روسيا وأوكرانيا، واشنطن تشعل نيران الحرب

حديث إيطاليا: توفيق الضريضي

بعد فشل المحادثات وعرقلتها بين روسيا وأوكرانيا، حرب دائرة وأطراف متصارعة.. تهديد بالتصعيد ومخاوف من اندلاع حرب عالمية ثالثة.. شعوب متضررة.. نزوح وتهجير وأرواح تزهق بدم بارد.. أوضاع متأججة متردية أُضرت بالاقتصاد العالمى؛ تضخم وتراجع يكاد يفتك بالجميع.. تصريحات وتحركات استفزازية من الإدارة الأمريكية وأوروبا وحلف شمال الأطلسى «الناتو»، ومحاولات لعرقلة أى مساعٍ للتهدئة وإشعال الموقف مع إرسال أسلحة وإمدادات عسكرية.. بل وحتى مع ظهور بوادر مفاوضات يسعى الغرب لإشعال النيران مجددًا.. ما أثار تساؤلات حول عدم وجود المزيد من الدعوات الدبلوماسية لإنهاء الحرب فى أوكرانيا؟ لماذا هناك مساعٍ لاستمرار الصراع حتى إشعار آخر يأتى من واشنطن؟

التقى أعضاء الوفدين الدبلوماسيين الروسى والأوكرانى، مؤخرًا، فى “اسطنبول” التركية للتفاوض على شروط التهدئة، بعد أكثر من شهر من العمليات العسكرية؛ إلا أن المحادثات لم تسفر عن أى تقدم ملحوظ لحل الأزمة.

قدم الأوكرانيون سلسلة من المقترحات، بعضها لبى المطالب الروسية للتهدئة، والبعض الآخر لم يفعل، لم يكن هناك جدولة للقاء شخصى بين الرئيسين الروسى «فلاديمير بوتين» ونظيره الأوكرانى «فولوديمير زيلينسكى»، الأمر الذى يستبعد عمليًا إمكانية التوصل إلى اتفاق رسمى على المدى القصير؛ ووصفت صحيفة «ذا هيل» الأمريكية المحادثات الأوكرانية الروسية بأنها مليئة بعدم اليقين، أى أن هناك شكوكا حول نوايا أى طرف من الأطراف لحل الأزمة.

يمكن تلخيص مطالب موسكو الأساسية فى أن تبقى “كييف” محايدة، خارج “الناتو” والاتحاد الأوروبي، والاعتراف بشبه جزيرة “القرم” كجزء من روسيا، وجمهوريات “دونباس” كدول مستقلة، ومع ذلك، لا يزال “زيلينسكى” مصرًا على المناطق التى لم تعد جزءًا من الأراضى الأوكرانية منذ عام 2014؛ وقد أوضحت موسكو بالفعل أنه لا توجد إمكانية لمراجعة الوضع القانونى لشبه جزيرة القرم تحت أى ظرف من الظروف، وأن جمهوريات “دونباس” يجب أن يتم الاعتراف بسيادتها بدون تحفظات.

لذا، فإما أن يوافق “زيلينسكى” على مثل هذه الشروط، أو أن محادثات السلام ستكون دائمًا غير مثمرة، وقال متحدثون باسم وفد “كييف” إن الجولات المقبلة ستركز على مناقشة القضايا الإنسانية وإمكانيات وقف إطلاق النار، واستبعاد أى فرصة للحوار حول القضايا الإقليمية.

الغريب فى الأمر تراجع الرئيس الأوكرانى عن تصريحاته التى ذكرتها وكالة «أسوشيتد برس» فى 21 مارس، والتى أعلن فيها أن “كييف” ستكون جاهزة لمناقشة وضع شبه جزيرة القرم، ومنطقة “دونباس الشرقية” التى يحتفظ بها الانفصاليون المدعومون من روسيا بعد وقف إطلاق النار والخطوات نحو توفير ضمانات أمنية».

إنها المرة الأولى التى قال فيه “زيلينسكى” إنه قد تكون هناك ظروف يمكن فى ظلها التفاوض عليها من قبل الحكومة الأوكرانية.

