نافذة على التاريخ 

كتبها بوشعيب جميلي

(حلقة رغم طولها ولكنها جديرة بالقراءة)

دويدة فالقنوت…اللي طل يموت 

لبس القفطان…سقط القبطان 

لبس البدعية…سقط ولد الرومية

دويدا….. ثائر من ورديغة وبطل من أبطال المقاومة بواد زم 

أبطال المقاومة الوطنية ضد الاستعمار الفرنسي بمناطق من الأطلس وسوس والريف والصحراء، اخذت نصيبا أوفر من التداول الإعلامي والفكري، غير أن منطقة “ورديغة” لا تذكر الا بالانتفاضة البطولية لقبائل “السماعلة” و”بني سمير” و”بني خيران” سنة 1955، والتي كانت البؤرة الرئيسية لانطلاقة شرارة ثورة الملك و الشعب.

عرفت مدينة “وادي زم”  بطلا وثائرا شرسا نغص على السلطات الاستعمارية تواجدها بالمنطقة وعجلت ثورته التي قادها بانسحابها من المغرب واعلان استقلاله.

إنه  “بحار بنداود بن الغزواني بن ادريس السميري الحدادي” الملقب ب “بدويدة”، ولد سنة 1904 بقبيلة “بني سمير” قرب “وادي زم”، الذي يمكن اعتباره أحد أبطال المقاومة ب”وادي زم”، هذه المدينة التي كان الاستعمار يريد لها ان تكون قاعدة عسكرية، ومنصة لوجيستيكية بين الدار البيضاء والاطلس، وبين مراكش وفاس، ومحطة للتموين بالعتاد والغذاء، فحولها الثائر (دويدة) الى بركان هادر، حيث فاجأها بانتفاضة عارمة يوم 24 غشت 1955، وبخروج قبائل “السماعلة وبني سمير وبني خيران” بشعارات ثورية وعفوية، رغم ان المؤرخين لم يعطوا لهذه المدينة الصامدة حقها باستثناء الدكتور “صالح شكاك” في كتابه الرائع: (ورديغة الكبرى) ولم يكلفوا أنفسهم عناء النبش في وثائقها المكتوبة، ورواياتها الشعبية، وحكمها الشفوية وأغانيها الاصيلة؛ ويزخر تاريخ المنطقة بتراث شعبي يؤرخ لتاريخ المنطقة والمقاومة… أغاني تغنى في الأعراس… ترددها الشيخات… يغنيها (اعبيدات الرمى) بجوارحهم وتقشعر اليها جلودهم. 

             ■■■■■■■■■■■■

الاسم الكامل  ( بحار بنداود بن الغزواني بن ادريس السمري الحدادي العمراوي) . ولد سنة 1904 بقبيلة بني سمير قرب وادي زم ، اشتهر بتدينه وزهده  : دويدة المسكين غير الصلاة والدين

وقد شارك دويدة في تنظيم وتاطير وتنفيذ ثورة القبائل بوادي زم، ويغني عنه في العيطة  :

ياك اعطاو لمعتاد عند علي ولد حمان

جماعة جاية تكاود …..اه فين بنداود

اليوم ما كاين هروب ….خلطو بارود وكركوب 

ديرو كي حزامات …تيضربو تا لعيالات .

 

وقد شارك مع ثوار “واد زم” في ثورة السبت  20 غشت 1955. مستعملا بندقيته التي لا يفرط فيها اطلاقا، وقد ساعدته فراسته وذكاءه وايمانه من الافلات من قبضة السلطات الاستعمارية. وبقي يطل من سطح داره يطلق الرصاص على الفرنسيين الذين كانوا يتساقطون، حيث تقول كلمات فن العيطة:

دويدة فالقنوت …..اللي طل يموت

لبس القفطان….. سقط القبطان

لبس البدعية….. سقط ولد الرومية

عندما وصل يوم 20 غشت 1955 قال قولته الشهيرة : (لحت مال الدنيا وهزيت مال الاخرة)، وهكذا تأهب للمعركة، وأسقط في هذا اليوم خمسة فرنسيين، ولما حاصرته فرنسا رفض الاستسلام، وغنت عنه فنانات فن العيطة:

