كتابات في زمن “كورونا Corona” من وراء القضبان: الشاون النوارة … بين النِّعَم والنِّقَم  

عبد الإله شفيشو 

 السجن المحلي شفشاون

 

مقدمة: و أنا نزيل بالسجن المحلي بشفشاون صادفت هنالك أحد المقاولين الشباب في مجال السياحة بالمدينة كان يؤدي عقوبة…، وفي اطار الدردشة صرح هذا الأخير: (وخا المصيبة ديال كورونا Corona كاينة حركة كبيرة كتعرفها الشاون خاصة الناس ديال السياحة راهوم خدامين مزيان، بحيث وصلت غير في المدينة بوحدها أكثر من 200 دار للضيافة، لكن  كتبقى المخدرات والجنس هما  لكيجيبو السياح للمدينة).

 

مدخل :

تأسست مدينة شفشاون (الشاون أمازيغيا) سنة 1471 م، وهي تقع في أقصى الشمال، وتم تسمية إقليم شفشاون إداريا سنة 1975، ويبلغ عدد سكانها 524602 نسمة حسب أخر إحصاء، كما أن مساحة الإقليم تصل إلى 4350 موللإقليم خصائص يتميز بها:

  • غطاء غابوي كثيف 163900 هكتار (محميات طبيعية، تنوع بيولوجي، نباتات طبية وعطرية وعسلية).

  • تساقطات مطرية غزيرة (أعلى نسبة بالمغرب تسجل بالإقليم).

  • زراعة القنب الهندي (الكيف).

فهذه الخصائص الثلاث تتفاعل فيما بينها لتنتج وضعين متناقضين، فمن جهة وضع سلبي بالنسبة لأبناء الإقليم بحيث أن كل مواطن شفشاوني متهم حتى تثبت براءته، ومن جهة أخرى وضع ايجابي بالنسبة للمسؤولين الذين يتقاطرون و يتسابقون (دفع إتاوات) على الإقليم، من عسكريين ومدنيين لخدمة (الإقليم)، فهذين الوضعين كان لهما انعكاس وتأثير كبير على الحالة العامة بالإقليم والمتمثلة في:

الوضع الاقتصادي والاجتماعي:

إن هذا الوضع مفتوح على كل الاحتمالات، و في أي لحظة، خاصة مع جائحة فيروس كورونا Corona Virus، وسياسة التهميش و النهب التي يعيشها الإقليم، و لا زال يؤدي ثمنها في ظل سياسة المغرب النافع و غير النافع. 

فرغم بعض المشاريع التنموية التي تظهر للوجود من حين لآخر، والتي تتزامن مع كل زيارة ملكية للإقليم، تبقى الوضعية كارثية، فالبنية التحتية من طرقات ومستوصفات وغيرها فحدث ولا حرج، كما أن المشاريع التنموية الكبرى، فيتم اختيارها بشكل عشوائي، بحيث لا يراعى فيها متطلبات الإقليم السوسيو اقتصادية، وهذا ينعكس حتما على الحياة الاجتماعية، فأغلب الطبقات الاجتماعية تعيش وضعية لا تحسد عليها مع استثناء لبعض المستفيدين من اقتصاد الريع، فلا وجود بالإقليم لشيء اسمه المنافسة لسبب بسيط هو غياب مبدأ المراقبة لدى المسؤولين من سلطة ومنتخبين، بل ابعد من ذلك تواطؤهم مع لوبي محلي محتكر لكافة المجالات، ومتحكم في أرزاق العباد (الخضر، السمك، اللحوم، العقار…)، كما أن الصناعة التقليدية المحلية التي كانت المورد الأساسي لشريحة اجتماعية واسعة (شاشية، كرزية…)، تم غزوها بمتوجات غريبة عن طبيعة الإقليم الجبلية الذي يصنف ضمن المناطق السياحية، لكن أي سياحة هي!؟ إنها سياحة التحشيشة (التبويقة).

