونية، وتقنين كميات الضخ في أحواض لا تكاد تمتلئ بعشرات آلاف الأمتار المكعبة من ماء الفرشاة المسروق، حتى يتبخر هذا الماء المعبئ بفعل الحرارة المرتفعة بتلك الربوع شبه الجافة. دون ذلك، سيكون على الحواضر الكبيرة الاستعداد لاستقبال موجات جديدة من الهجرة المناخية الداخلية، مع ما يمثله ذلك من إشكالات على سياسات المدينة، من ريفنة المدن و خطر ظهور أحزمة بؤس جديدة بضواحي المدن الكبيرة لاحتضان تلك الموجات البشرية التي قد تضطر للبحث عن ملاد آمن و الهروب من وحش العطش و الجفاف بوسط و جنوب المغرب.
…فهل يلتفت سفير غلاسكو لصرخة واحات أسامر ؟

الرباط في 09 نونبر 2020

التعليقات مغلقة.