“دويدة وحدو مخانش عهدو”

وقد دام الحصار أيام السبت 20 والاحد 21 والاتنين 22 غشت تخللتها معارك ضارية، ودائما مع فن العيطة:

“ياك بنداود فوق الحيط اللي قرطاسو داير خيط”

وبقي يحارب لوحده، فحاصرت فرنسا بيته بالدبابات والرشاشات لكنه لم يستسلم، فاضطرت فرنسا الى هدم الدار عليه، فسقط عليه سقف الحجارة وتكسرت يده… هكذا اعتقلوه وطلبو منه اختيار مكان موته، فقال (أريد ان اموت في بيتي) وفعلا لبت فرنسا رغبة الشهيد اعترافا بمقامه ومقاومته، العيطة:

“دويدة ولد الحلال…… مات في المحال

ضرب على عارو….. حتى مات في دارو

دويدة بن ادريس….. مات كيف العريس

الشيبة النقية……. تقاتل الكرايدية

وقد تم اعدامه بالرصاص:

دويدو لمزوق…… لاش طورق

هكذا يستشهد بطل كبير، تقول( الاغنية الوادزمية) في رثائه:

مشى مول الدهم…. عمارة واد زم

خرجوا الحاجبات…. راه دويدة مات”

لقد استشهد البطل “دويدة” يوم الاثنين 22 غشت 1955 ، فسكت صوت وطني غيور رفض الخنوع والاستسلام، وبقيت بندقيته موضوعة جانبا ومصابة بالصدأ:

 

جويجة صدات ….ادويدة مات

فعلا فعلامة الصدأ دليل على عدم استعمال البندقية، دليل على استشهاده، أو كما تقول أغنية أخرى:

 

جويجة سكتات …….راه دويدة مات

لم يصدق احد ان البطل دويدة مات… هل يموت البطل الذي رفض الذل والعبودية؟

هل يموت البطل الذي قاوم المستعمر الغاشم؟…. لقد مات البطل الذي تقول الاغنية الوادزمية في حقه:

 

دزيدة السبانب…… مات وطاني 

ميمتي دويدة قتلوه…… فين العربي خوه

رحمو بن داود…….. مات مجاهد

دويدة زينو منقوش… تايضرب الروس

وفي مقطع اخر يوصف بأنه وطني صادق، وطني يحب بلاده ويدافع عنها رغم شيخوخته، فالفرنسيون أنفسهم سيصابون بالدهشة عندما القوا القبض عليه… كيف يمكن لهذا الشيخ الجليل أن يحارب لوحده لمدة ثلاتة ايام الجيوش الفرنسية، وأن يزرع الرعب في صفوفها:

واخ راه شيباني راه وطني

ياك السبت معاود على بنداود

اما يوم استشهاد فكان عرسا ، بكى فيه الرجال والنساء، تقول الأغنية :

دويدة مول الدكانة… شحال بكانا

دويدة كلامك … تبت نهار السبت

            ■■■■■■■■■■■■■

هذا هو الشهيد والثائر “دويدة” الذي استبسل واسترخص حياته من أجل حرية وطن غير عابئ بالدنيا او ريع او كريمة، بل كان عاشقا للحرية والشهامة والقيم الثورية الاصيلة.

هذا هو “دويدة” البطل المغمور في مدينة منسية و مهمشة ورغم التجاهل والتهميش للمدينة ولقائد ملحمة 20 غشت المجيدة فقد ظل البطل “دويدة” حيا  في قلوب أبناء “أولاد سمير” و”السماعلة” يرددون مناقبه في أغانيهم وأهازيجهم ورقصاتهم ويتناقلون ملاحمه من جيل لجيل كثائر مات بالطريقة التي قال عنها المناضل الكوبي “تشي جيفارا”:

أن تموت واقفا خير من أن تعيش راكعا، وفي يوم عرفات نسال الله ان يتغمد الله روح “دويدة”، وكل الشهداء الصادقين ممن بللوا تراب الوطن بدمائهم لنعيش نحن في اليوم في حرية.

التعليقات مغلقة.