” التَّـرَحُّـمُ ” ماركة مسجلة للمسلمين فقط !؟ (“شرين أبو عاقلة” نموذجا)

فاس / عبد الإله شفيشو 

 

02 أبريل 2005 توفي (بالحبر الأحمر) بابا الروم الكاثوليك “يوحنا بولس الثاني Ioannes Paulus PP. II” فدعا له شيخ الفتاوى، “يوسف القرضاوي”، قائلا بالحرف: (ندعو الله تعالى أن يرحمه ويثيبه بقدر ما قدَّم من خير للإنسانية وما خلّف من عمل صالح أو أثر طيب)، فلم تصدر آنذاك أي ردود غاضبة عن شيوخ السلفية لأنه وبكل بساطة، فصاحب الفتوى هو كبيرهم الذي علمهم الفتاوى.

 

11 ماي 2022 ستغتال (بالحبر الأحمر) الصحفية “شيرين أبو عاقلة Shireen Abu Aqla” برصاصة الغدر من قبل جيش الإحتلال “الإسرائيلي” فتدخل شيوخ الفتنة وأقاموا الدنيا ولم يقعدوها، لما بدأ التَّرَحُّمُ على روح الصحافية، بل وصل بهم الأمر إلى تكفير كل من توجه للرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمُ، رَبِّ الْعَالَمِينَ بطلب الرَّحْمَةُ لروح شهيدة كلمة الحق.

 

لأجل كل هذا، تحتاج مسألة الدعاء للكافر بالمغفرة والرحمة إلى مناقشة جدية ونقدية تستعاد فيها النقاشات الفقهية الأصيلة التي سبقت نزعات التسلف والخطابات الدعوية التي تنزع إلى المفاصلة مع فقر في الزاد الفقهي، فالدعاء لغير المسلم يتصل بمسألة شديدة الأهمية وهي الموقف من الأعمال الصالحة التي قام بها ذلك الإنسان (الكافر) في حياته، والتي سيثاب عليها بكل تأكيد وينتفع بها في الآخرة، وهي مسائل كلامية تستحق المناقشة بعيدا عن التصورات الشعبوية المهيمنة والتي تُشيع مزاجا عامّا غير متسامح ،بل لا يراعي أحيانا أدنى درجات اللباقة في التعامل مع موتى غير المسلمين.

 

لقد كشف الجدل الذي شهدناه خلال الأيام الماضية حول الدعاء لغير المسلم عن توتر بين دائرتي الأخلاق العامة من جهة والعقيدة التي يرى بعضنا أنها مهددة من جهة أخرى، فالأخلاق العامة تعني حسن الخلق مع الناس كل الناس أولا بوصفنا كائنات أخلاقية، وثانيا بوصفنا أعضاء في جماعة إنسانية توجب لنا وعلينا حقوقا وواجبات ( الجوار ،القرابة …)، أما التهديد الذي يتناول العقيدة من منظور بعضنا على الأقل فيتمثل في غياب الحدود الواضحة للأديان، الإسلام وغيره، أو التورط في تعظيم معتقدات وشعائر دين آخر من خلال الانفعال لوفاة شخص أو غياب الحدود الفاصلة بين الثناء على شخصه والثناء على معتقده مما قد يخدش إيمان المرء ويؤدي به إلى الكفر إن قصد ذلك.

 

 في باب التَّرَحُّمُ على غير المسلم يجب أن نفرق بين أمرين: 

أولا أن الله تعالى أخذ على نفسه أنه لا يغفر لمن مات على الشرك، وبالتالي طلب المغفرة غير مشروع (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ)، ثانيا طلب الرحمة هو شيء آخر، حيث أن الرحمة أوسع من المغفرة (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ)، ولقد نص العلماء أن نبي الرحمة “مُـحـمّـد رحمته ستنال كل الخلائق في الدنيا والأخرة، ففي الأخرة تفزع الأمة له لطلب الشفاعة مؤمنهم وكافرهم فيشفع في الأمم للتخفيف عنها، وبالتالي فالمنهى عنه الإستغفار لكن الرحمة بالمعنى الأوسع والأعم ليست كذلك.

 

هناك من البشر من هو عنصر خير ولو كان من غير المسلمين لدرجة أنه في المعاملة يكاد يكون أحسن من المسلمين أحياناً، ومثل هذا تحب أن تحسن إليه في حياته وبعد مماته وإذا ذكرت إحسانه بعد مماته تندفع لا شعورياً لتقول (الله يرحم فلان أو الله يجزيه الخير) ،فهل يجوز أن نقول هذا في حق غير المسلم؟،  المسلم وغير المسلم من خلق الله تعالى لكنه أمر خلقه بطاعته ودعا عباده لعبادته فقال: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، فالترحم من عدمه على غير المسلم  ليس معناه أن نحكم عليه بأنه من أهل النار، فهذا لا يجوز قطعا إلا من ثبت بالوحي أنه من أهل النار فعلا (فرعون ،أبي جهل ،أبي طالب وغيرهم ممن ذكرهم الوحي)، أما غير هؤلاء فلا نحكم عليهم بجنة ولا نار لأنه حكم بما لا علم لنا به، فالجنة والنار ملك لله، يدخل الجنة من يشاء برحمته ويدخل النار من يشاء بعدله؛ فدائما ما يحدث خلط بين عدم جواز الترحم على غير المسلم والحكم بأنه من أهل النار، فيظن الظان أن بالترحم عليه هو حكم عليه بدخول الجنة وهذا طبعا خطأ.

لقد أثار البعض في قضية التَّرَحُّمُ على اغتيال شهيدة القضية والكلمة “شرين أبو عاقلة “ما يضر ولا ينفع، وبما يمزق الشمل ولا يجمع، وليس هذا من الثوابت، فلنرجع قليلا  إلى التاريخ مع القائد “صلاح الدين الأيوبي” الذي رفض إطلاق لفظ الصليبيين على الحملات الأوروبية مع أن أصحابها سموا بها فقال: (هي حملات ليست لأجل الصليب والمسيح وإنما هي لأجل الهيمنة) فسماها أنداك بحملات الفرنجة، فالمعركة اليوم مع المحتل الغاصب الذي لا يرحم هي معركة شاملة حول قضية عادلة ومتنوعة، وهي القضية الأولى للفلسطينيين والعرب مسلمين ومسيحيين بل هي قضيه تشمل الإنسانية جمعاء لأنها قضية عادلة وتشمل جميع المنظمات الدولية لأنها قضية احتلال.

 

 من أجل كل هذا، من أجل إيصال رسالة للعالم حول حقيقة رواية الكيان “الإسرائيلي” المحتل لفلسطين اغتيلت الانسانة “شرين أبو عاقلة Shireen Abu Aqla” وهي (المسيحية) التي تدافع عن الأرض المقدسة التي كان إليها الإسراء ومنها كان المعراج ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)، أفلا يتوجب على المسلمين خاصة و القدس عروس عروبتهم أن يتقدموا قاطبة بالتَّرَحُّمُ على روح شهيدة قضيتهم الأولى!؟، ذلك أضعف الإيمان. 

التعليقات مغلقة.