القدس عروس عروبتكم انتفاضة القدس أجهضت مشاريع التطبيع وقوضتها

عبد الإله شفيشو / فاس

إن المسجد الأقصى، تلك الأرض المقدسة، التي إليها كان الإسراء ومنها كان المعراج (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)، في خطر شديد خطر التهويد، وما الاقتحامات اليومية للمجسد الأقصى من طرف المستوطنين اليهود والاعتداءات المتكررة على المصلين والمرابطين من قبل جيش الاحتلال “الإسرائيلي” ما هو إلا استهتار بمشاعر المسلمين، واستخفاف ببلاغات التنديد والشجب والاستنكار التي تصدر عن المطبعين، وكان لافتا ما قبل اندلاع انتفاضة القدس انتشار حمى التطبيع بين أنظمة عربية رسمية والكيان الصهيوني، وكان واضحا حرص تلك الأنظمة على نقل التطبيع من مستواه الرسمي إلى مستويات شعبية مختلفة، وهو ما تمثل بزيارات وفعاليات متبادلة بين تلك الدول و الكيان الصهيوني، وعلى الرغم من الرفض الشعبي العربي والإسلامي الواسع لتلك الفعاليات الرامية إلى كسر الحواجز وإزالة الموانع تجاه التطبيع في مستوياته الشعبية المختلفة، إلا أن زخمها ازداد يوما بعد يوم خاصة بعد لقاء قمة “النقب” السداسي وقبل انتفاضة القدس بكل تداعياتها على الداخل الفلسطيني وعلى صعيد المقاومة في غزة.

إن غالبية الشعوب العربية والإسلامية باتت أشد استنكارا ورفضا لكل نشاطات التطبيع وفعالياته بعد جرائم الاحتلال الصهيوني الأخيرة في مدينة القدس والمسجد الأقصى وقصفها الجنوني لقطاع غزة، لكن كيف سينعكس ذلك على مشاريع التطبيع التي تتولى وحشيتها الدول المطبعة مع الكيان والتي تدفع بكل قوتها لنقله إلى مستويات شعبية واسعة وعريضة؟.

ففي قراءة لمشهد ما بعد معركة سيف القدس الأخيرة، فإن مشاريع التطبيع تلقت صفعة مدوية في خضم المعركة، و يمكن أن نتوقع تراجعا في فعاليات التطبيع، ولكنه تراجع مؤقت، فالأنظمة التي تسعى للتطبيع، كالإمارات والبحرين والسعودية والمغرب فضلا عن الأردن و مصر بطبيعة الحال، هي أنظمة ترى في علاقتها مع “إسرائيل” مصلحة استراتيجية، وهذه الأنظمة تطبع عمليا منذ سنين، أو منذ عقود، ولكنها أرادت الآن أن تمارس “تطبيع التطبيع” بحيث تجعل العلاقة مع الصهاينة علاقة مقبولة جماهيريا، مع العلم أن العلاقة مع “إسرائيل” لا تعود بأي مصلحة على الأوطان، وإنما المصلحة المرجوة هي مصلحة الأنظمة التي تحتاج إلى الدعم الصهيوني في واشنطن.

إن انتفاضة القدس على مشاريع التطبيع في المنطقة هي الهبّة التي قلبت الطاولة في وجوه المطبّعين، وصحّحت البوصلة، وكانت أشبه بالكابوس على مسار التطبيع، فقد حاولت دول التطبيع على مدى سنوات أن تشوّه صورة المقاومة الفلسطينية بشكل عام، وحركة حماس بشكل خاص، من خلال اتهامها بالمتاجرة بالقضية، وبالتصرف وفقاً للمصالح الإيرانية  على حساب مصلحة الشعب الفلسطيني، بل إن الأمر وصل حدّ وصم المقاومة الفلسطينية بالإرهاب، بل توهم المطبعون أن التطبيع قدر المنطقة، وأنهم قاب قوسين أو أدنى من تصفية القضية الفلسطينية، لا سيما بعد الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، وبعد ما سُمّي بصفقة القرن، وظنّوا أنهم قادرون عليها، فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا بحيث بعثرت انتفاضة القدس أوراقهم.

إن انتفاضة القدس هي المعركة التي مثلت الأمل الذي كانت تنتظره الجماهير العربية والإسلامية التي خيم عليها مسلسل من الأحزان والهزائم، وهذا ما يفسر كيف أن الهبة الشعبية لمعركة سيف القدس والمرابطين في القدس كانت قوتها مفاجئة وغير متوقعة، ورافضة لعمليات التطبيع، نعم لا يستطيع أحد حتى الآن تفسير هذه الهبة الشعبية القوية، لكن أقرب التفسيرات الممكنة هي وحدة الشعب الفلسطيني، والروح الجديدة التي تسري في جسد هذا الشعب، وهي الطريق الموصلة للحرية والاستقلال، و هذا السيناريو هو الأسوأ لتطبيع تلك الأنظمة العربية مع كيان الاحتلال الصهيوني.

التعليقات مغلقة.