الدنيا..او..اماضال.. في الثقافة وفي الثرات الشعبي الامازيغي

 بقلم الحسن اعبا

 

لم يستطع احد من المفكرين والعلماء ولا حتى الفلاسفة ان يعطي تعريفا دقيقا او محددا للكون، وانما كل واحد يفسر الكون حسب رايه ونظرياته.

الكونيّة هي مصطلح يرمز إلى المفاهيم الدينيّة والفلسفيّة حول الكون وما ينطبق عليه من كافة النواحي المختلفة، ويعتمد هذا المصطلح على عدد من النظريّات حول كينونة كافة البشر والكائنات على الأرض،[١] أمّا الكونيّة دينيّاً فهي عبارة عن مبدأ يؤكد انصياع كافة البشر والكائنات تحت رعاية وإرادة الله الخالق، وبالتالي فهي تؤكّد على أنّ هذا الكون بأسره تحت تصرّف خالقه فقط.

يعني أن مفهوم الكونيّة فلسفيّاً يدل على كلّ ما هو مشتركٌ إنسانيّاً، وهو مطلبٌ إنساني وفلسفي معاً، ويحول هذا المفهوم على مجموع المبادئ والقيم كحقوق الإنسان، والعدالة والحريّة وغيرها، ولذلك يعدُّ الكونيُّ هو الفضاء أو أفقٌ مشترك يحمل خصائص وصفات مشتركة توحّد كافّة البشر رغم اختلاف وتنوّع خصوصيّاتهم. ان الكلام عن الكون يطول ويتشعب، وإذا أردنا أن نتحدث عن علم الفضاء والكون نحن بحاجة لأن نؤسس لهذا العلم من خلال فهمنا للحظة البداية، والبداية هي نشأة الكون. كيف نشأ؟ وما هو موقعنا منه؟ وما هي أهم النظريات التي مرت، والتصورات عن الكون عبر الأزمنة التاريخية؟

 

تتلخص النظريات حول نشوء الكون بمدرستين اثنتين: أولاهما أن الكون كما هو ببداية ونهاية لا يتطور ولا يتغير، والثانية أن الكون يتطور وله بداية وقد يكون له نهاية.

 

إن الثقافة الأمازيغية بشكل عام مثلها مثل جميع الثقافات العالمية التي تحدثت عن الكون وأسراره وغرائبه وغرائزه.. فالكون.. أو الدنيا، وبالامازيغية المتداولة… دونيت… و اماضال.. ليس جديدا في الثقافة الشعبية الامازيغية…، فالامازيغ استنطقوا الكون والطبيعة وضربت امثال كثيرة عن هذا الكون العجيب الغريب الذي ما زال يحير العلماء والباحثين وغيرهم من بني البشر.

إن دراسة الكون لا تنفصل وجوديًا عن دراسة الذات التي تشكل أحد نتاجات الكون الأصيلة، ولعل دراسة الكون وغوامضه هي المفتاح لفهم الذات، وهذا ما أراه يعبر عن المضمون العميق لجملة “سقراط” بأن يعرف الإنسان نفسه، وهذا ما أراه يعبر عن المضمون الغني لدراسات فلاسفة اليونان، ومن قبلهم الميثولوجيات الدينية لحل لغز الوجود الكوني، وبنفس الوقت من خلال دخول عالم الذات العميق، ومن هذا المنطلق بالذات تقاطع تاريخي بين الكونيات والفلسفة، فكليهما يعبران عن طرح شمولي للفهم، وكليهما قائمان على تساؤلات وفرضيات ونظريات وتخيلات لعوالم ممكنة، ويكفي أن نفهم التقاطع العميق بين “مونادات” لايبنز الفلسفية، وعوالم “أفريت” الكونية، ومفهوم الزمن الفلسفي مع زمان النسبية العامة، وشمولية جبرية “اسبينوزا” مع مفاهيم الكون الثابت، ونظرية الخير عند “أفلاطون”، أو الفراغ عند “ديمقريطس” أو “الله” عند “لايبنز” التي تؤدي كلها الدور نفسه في النظرية الكونية، وتصورات موسيقى الكرات القديمة للكون عند “الفيثاغورية” مع نظرية الأوتار الفائقة الكونية التي تقترح أن المشهد المجهري للمادة تغمره أوتار دقيقة تتحكم أنساق اهتزازاتها في تطور الكون، لنرى مدى التقاطع التاريخي بين نمطي المعرفة.. ومن بين الأمثال الشعبية الأمازيغية، إليكم هذه القصيدة الشعرية الأمازيغية لأحد المتصوفة الأمازيغ القدماء وهو يتحدث عن الكون… “دونيت”، حيث قال:

 

ادونيت اتار لاماناياساراگ ن دنوبي
ادونيت اتار لاماناياسگنيئيلان غ لبور
تغدرتي تغدرت والي كنت ئيبنان ابو نزاهات
ئيبنو كنت اتاشرافينئيدو س اكال ئيزدغگيس
ايامكسارارد وولي ياغوزالاكيوسفردي
اهان اجديگانتزريتءيلا فلاس لحسابي


إن الدنيا أو الكون هنا هو غدار يغدر بالانسان ويغريه بإعاجبه حتى ينسى الإنسان خالقه كما جاء في هذه القصيدة التصوفية القديمة الرائعة.

فالانسان يجب ان يكون كالراعي الدي يرعى الغنم ويعكف حتى لاتتجاوز اغنامه هذه الحدود. وهناك مثل آخر قيل بلسان الحيوان ويضرب بين الناس حيث قال:


القنفد.. وبالامازيغية… بومحند… او ئينيسي
ئينابومحند… قال القنفد
… دونيتؤر تعودي ءيميؤرتاتؤفيغ…
فالكون حسب المثل لانهاية له وليس هناك بابا للخروج منه
وجاء على نفس الحيوان اي القنفد
ئينابومحند … قال القنفد
دونيت اياد داتزيگيز خار تساقلاي

 

هذا المثل الشعبي مصدره قصة امازيغية قديمة جرت بين القنفد ورفيقه الدئب عندما كان يتجولان حتى أصابهما العطش، ففكر القنفد في حيلة فنزل في دلو الى قاع بئر فشرب حتى شبع فأطل عليه الذئب فقال له القنفد يا صاحبي هنا في هدا القاع أغنام كثيرة.. فلما سمع الدئب الرواية نزل في دلو اخر في الوقت الذي دخل فيه القنفد الى دلو اخر فلما التقيا في الوسط قال له الدئب الى أين ياصاحبي فأجابه القنفد هذه هي حال الدنيا ياصاح فيها الطالع وفيها النازل، فتركه حتى مات وحيدا في قاع البئر، وحول الدنيا أو الكون يقول أحد الشعراء القدماء الذي شبه الدنيا بالنسيخ، وشبه الخيوط بالايام، والفصول بالحديد، والقصب بالمطر، وذلك في بيث شعري رائع حيث يقول:

 

تگادونيتازطا
گونؤسانءيفالان
گونءيزمازؤزال
ءيگؤزالاغانيم

 

وقال شاعر آخر، والذي اعتبر الكون أو الدنيا بمثابة حقل، بذوره البشر، والحصاد هو عزرائيل الذي يحصد أرواح الناس حيث قال:

 

ئيگراتگادونيت
ئيگ بنادم امود نس
ءيگو سيدنا ازراين
اشووال خار مگرن
ويقول مثل شغبي اخر
…زوند يان م ءيتملادونيت اغو تسرس ازد امان
اي مثل الدي ظن ان الدنيا لبنا فوجد ماء
وهناك مثل اخر قيل بلسان الحرباء..وبالامازيغية..كاشا..اومحباوش
قالت الحرباء…تنا كاشا
… اسي اضار سرس اضار اورن سراك تگراولدونيت
اي ءيمشي رويدا رويدا حتى لاتنقلب عليك الدنيا

وكخلاصة عامة، فالكون أو الدنيا تناوله المثل الشعبي قديما واستطاع الأمازيغي أن يستنطق الكون والطبيعة وما تحمله من أسرار.

المراجع – المصادر

• الكون – تأليف دافيد برجاميني – مكتبة لايف العلمية – بيروت – 1971.
• الكون – تأليف كولين رونان – الأهلية للنشر والتوزيع – بيروت – 1980.
ملاحظة…كل هده الامثال الشعبية والقصص حول هدا الكون مازالت متدوالة الى اليوم بتازناخت ونواحيها.

التعليقات مغلقة.