قال جميع قادة الحكومة الأوكرانية، بعد أن أشعل الرئيس الأمريكى الأسبق «باراك أوباما» العنف فى أوكرانيا ودعم الإطاحة بالرئيس الأوكرانى الموالى لروسيا «فيكتور يانولوفيتش» وشكل حكومة تسيطر واشنطن عليها فى فبراير 2014، أن أوكرانيا لن تنظر أبدًا فى وضع هاتين المنطقتين السابقتين من أوكرانيا قابلة للتفاوض. ويقول “زيلينسكى” إنه «بعد وقف إطلاق النار والخطوات نحو توفير ضمانات أمنية»، سيتفاوض بشأن «وضع شبه جزيرة القرم ومنطقة دونباس الشرقية التى يسيطر عليها الانفصاليون المدعومون من روسيا».

هذا هو أول تغيير رئيسى فى الموقف من جانب أيهما فى الصراع الحالى، وحقيقة أن أوكرانيا هى من صنعه دليل لا جدال فيه على أن روسيا تكسب الحرب عسكريًا، وفقًا للكاتب والمؤرخ الاستقصائى «أريك زويس»، بعبارة أخرى؛ بعد «وقف إطلاق النار»، ستكون أوكرانيا فى موقف أضعف، وفى هذا الموقف، ستجد نفسها ملزمة- وفقًا لما قاله “زيلينسكى” للتو بشأن هذه المسألة- للتفاوض بشأن قبولها بأن أيًا من هاتين المنطقتين لم تعد جزءًا من الأراضى الأوكرانية. حينها ستطالب الحكومة الأوكرانية الحكومة الروسية بـ«ضمانات أمنية»، لن تطلب الحكومة الأوكرانية هذه «الضمانات الأمنية» بعد الآن من حكومة الولايات المتحدة و”الناتو”، ولكن من روسيا.

وفى الإعلام الغربى، تم التعامل مع المحادثات على أنها تقدم كبير من أجل السلام، بل إن هناك بعض الأخبار المزيفة المنتشرة على الإنترنت حول احتمال نهاية الصراع.

من الواضح أنه يتم التلاعب بالبيانات من أجل الترويج لحرب معلومات يكون فيها السرد السائد هو أن روسيا قبلت شروط السلام؛ والنتيجة هى تبرير الحاجة إلى اتخاذ تدابير قسرية جديدة ضد روسيا فى الأيام المقبلة، حيث من الواضح أن الصراع سيستمر، ومن ثم ستدعى نفس القنوات التى أشارت إلى أن روسيا التزمت بإنهاء العملية العسكرية، أن موسكو لديها فشل فى الوفاء بوعودها.

وخلال زيارة الرئيس الأمريكى جو بايدن الأخيرة إلى أوروبا- بما فى ذلك بولندا – ومع احتدام الحرب فى أوكرانيا، تعهد بإرسال أسلحة بقيمة 800 مليون دولار إلى حكومة كييف، بالإضافة إلى 13٫8 مليار دولار إضافية وافق عليها الكونجرس. وفى خطاب بايدن فى بولندا، قال الرئيس الحقيقة وفضح النوايا الأمريكية عن غير قصد قائلًا «إن تورط الولايات المتحدة فى أوكرانيا هو كل شيء عن (تغيير النظام) بالنسبة لروسيا». وأضاف متحدثًا عن الرئيس الروسى بوتين، فى العاصمة البولندية وارسو، «بحق الله، لا يمكن لهذا الرجل أن يظل فى السلطة». حينها حاول فريق الرئيس للسيطرة على تداعيات ما قاله بايدن. ولكن تبدو أى محاولة من قبل فريقه ووزير خارجيته «أنتونى بلينكن» لمحاولة الشرح أمرًا صعبًا، نظرًا لما سيبدو أن الرئيس ليس لديه فكرة عما يقوله، لذلك لا ينبغى أن نتعامل بجدية مع ما هو فى الأساس إعلان حرب على روسيا، أو أن الرئيس انتهز الفرصة على الحدود مع أوكرانيا لإعلان الحرب على روسيا بشكل أساسى. كان الرؤساء الأمريكيون السابقون مثل «رونالد ريجان و«جيرالد فورد» و«جورج بوش الابن» معروفين بزلاتهم؛ بعضها كان مضحكاً والبعض الآخر كان جادًا. لكن لم يعلن أى منهم الحرب على خصم مسلح نوويًا فى الفناء الخلفى له، ثم اضطر بعد ذلك إلى إرسال موظفين لشرح أن الرئيس لم يقصد ما قاله، وفقًا للسيناتور الجمهورى «رون بول».

