شهر فبرائر في المعتقد الشعبي الامازيغي..منطقة تازناخت نمودجا Ayyur n fbrayr zv tvalin timadanin n tmazivt..tasga n tznaxt s tmatart

الباحث الحسن اعبا

 

أجل شهر فبرائر هو ثاني شهر بعد يناير .والتقويم الامازيغي كغيره في العالم، فالامازيغ قسموا العام او السنة او الحول الى اثنى عشر شهرا. لكن قبل أن ندخل إلى تفاصل هدا الموضوع الشيق لا بد أن نقول إن البحث في المعتقدات الشعبية الامازيغية يقتضي العمل على بدايات تعرّف الأمازيغي على المظاهر الطبيعية التي تحيط به، وتؤثر فيه، من خلال إعمال حواسه في استكشاف أبعادها، ومعرفة ما تعنيه وما توحي به حركتها وتغيراتها، من تقلّب اليوم بين نور وظلمة، والأحوال حوله وفيه بين برد وحرارة، ومنظر سطح الأرض بين منبسطات وأعماق ومرتفعات، وبين صحو سماء، وتلبّد غيوم، وهبوب عواصف، ولمع وما يرافقه من أصوات غريبة تُدخل الرعب إلى النفوس.

هذا طبعاً، بالاضافة إلى الحيوانات التي تسرح حوله وتخيفه في أكثرها لأنها تحاول النيل منه، كما من بعضها، على قاعدة الآكل والمأكول. كل هذه المظاهر المحسوسة، منذ بدايات التفتح الانساني على الطبيعة، شغلت حواس الانسان في كل مكان من العالم، ومن هؤلاء الانسان الأمازيغي.

وهذه الأحاسيس وصلت إلى الباطن، ولعبت لعبتها في المخيّلة، ودفعت الإنسان إلى محاولة تفسير هذه الظواهر على موجتين متقاطعتين؛ موجة الحماية والدفاع ضد ما يمكن أن يضرّه من هذه الظواهر والموجودات؛ وموجة التكيّف والتفاعل مع ما يمكن أن يشكّل الدفعَ للانسان ليعمل على تثبيت أوضاعه ومساعدته على الاستمرار، ومن هذه الظواهر نجد : الماء والنبات والطقس المعتدل والحيوانات التي يمكن أن تكون، في البدء، تحت سيطرة الانسان.

وفي اللحظات التي كان الانسان يعمل على تأمين سلامته، وسلامة المجموعة، باعتباره عضواً في رهط؛ وهو وحدة قرابية أولية أو عائلة أو عشيرة، كان يعمل على محاولة فهم وتفسير ما يحيط به، واكتشاف الوسائل التي تحميه من الضرر، وتزيد من جلب الخير له وللجماعة.

من هنا، كانت الأهمية الكبرى في هذه التجمعات المغرقة في القدم، للشخص العارف والمفسّر، وقد أطلق عليه منذ تلك الأزمنة لقب العرّاف والساحر؛ وهما اللقبان اللذان يؤشّران على مصدرَي المعرفة في أحوال العالم المحيط، ومن ثم انتشارها بين الناس العاديين. ومن هنا أيضاً، ظهرت صنوف التبجيل والاحترام للعرّاف والساحر، لأن المصير متعلّق بهما، وما يقولانه، أو يأمران بفعله، يمثّل الحقيقة المطلقة، والأمر الذي لا يُردّ.

ومن هذه المعرفة الصادرة عن عارفي العشيرة أو القبيلة، أو ساحريها، ولترسّخ هذه المعارف في أذهان الناس، وانتقالها من جيل إلى جيل عبر الزمن، تحوّل ما هو مركزي في نظر هؤلاء، باعتباره المؤثّر المباشر في مسيرة حياتهم اليومية؛ تحوّل.. إلى معتقدات راسخة إن كان باعتبارها حقائق ثابتة، ينبغي حفظها جيداً، أو تداولها باستمرار وتناقلها بين الأجيال، لما للمعرفة من أهمية في تقليل الخوف مما تدلّ عليه، والاطمئنان إلى مساكنتها والتكيّف معها.

