المرأة المغربية أي حماية قانونية؟

فاس / صقلي حسيني زهراء

 

عالجت عدة اتفاقيات دولية وضعية المرأة ووسعت من مجالات الحماية وتقوية مركزها القانوني، ورفعت الظلم الذي كانت تعانيمنه في العالم.

ولم يكن المشرع المغربي بمنعزل عن هذه التغيرات،حيث اعتبر الآلية التشريعية أساسية وجوهرية لإقرار الحقوق الإنسانية الخاصة بالنساء بهدف تعديل وضعها القانوني لضمان المساواة الفعلية بين الجنسين في التمتع بهذه الحقوق والحريات، وقد اتخذ في هذا السياق مجموعة من التدابير القانونية لتجاوز القصور التشريعي في مجال الحماية من التمييز ضد المرأة القائم على النوع.

 

أولا: مظاهر حماية المرأة في دستور 2011

استجابة وتنفيذا للالتزامات الدولية التي صادق عليها المغرب، وكذلك في سياق التنزيل السليم لمقتضيات دستور 2011، الذي كرس سمو المواثيق الدولية لحقوق الإنسان على القوانين الوطنية واعتبرها مصدرا من مصادر التشريع، نص الدستور على مبدأ المساواة بين النساء والرجال في الحقوق السياسية والمدنية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، كما أكد على تجريم التمييز بين الرجل والمرأة، مجاراة لما نصت عليه المادة الأولى من الاتفاقية الأممية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، وهو ما نص عليه الفصل (19) من الدستور الحالي تحت عنوان “الحقوق والحريات الأساسية”، لكنه يعود ليقيد هذا الحق ويجعله كما أنه لم يكن من خلال حديثه عن أن هذا الأمر يتم في إطار ثوابت المملكة وهويتها.

والملاحظ أن هذا الفصل أحيل عليه الفصل (164) الذي ينص عن إحداث هيئة مكلفة بالسهر على المناصفة، ومحاربة التمييز ضد المرأة؛ لكن عدم احترام القانون المنظم لهذه الهيئة للمعايير الدولية، خاصة معايير باريس بشأن المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، سواء من حيث الاختصاص أو العضوية أو الوسائل الضرورية للقيام بمهامها بفعالية، كما أن تنصيص الدستور على عدد من الحقوق لم يتبعه تغيير للقوانين المحلية التي لا زالت تنطوي على العديد من المقتضيات التي تكرس التمييز ضد المرأة.

 

 ثانيا: حماية المرأة في مدونة الأسرة

تعتبر المرأة عماد الأسرة ولبنة أساسية في المجتمع، وتعتبر كرامتها من كرامة الرجل، لأنها متساوية معه، لذلك كرس المشرع المغربي في صياغته لمدونة الأسرة النزعة الاتفاقية الدولية الخاصة بالمرأة، بحيث تضمنت مدونة الأسرة الجديدة 2004 مجموعة من الأحكام التي أنصفت المرأة، والمضي بها على قدم المساواة مع الرجل.

وانسجاما مع ذلك جاءت بمقتضيات جديدة تجسد حرية المرأة ورضاها الكامل، وذلك بإلغاء الولاية على الراشد من خلال المادة 24 من المدونة، التي أقرت ولاية المرأة على نفسها، بالإضافة إلى المادة 25 التي منحت المرأة الراشدة حقها في إبرام عقد الزواج، أو تفويض ذلك لأبيها، أو أحد أقاربها.

كما أقرت مدونة الأسرة الجديدة مبدأ المساواة بين الجنسين من خلال توحيد سن الزواج وتحديده في 18 سنة، وذلك بموجب المادة 19 من المدونة، إلا أن الاستثناء الذي أقرته المادة 20، وبموجبه منحت لقاضي الأسرة إمكانية الإذن بتزويج القاصر بقرار معلل يحدد مصلحته الفضلى، أصبح هو الأصل، وقد عبرت مختلف مكونات القوى الحية من جمعيات وأحزاب سياسية وهيئات حقوقية، على ضرورة وضع حد لهذه الظاهرة لما لها من آثار نفسية وصحية واجتماعية واقتصادية على الطفلات، والأخطر من ذلك أنه عند زواج القاصر يصبح لديها الحق المدني، كما من شأن الزواج المُبكر أن يحرم القاصرات ضحاياه من مجموعة من الحقوق الإنسانية الأساسية أسوة ببقية الأطفال، وعلى رأسها الحق في التعليم والترفيه.