وفى اتصال هاتفى الأسبوع الماضى، بحث بايدن مع نظيره الأوكرانى زيلينسكى تزويد الجيش الأوكرانى بقدرات عسكرية إضافية، لمساعدته فى الدفاع عن بلاده، بالإضافة إلى 500 مليون دولار كمساعدة مباشرة للميزانية، وفقًا لبيان البيت الأبيض. ويرى كل من المراسل الاستقصائى الأمريكى «كين كليبنشتاين» والمراسلة «سارة سيروتا» لموقع «ذا انترسبت» الأمريكى، أن ما تقوم به الولايات المتحدة من تقديم مساعدات استخباراتية ومراقبة واستطلاع إلى أوكرانيا، دون المشاركة بشكل مباشر، بمثابة تصعيد للصراع، على الرغم من دفع المؤسسات الإخبارية ومراكز الفكر الكبرى لاتخاذ موقف أكثر عدوانية. ويوضح كل من كليبنشتاين وسيروتا أن المخرج من الصراع يكمن فى المساعدة فى الدبلوماسية بين أوكرانيا وروسيا؛ وليس سكب الزيت على النار وإشعاله.

وتوضح مراسلة شبكة «CBS» الإخبارية الأمريكية «لارا لوجان» سبب أهمية أوكرانيا للأشخاص الموجودين فى السلطة داخل واشنطن؛ حيث ترى أن أوكرانيا هى مركز عبادة العولمة، كما أنها مركز غسيل الأموال للأوليجاركية وحلفائهم فى الولايات المتحدة. وتقول لوجان إن «مؤسسة المجتمع المفتوح «OSF»، التى أسسها رجل الأعمال الأمريكى ذو الأصل المجرى «جورج سوروس»، ومن خلال الصندوق الوطنى للديمقراطية «NED» وجميع هذه المنظمات غير الحكومية المزيفة الأخرى، والتى تم دمجها فى مؤسسة واحدة، كانت تدير سياستها الراديكالية من خلال سفارة الولايات المتحدة، والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، باستخدام أموال دافعى الضرائب لإثارة القلق فى أوكرانيا منذ عهد أوباما ودعم الإطاحة بالرئيس الأوكرانى الموالى لروسيا. والآن هم يخفون مساراتهم الخاصة فى أوكرانيا، وليس فقط إخفاء أدلة تدين «كريستوفر هاينز ربيب» نجل «تيريزا هاينز» زوجة المبعوث الرئاسى الأمريكى لتغير المناخ «جون كيرى»، ونجل الرئيس الأمريكى «هانتر بايدن»، بجانب نجل رئيسة مجلس النواب الأمريكى «نانسى بيلوسى» فى تنفيذ برامج بيولوجية عسكرية فى أراضى أوكرانيا خلال العقود الماضية.

وفى عام 2009، أسسوا شركة «روزمونت سينيكا بارتنرز» (Rosemont Seneca Partners) الاستثمارية. وفى عام 2014، انضمام هانتر إلى مجلس إدارة شركة الطاقة الأوكرانية «بوريزما»، التى مولت «مشروع علمى فى أوكرانيا» لم يتم الكشف عن اسمه، وفقًا لرسائل البريد الإلكترونى التى حصلت عليها صحيفة «نيويورك بوست» الأمريكية. استثمرت شركة «روزمونت سينيكا» 500 ألف دولار فى شركة «ميتابيوتا»، وهى شركة أبحاث مسببة للأمراض مقرها «سان فرانسيسكو»، وجمعت ملايين أخرى من خلال الشركات التى تضمنت مجموعة «جولدمان ساكس»، وفقًا لرسائل البريد الإلكترونى الموجودة على الكمبيوتر الخاص بهانتر، والذى تم التخلى عنه فى متجر إصلاح «ويلمنجتون»، بولاية ديلاوير فى أبريل 2019.

منذ ذلك الحين، كشفت السجلات العامة والتحقيقات عن الدور الذى لعبه الأوليجاركيون الأمريكيون مع فوز بايدن وسيطرتهم على صنع القرار، وإذكاء المعلومات المضللة. يبدو أن الوصول إلى اتفاق لن يتم الآن دون أن تحقق واشنطن أهدافها أولًا.

التعليقات مغلقة.