ولأن المعرفة وحدها لا تكفي، فإن وسائل أخرى اعتمدها الانسان البِدْئي في علاقته مع الطبيعة، وهي التي تساعد عملياً في دفع الأخطار، والحماية من الضرر، ومواجهة الشرور، وجلب الخير والسعد، واستعمال وسائط الدفاع ضد ما يمكن أن يصدر عن الآخرين من ضروب السحر والحسد وصيبة العين، وغيرها من الأمور الناشئة، إما عن قوى خفيّة تغلغلت في ذهن الانسان، أو عن علاقات بشرية يمكن أن ينشأ عنها شتى ضروب الصراع والمنافسة والغلبة.

يفيد هذا الكلام أن المعتقدات الشعبية نشأت منذ عهود مغرقة في القدم، منها ما نشأ عن الظواهر الطبيعية التي ما كان الانسان العربي، أو غيره، يدرك أنها كذلك، إذ لا شيء باعتباره يتحرك من ذاته ولذاته، ولا بدّ لهذه الظواهر أن تعمل وتتحرك بموجب قوى تحرّكها، وبالتالي، لكل من هذه المظاهر الطبيعية روح، ولكل مظهر منها عمل تقوده روح هذا المظهر، وما على الانسان إلا الخضوع لهذه الأرواح، ومجاراتها، وإظهار الطاعة لها، وتقديم كل ما يلزم لمرضاتها. فتلازمت منذ تلك الأوقات، العلاقة بين المعتقد والطقوس المرافقة التي تعني تقديم الأضحيات والقرابين بآليات وخطوات محدّدة ومدروسة بدقّة، بقيادة وإشراف الساحر أو العرّاف ومن يساعده ممن ينتقيه من المحيط الذي ينتمي إليه.

وعليه، يمكن تصنيف المعتقدات الشعبية إلى صنفين إثنين: المعتقدات التي بقيت كذلك باعتبارها فهماً لظواهر طبيعية، مثل عملية خلق العالم، والجبل والشجرة، والحجر، والشمس والقمر، والماء، والحيّة. هذا طبعاً، بالاضافة إلى إيمانهم بالمخلوقات الحيّة من غير الانسان، وبموازاته، وعلى علاقة وطيدة معه، قريبة وبعيدة، منها ما هو خيّر ومنها ما هو شرير. وقد شملت المعتقدات المتعلقة بهذه المخلوقات الحية منها وغير الحية، الأهمية والدور في علاقاتها بالبشر، كما فهم هؤلاء هذه العلاقات منذ بدايات تفتّحتهم على أمور الحياة ومظاهرها. أما المعتقدات المبنيّة على فعل الانسان، فقد جاءت بما يمكن أن يساعده على معرفة العالم المحيط به، باعتبار أن المعرفة تعطيه المقدرة على التكيّف والتفاعل والمواجهة. والفعل يؤمّن له الحماية والتخلّص من المصاعب والشرور التي يمكن أن تلحق به، أو لإحاقة الضرر بمن يعتبر أنه مصدر شقائه وعذابه. هذا طبعاً، بالاضافة إلى إقامة كل ما يلزم من طقوس للحماية من الأمراض أو الشفاء منها، وجلب السعادة وزيادة موارد العيش والتمتّع بأمور الدنيا. وذلك كله يتطلّب علاقات خاصة ومرسومة بالدقة اللازمة بين الناس، فرادى ومجتمعين، مع الإله أو الآلهة الموصوفة بقدراتها الخاصة والعامة.