وتعتبر مسألة تعدد الزوجات من بين أهم القضايا التي أثارت نقاشا حادا داخل المجتمع قبل صدور مدونة الأسرة وبعدها بين معارض لمنع التعدد وتقييده، وبين من يشيد بتقييد التعدد لما له من أضرار على الزوجة من جهة وعلى الدولة من جهة أخرى، وذلك من خلال وضعها في موقف محرج أمام المنظمات والهيئات الدولية لا سيما بعد مصادقة المغرب على عدة اتفاقيات دولية خاصة بالمرأة، الامر الذي أوقع المشرع المغربي في عمق الإشكالية، والتي ضعته أمام خيارين، فهو من جهة يتطلع إلى تحرير المرأة ومسايرة الواقع والوفاء بالالتزامات وعهوده الدولية، لكنه من جهة أخرى مقيد بعدم الخروج عن هويته وخصوصية المجتمع الدينية والثقافية.

فحاول هذا الأخير وضع شروط تقيد من حرية الرجل في القيام بالتعدد ومنح السلطة القضائية سلطة الإشراف الفعلي والقانوني المسطري على أحقية التعدد في الزواج؛ وما من الامر اشكالا هو استغلال الراغبين في التعدد لتجاوز الاذن القضائي مقتضيات المادتين 16 و156 من مدونة الاسرة، والتحايل على القانون بواسطتهما، حيث اذا رجعنا الى المادة 16 نجدها تسمح بتوثيق عقد الزواج الذي حالت ظروف توثيقه في وقته، أما المادة 156 فتدعوا الى الحاق نسب حمل المخطوبة بالخاطب، وبالتالي توثيق عقد الزواج.  

وقد طالبت العديد من الحركات النسائية بضرورة إلغاء التعدد ومنعه مطلقا لأن كرامة المرأة ومساواتها أمام الرجل تتطلب منعه، فهو يعبر عن تناقض صارخ بين التشريع الأسري المغربي وبين ما تنص عليه المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، كما عملت مدونة الأسرة على منح المرأة حق التطليق بسبب إخلال الزوج بالنفقة الواجبة عليه، أو بسبب ضرر سواء كان معنويا أو ماديا، وذلك عبر التطليق للشقاق الذي جاء كإجراء يهدف إلى إعطاء المرأة شروطا تسهل طلب الطلاق دون إلزامية إثبات الضرر أو الاستعانة بالشهود، نجد الرجال هم من يستثمرون مسطرة الشقاق في الوقت الذي يلزم فيه غالبا القضاة المرأة بتقديم أدلة وشهود لإثبات الضرر قبل اتباع مسطرة طلاق الشقاق، كما لا يحكم بالمتعة في حالة التطليق للشقاق بناء على طلب الزوجة، وانما يحكم لها بالتعويض بعد أن تثبت مسؤولية الزوج عن الفراق؛ وهذا ما يتنافى مع ما جاء في المادة 97 من المدونة والتي كانت صريحة في لغتها وبنائها.

وإذا كان هذا الإصلاح القانوني الكبير قد شكل منظورا شموليا ومجددا لكونه اعتمد مساواة أكثر في العلاقة بين الرجل والمرأة، سواء في الفضاء الخاص أو الفضاء العام، الا أنه ما زال هناك بعض العراقيل أمام انصاف المرأة سواء المتعلقة ببعض الأحكام القانونية، أو المتعلقة بالعقلية الذكورية الرافضة للمعاملة بالمثل، لذلك يبقى هذا الورش الإصلاحي مفتوحا في انتظار استكمال كافة متطلبات المساواة بين الجنسين وإقرار جميع الحقوق والحريات ومناهضة كافة أشكال التمييز ضد المرأة.

التعليقات مغلقة.