الرأسمال البشري

إعداد : عبد الواحد بلقصري

باحث في مركز الدكتوراه بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة ابن طفيل 

 

يتألف الرأسمال البشري من المعارف والمهارات والقدرات الصحية التي يستثمر فيها الناس وتتراكم لدى الأشخاص على مدار حياتهم بما يمكنهم من استغلال إمكانياتهم كأفراد منتجين في المجتمع، ويساعد الاستثمار في البشر من خلال توفير التغذية والرعاية الصحية والتعليم الجيد والوظائف والمهارات على تنمية الرأسمال البشري وهو أمر أساسي لإنهاء الفقر المدقع وبناء مجتمعات أكثر شمولا.

وفي هذا السياق فقد  أكد تقرير التنمية البشرية لسنة 2019 في موضوع الطبيعة المتغيرة للعمل، على أنه ما لم يتم تقوية الرأسمال البشري، فلن يتسنى للبلدان مواصلة نموها الاقتصادي المستدام والشامل، ولن تكون لديها قوة عاملة مؤهلة لشغل الوظائف التي تتطلب مستوى رفيعا في المهارة والكفاءة في المستقبل، ولن تناقش بقوة في الاقتصاد العالمي.

وقد أكد التقرير على أن التنمية البشرية حققت مكاسب غير مسبوقة على مدى السنوات الخمسة والعشرون السابقة الماضية، لكن لا تزال هناك تحديات خطيرة، لا سيما بالنسبة للبلدان النامية، أهمها كون العديد  من الأطفال يعانون من نقص في التغذية، وهناك أزمة في التعليم تعوق تقدم العديد من البلدان، وتظهر البيانات أن سنوات التعلم التي يحصل عليها الأطفال في بعض البلدان أكثر من مستوى بلدان أخرى، رغم استمرارهم في الدراسة لنفس المدة الزمنية، دون أن ننسى أن جائحة كورونا أثرت بشكل كبير، حيث أن توقف أكثر من مليار طفل عن الذهاب إلى المدرسة بسبب الجائحة، وحدوث اضطرابات كبيرة في الخدمات الصحية الأساسية، مثل التطعيمات الروتينية، والرعاية الصحية للأطفال

كل هاته العوامل ساهمت بشكل كبير في حدوث نقص في المهارات والفرص، وقد أطلق البنك الدولي مشروع رأس المال البشري، وذلك بغاية توفير المجال السياسي لقادة الدول لتحديد أولويات الاستثمارات التي من شأنها إحداث تغييرات في مجالات الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية، وقد ارتكز المشروع على محاربة الفجوات في رأس المال بين البلدان.

ومن جوانب الابتكار المهمة التي يتسم بها هذا المشروع، أنه يقيس مدى إسهام الصحة والتعليم في إنتاجية الأفراد والبلدان بناء على دراسات مناسبة دقيقة على مستوى الاقتصاد الجزئي.

ويعتبر المغرب من البلدان الرائدة التي راهنت على الاستثمار في الرأسمال البشري على اعتبار ان المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي يمولها البنك الدولي، والتي يعتبرها إحدى أهم المبادرات المبتكرة في العالم.

و تعد المبادرة الوطنية التي أعلن عن انطلاقتها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله،   بتاريخ 18 ماي 2005، مشروعا اجتماعيا تنمويا، وورشا ملكيا خاصا، خلاقا ومبدعا و مفتوحا باستمرار، وفلسفة رائدة تهدف إلى معالجة إشكالات الفقر  والإقصاء الاجتماعي والهشاشة، كل ذلك ضمن استراتيجية شمولية ترتكز على البعد  التراثي، والمقاربة التشاركية، مع مختلف   الفاعلين المعنيين بالحقل التنموي، وقد جاءت المبادرة لتغيير أنماط العمل الاجتماعي في البلاد من خلال فتح أفق جديد يرتكز على تطوير القدرات البشرية.

فبناء على التجارب السابقة ومعرفة أفضل بظواهر الاقصاء والفقر، فإن هذه المبادرة تعكس إرادة سياسية على أعلى المستويات في الدولة لترسيخ سياسة سريعة وفعالة في مكافحة الهشاشة والفوارق الاجتماعية، وقد جاءت لتقدم أيضا  تغييرا  نوعيا  في الأسلوب، لأنها ترتكز  على مبادئ أساسية، من قبيل تحدي جيد للأهداف والمناطق والمستفيدين، أو إدماج سوسيو للتدخلات والبرامج؛ مبادرة تستفيد من تمويل خاص ذو طابع  مؤسسي.

تأتي المرجلة الثالثة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي أعطى صاحب  الجلالة  الملك  محمد  السادس، نصره الله انطلاقتها  يوم 19  شتنبر 2018، حيث أشار جلالته الى أن هذه المرحلة ترتكز  على مقاربة إرادوية متجددة تهدف إلى تحصين وتعزيز المكتسبات مع إعادة توجيه  البرامج سعيا للنهوض بالرأسمال البشري، والعناية بالأجيال الصاعدة، ودعم الفئات الهشة، بالإضافة إلى اعتماد جيل جديد من المبادرات المذرة للدخل والمجددة لفرص الشغل.

ومن بين البرامج المهمة والمبتكرة التي جاءت بها هاته المرحلة، نجد البرنامج رقم 4 الذي يعنى بالدفع بالرأسمال البشري للأجيال الصاعدة، كما يسعى هذا البرنامج إلى الاستثمار في الرأسمال البشري، وذلك بالتركيز على المحاور التالية:

المحور الاول:  تنمــــــــــــــية الطفولة المبكرة عبر تقوية نظام صحة الام والأطفال، والمساهمة في محاربة سوء التغذية لدى الأطفال، ودعم تعميم التعليم الاولي.

المحور الثاني: مواكبة الطفولة والشباب، وذلك عبر تقوية الدعم المدرسي، والنهوض بالصحة  المدرسية، وتدعيم الأنشطة الفنية والثقافية والرياضية وتحسين المحــــــــيط  المدرسي وظروف التمدرس عبر فضاءات الإيواء والمطاعم المدرسية والنقل  المدرسي.

وقد أنجزت في اطار هذا البرنامج العديد من المشاريع، سواء منها المتعلقة بالتعليم الاولي، أو الدعم المدرسي، أو الصحة المدرسية، أو التوجيه المدرسي.

وسوف نتطرق إلى الأثر الاجتماعي لهاته المشاريع في مقالات قادمة إن شاء الله.

في الأخير يمكن أن نخلص إلى أن الاهتمام بالرأسمال البشري، كما أكدت العديد من الدراسات، يساهم بشكل كبير في تحقيق النمو الاقتصادي الذي بواسطته يمكن تحقيق الرفاه الإنساني عبر الرفع من مؤشرات التنمية البشرية.

التعليقات مغلقة.