لذلك، علينا أن نبحث في المعتقدات المتعلّقة بالظواهر الطبيعية لمعرفة أصولها ومنزلتها في معارف الناس، وما يمكن أن تقدّمه هذه المعارف والمعتقدات من زاد فكري جدير بالاستمرار والانتقال، وإن كانت هذه خليقة بالتغيّر والتبدّل نتيجة تطور الفكر البشري، أو نتيجة ظهور معتقدات جديدة مستمدة من هذه، أو مطوّرة لها أو ناقضة. ولكن يبقى، كما سنرى، بعضٌ منها في محتويات المعتقد الديني، أياً كان، حسب ترسّخه في لاوعي الانسان، باعتبار أن كل إنسان، مهما كان زمن وجوده، يحمل في لاوعيه شيئاً من إنسان ما قبل التاريخ، على ما يقول “مرسيا إلياد” وحسب أهميته في مجريات حياته، فرداً وجماعة؛ وخصوصاً ما يكون منها خارج الاطار التجريبي. ذلك أن ما يشكّل المقدّس، مهما كان شأنه، أو زمنه، يدخل في وعي الانسان ويترسّخ في لاوعيه ويبقى ملازماً له كعنصر من عناصر بنيته الذهنية، وليس كمرحلة من مراحل التطور المعرفي لهذه الذهنية. ويقول إلياد في هذا الخصوص: «المقدس عنصر من عناصر بنية الوعي، وليس مرحلة من مراحل تاريخ هذا الوعي. ما علينا إلا البحث فيه ضمن هذا الاطار، والنظر إلى المعتقدات التي نشأت عن تعرّف  الامازيغ على بعض الظواهر الطبيعية التي شكّلت معارفهم البدئية قبل ظهور الإسلام.

ذلك أن هذه المعتقدات كانت مفتاح علاقاتهم مع المحيط الذي يعيشون فيه؛ وهو المحيط المتّصف بقساوة العيش وشظفه الصحراوي البعيد عن اعتدال المناخ، والفقير في موارده المائية، وبالتالي النباتية والحيوانية. هذا بالاضافة إلى ما كان يسود في منطقة مشرقية مجاورة اتصفت بمواردها الطبيعية الغزيرة لدرجة الشكوى من الطوفان الذي دخل في صلب معتقداتهم، وشكّل إرثاً خالداً من الأساطير المتعلقة بالخصب ووفرة الغلال، والتقلبات الطبيعية التي تحوّل الوفرة إلى قحط، والحياة الخصبة إلى جفاف وموت. وهذا ما يدل على أهمية البيئة الطبيعية في توليد المعتقدات، ومن ثم تدوينها لتوريثها إلى الأجيال اللاحقة.لكن كيف ينظر امازيغ منطقة تازناخت الى شهر فبرائر… ان الأمازيغ شانهم كشأن الشعوب العالمية الأخرى.تفننوا بدورهم في تفسير الكون والطبيعة وضربوا أمثالا وحكما على الايام والشهور والفصول.وادلو بمعاني مختلفة اثارت انتباه كبار الباحثين والانطربولوجيين فيما يتعلق بتفسير ظواهر الكون.واليكم ماقاله امازيغ ايت واوزكيت تازناخت كنمودج عن شهر فبرائر.

 

    تقول الاسطورة…كان شهر يناير وفبرائر ومارس من اعز الاصدقاء .ودات يوم اتفق يناير مع مارس ليخدعا شهر فبرائر وازالا له يومين حتى بقي عند فبرائر 28 يوما عوض تلاتين فلما استيقظ فبرائر من نومه لم يجد التلاتون يوما التي كانت له سابقا فاخد يبكي حتى اصبح كما يقول عنه المثل الشعبي الامازيغي السائد هنا بايت واوزكيت…فبراير بوي مطاون…ومعناها…صاحب الدموع…وفي القصص الشعبية امثلة كثيرة تدور حول هدا الشهر.

واليكم قصة امازيغية طريفة تقول: في قديم الزمان كما تقول هده الأسطورة السائدة…رجل عاقل تزوج بامراة مجنونة اي ليس لها عقل.وكان هدا الرجل فلاح وارد السفر فترك لزوجته كيسين كيس القمح وكيسا للشعير..فقال لها هدا لشهر فبرائر وداك لشهر ابريل..وسافر الرجل وترك زوجته وانصرف بعيدا ودات يوم نزل الى القرية شحادين فسمع فاسترقا السمع وسمعا هده المراة وهي داخل المنزل تقول…هده لفبرائر وتلك لابريل..ولما خرجت وجدت هادان الشحادان امام المنزل فسالتهما عن اسمهما..فقال لها الاول…انا فبرائر وسالت الثاني عن اسمه فقال لها..انا ابريل..فدخلت المنزل وقدمت لهما الكيساين المملوئين بالشعير والقمح.فلما رجع الرجل سألها عن الاكياس فاجابته اجابت بان فبرائر وابريل قد اخدا امانتهما…فجن الرجل وقال لها يالك من امراة حمقاء.

