تازة: ويحدثونك عن خزانة الجامع الأعظم إلى حين..

عبد السلام انويكًة 

خزانة تازة المرينية، أو خزانة جامع تازة الأعظم، هكذا بحكم انتمائها المجالي تُعرف، هذه واحدة من شواهد عمارة المغرب الأصيلة، منارات الإشعاع العلمي التراثي المغربي زمن العصر الوسيط، تحديدا فترة حكم دولة بني مرين، وغير خاف عن المهتم والدارس لتاريخ مغرب العصر الوسيط، ما أحيطت به تازة، وما حظيت به، من عناية خاصة من قِبل المرينيين، ردا منهم لجميل وكرم دعم أهل تازة لهم في نشأتهم وتمكنهم وتقويتهم واستقبالهم، ولهذا عاشت المدينة زمنها الذهبي خلال هذه الفترة لِما طبعها من منشآت وعمران رمزي رفيع، روحي وعلمي، منه خاصة كما بالنسبة لمنشأة خزانة الجامع الأعظم تعبيرا على ما كانت عليه تازة من إشعاع وحركة علم وعلماء. 

  

ولعل الحديث عن هذه المعلمة الأثرية هو حديث ذو شجون، سواء من حيث سؤال السياق التاريخي والتأسيس والمكانة وطبيعة المحتوى، أو الرمزية التراثية، ليبقى المهم والأهم الآن هو واقع حال وأحوال هذه الخزانة وشروط اشتغالها، وطبيعة خدماتها، ودرجة انفتاحها على ما ينبغي أن تنفتح عليه، وكذا استثمار ما تحتضنه، أو على الأقل ما تبقى من حوالي عشرة آلاف مخطوط كان بها الى عهد قريب.

وجدير بالاشارة إلى أن هذه الخزانة توجد في قلب الجامع الأعظم بتازة، وأنها لم تعد توجد في مكانها الأصلي أسفل الصومعة كما كانت في الماضي، وهذا التموقع بهذا الشكل يجعلها بغير الدينامية والإفادة والاستفادة والانفتاح والاستثمار الذي ينبغي أن تكون به وعليه، فضلا عما تحتويه هذه المعلمة من إرث هام، أي من وثائق ومخطوطات (؟؟)، بقدر ما هي عليه هذه المخطوطات من أهمية علمية، تراثية وتاريخية، بقدر ما هي عليه من معاناة وسوء حال، ذلك أنها مهددة بالتآكل والبرودة والإرادة وغيرها من عوامل تجعلها في وضع لا تحسد عليه.

 

ومن هنا الحاجة الى انقاذ ما يمكن إنقاذه من هاته التحف قبل فوات الأوان، ناهيك على أن هذه المعلمة العلمية هي بحاجة لقيم ومشرف ومسؤول، على قدر معين من الخبرة والاطلاع بعالم وعلم المخطوطات والوثائق، حتى يتسنى له تقديم خدمات للباحثين والمهتمين ومن ثمة البحث والأبحاث، بل من شأن هذه الخبرة حول المجال أن تسمح له بما ينبغي من ترتيب وتصنيف وفهرسة وصيانة وحسن حفظ….، لتسهيل استثمارها وجعلها رافعة للأبحاث والدراسات التراثية والانسانية عموما.

ونعتقد أن غياب شروط تحفظ هذه الخزانة العلمية وتحفظ ما تحتويه من نصوص تراثية أصيلة وتسهل استغلال ما هو متوفر بها من وثيقة ومخطوط، يجعلها وكأنها مغلقة لا حياة فيها ولها. 

 

في هذا الإطار كنا قد اقترحنا عبر السبيل الإعلامي منذ سنوات، أهمية إعادة النظر في واقع ووضع هذه الخزانة التاريخية المتفردة والرمزية، ضمن عمل مشترك وتشاركي بين وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية باعتبارها الطرف الوصي، وبين الجماعة الحضرية لتازة التي يدخل ضمن أوراشها حماية التراث المحلي وحسن استثماره لفائدة التنمية المحلية.

وكان مقترحنا هو ترميم بناية أثرية مقابلة لباب الجامع الأعظم الرئيسي بتازة، وهي بناية آيلة للسقوط هي في الأصل محل إقامة لطلبة الجامع الأعظم بتازة في الماضي، وبعد ما يمكن أن يحصل من ترميم لهذه البناية يمكن نقل هذه الخزانة  إليها، حتى تكون خارج الجامع وبالتالي سهولة الولوج إليها، مع ما ينبغي من تدبير جيد على أساس أن ما تحتويه هو أرشيف مغربي تراثي أصيل ونادر يحتاج لمتخصصين.

 

كل هذا وذاك من اجل رد الاعتبار لمعلمة علمية تراثية مغربية، تجر وراءها ذاكرة بحوالي ثمانية قرون من الزمن والفعل والتفاعل والاشعاع.

ومن أجل أن تكون هذه المعلمة التاريخية حقيقة في خدمة البحث والأبحاث والباحثين ورهن اشارة التنمية المحلية بشكل من الاشكال، بل أيضا بدور في التعريف ليس فقط بذاتها وقيمة محتوياتها ونفائس ذخيرتها، إنما أيضا بتازة و أعلامها وعلمائها ومجدها وإشعاعها الفكري التراثي منذ زمن مغرب العصر الوسيط حتى الآن.

التعليقات مغلقة.