 

الوضع الثقافي والرياضي:

تاريخيا، وقبل أن ينفجر بركان الحشيش بالإقليم، كانت المنطقة تعرف حركة ثقافية هادفة ومتواصلة (ملتقيات ندوات)، مما فتح لأبنائه أبواب التواصل والوقوف على القضايا المطروحة للنقاش وطنيا ودوليا، فقد كانت القديسة بمفردها تصدر من مفكرين، شعراء، حقوقيين، كتاب…، ما يملأنا زهوا وفخرا بقدسيتنا، فكم من أبناء الإقليم تركوا، و لا زالوا بصماتهم في الساحة المحلية والوطنية كل من موقعه، أما في الوقت الراهن فقدأصبح البؤس الثقافي ظاهرة جماعية، وأصبحت التفاهة هي السائدة  في ظل انتشار الأمية و العزوف عن كل ما هو هادف حتى في أوساط المثقفين وهته الوضعية لم تأتي اعتباطية بل كانت نتيجة لسياسة التهميش و القمع للدولة المغربية في المرحلة المعروفة بسنوات الجمر و الرصاص ، وهذا ينطبق كذلك على الوضع الرياضي بالإقليم الذي عرف تراجعا خطيرا في السنوات الأخيرة من جهة بسبب استغلال وضعيته سواء من طرف لوبي المخدرات أو الانتخابات كل حسب مصالحه و من جهة أخرى طمس للمرافق الرياضة التي يتوفر عليها الإقليم فرغم قلتها سيتم السطو عليها لتحويلها إلى مشاريع مربحة من طرف لوبي العقار صاحب الكلمة الأولى و الأخيرة مما نتج عنه سقوط فئة عريضة من شباب الإقليم في براثين المخدرات و الفكر الظلامي .

الوضع السياسي:

إن هذا الوضع بالإقليم لا يختلف في شيء عن باقي ربوع الوطن فالتمثيلية الحزبية من كل الأطياف يمين/وسط/يسار، لكن مجرد مقرات ولافتات لا غير، والخطير في الأمر هي أن الأحزاب السياسية التي تتحمل مسؤولية التدبير بالإقليم لا حول و لا قوة لها في اتخاذ القرارات، فالآمر الناهي و القابض بزمام الأمور هي السلطة الإقليمية أما المنتخبون بصفتهم ممثلي الساكنة وما داموا لم يبلغوا سن الرشد بعد فليس عليهم من حرج و لا تجوز شرعا ولا قانونا محاسبتهم ما داموا تحت الوصاية، وتكون دائما تلك مبرراتهم أثناء مساءلتهم عن الفشل في تدبير الشأن المحلي بإقليم شفشاون، فلقد تعودت ساكنة الإقليم على دخول المجالس المنتخبة في غيبوبة و كل مرت كانت تتدخل السلطات الإقليمية و المحلية لإنعاشها، لكن يبدو اليوم أن الجميع سلطات ومجالس قد أصيبوا بنفس الحالة وبالتالي ترك المواطنين لمصيرهم مع مشاكلهم بعد أن خلقوا للقديسة أهدافا ثانوية لا علاقة لها بقضاياها الأساسية؛ كما خلقوا لشبابها انتصارات فردية وهمية بعد أن حولوهم الى أمة من النمل تبحث عن قوتها اليومي لا غير، وتجلى ذلك خاصة مع استمرار جائحة فيروس كورونا  Corona Virus حيث صار شباب القديسة يعيشون مغلفون وسط الثالوث المحرم :

& الدين ،

& الجنس ،

& المخدرات ،

الخاتمة:

يقول” ليون تروتسكي ” : (إن الحقيقة دائما جارحة لكنها ضرورية كوسيلة للإصلاح، أما الكذب فيستخدم لإنقاذ ماء الوجه لكن ليس لتربية الأجيال).

فما تم التطرق إليه و بشكل موجز ينم عن نظرة تشاؤمية للواقع لكن مع وجود تفاؤل قوي للإصلاح لدى أبناء إقليم شفشاون، الشيء الذي بدأ يتجلى من خلال نشر ثقافة التمسك بالحياة، و طرح البدائل في شتى المجالات لوضع حد لحرب الاستنزاف المفروضة عل الإقليم من تهميش و نهب و احتكار و شطط في استعمال السلطة، و هذا هو التحدي الحقيقي المفروض مرحليا على كافة الطبقات الاجتماعية، خاصة المجتمع المدني الذي عليه تحمل مسؤولية استرجاع للقديسة مكانتها كقلعة من قلع التحدي، وذلك بالنضال الصادق والحقيقي للفوز بمقعد أمامي مع هموم ومشاكل السكان، وليس التسابق على المقاعد المشكوك في مصداقيتها والاسترزاق بآلام شبابها، (هذا في ظل إعطاء الدولة المغربية لانطلاقة النموذج التنموي الجديد، وهو عنوان لمقال لاحق في زمن كورونا Corona و أنا خارج القضبان).

التعليقات مغلقة.