 

ان ما يمكن استخلاصه من ذلك كله، هو أن هذه المعتقدات قد تناولت الأسس المادية في حياة الإنسان. ولكنها ارتقت إلى أن وصلت إلى تصوّر ما هو غير مادي، وإن وُصف بالأجسام المادية، لتسهيل فهمه واستيعاب ما يمكن أن يدلّ عليه. هكذا هي الحال مع مخلوقات الجن، باعتبارها مرافقة للإنسان في حلّه وترحاله، وفي علاقاتها السلبية والإيجابية معه. وهنا، لا بد من التساؤل: ما هي ردة فعل الإنسان في علاقاته مع معتقداته، وكيف أوتي له أن يتصرّف في علاقاته مع عالم الغيب، وعالم الواقع، إنطلاقاً من هذه المعتقدات؟

في الإجابة عن هذه التساؤلات شأن آخر.

  • المراجع

1 – كان العرب قبل الاسلام يعتبرون أن الشاعر على تواصل دائم مع الجن، كما “كان العراّف يعرف بواسطة معاونه الخفي الذي كان يسترق السمع عند أبواب السماء”. وهذا هو المبدأ الأرواحي الذي يفسر المعرفة للعراف باعتباره تدخلاً علنياً “لشخص خفي يحمل لهم علماً باطناً”. أنظر في هذا الخصوص:

* يوسف شلحد، بنى المقدس عند العرب، تعريب خليل أحمد خليل، دار الطليعة، 1996، بيروت، ص124.

* Mircéa Eliade, Images et symboles, Gallimard,1992,Paris,p. 14.

2 – ميرسيا إلياد، الحنين إلى الأصول، ترجمة حسن قبيسي، دار قابس للنشر، 1994، دمشق، بيروت، ص5-6. ويعتبر إلياد في مقدمته لهذا الكتاب أن العودة إلى أقدم مظاهر الثقافة الإنسانية تبين لنا أن الفعل الانساني بكل تجلياته هو فعل ديني، بالمعنى الواسع للدين. ذلك أن الغذاء والفعل الجنسي والعمل هي بمجملها ذات قيمة قدسية.

* المرجع نفسه، ص6.

4 – قاسم الشواف، ديوان الأساطير، الكتاب الثاني، دار الساقي، 1997، بيروت، ص83.

5 – فراس السواح، مغامرة العقل الأولى، دار الكلمة، 1980، بيروت، ص36-37.

6 – ص.؛ كريمر، طقوس الجنس المقدس، الطبعة الثانية، ترجمة نهاد خياطة، 1987، مختارات، بيروت؛ مكتبة السائح، طرابلس، ص15.

7 – المصدر نفسه، ص13-14. وللتفصيل حول معتقدات الخلق السومرية أنظر التحليل المفصل لها في:

* عاطف عطيه، في الثقافة الشعبية العربية، بنى السرد الحكائي في الأدب الشعبي، جروس برس، 2016، طرابلس، ص ص116- 120.

8 – أبو الوليد محمد الأزرقي، أخبار مكة، تحقيق رشدي ملحس، الطبعة الثالثة، دار الثقافة، 1979، بيروت، ص31.

9 – محمد عبد المعين خان، الخرافة والأسطورة عند العرب، الطبعة الثانية، دار الحداثة، 1980، بيروت، ص159.

10 – من قصص الأنبياء التي ذكرها خان في كتابه المذكور سابقاً، ص159- 160.

11 – المصدر نفسه، ص161.

التعليقات مغلقة.